هل يدافع روحاني عن "الجمهورية" والانتخابات الحرة حقًا؟
أدلى الرئيس الإيراني، حسن روحاني، خلال مؤتمر المحافظين وحكام المدن الإيرانية الذي انعقد في وقت سابق، بتصريحات جديرة بالاهتمام، وقال إن "ما يثير قلقي هو أن تتحول مفردة الجمهورية في يوم من الأيام إلى جريمة.. وإن أكبر خطر على الديمقراطية هو أن تتحول الانتخابات إلى انتخابات شكلية".
يشار إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يدلي فيها روحاني بمثل هذه التصريحات التي وجّه خلالها أيضا سهام انتقاداته نحو الأوضاع الراهنة بشكل ملحوظ.
وفي سياق آخر، أضاف روحاني: "إن البعض لا يحب كلمة الاستفتاء، بينما كان أساس انتخاباتنا هو الاستفتاء. وإن أحد مبادئ دستورنا أيضًا هو الاستفتاء. وبعد انتخابات أعضاء مجلس الخبراء أصبح الدستور دستورا من خلال الاستفتاء أيضًا.. ومن دون استثناء، فإن مشروعيتنا وأساس عملنا كله ينبع من الدستور، وهذا الدستور وجميع القوانين واللوائح أيضًا تكتسب مشروعيتها من أصوات الشعب، وبالطبع في إطار المعايير الإسلامية".
واعتبر روحاني في تصريحاته هذه، أن الحساسية الموجودة بشأن الاستفتاء أخطر من فيروس كورونا الجديد.
تجدر الإشارة إلى أن تصريحات الرئيس الإيراني هذه تأتي بعدما أظهر في تصرفاته أنه لا يعير أي أهمية للشعب ومنزلته الانتخابية، خاصة على شكل الاستفتاء، وهو ما ظهر جليا فيما يتعلق بحضور الشعب الإيراني في احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث ادعى في بداية الأمر وعلى الرغم من أنه واحد من الضالعين الرئيسيين في ارتفاع أسعار البنزين، ادعى أنه لم يكن على علم بارتفاع أسعار البنزين، وقد لجأ لاحقا إلى مبررات أخرى بعد كشف أحد المسؤولين الإيرانيين عن إبلاغ روحاني بمشروع ارتفاع أسعار البنزين قبل ثلاثة أيام من تنفيذه.
إلى ذلك، وفي أعقاب القمع الشديد والعنيف للاحتجاجات الشعبية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فإن روحاني، وهو الرئيس المنتخب من الشعب، لم يستخدم صلاحياته لفائدة المحتجين الذين اختاروه مجددا عام 2017 على أمل تحسين الأوضاع الراهنة، بل إنه أظهر وجهه الأمني من خلال تأييده لبث اعترافات المحتجين على شاشة التلفزيون.
وفي ظل هذه الأوضاع وهذه السجلات المظلمة، كيف يتوقع روحاني أن يقبل الشعب تصريحاته الأخيره حول الديمقراطية والاستفتاء؟
خلاف داخلي أو دفاع عن حقوق الشعب ومكانته؟
بالنظر إلى سجل حسن روحاني وسوابقه ومناصبه الأمنية القديمة في نظام الجمهورية الإسلامية، يمكن أن نلاحظ دوافع خاصة خلف انتقاداته واعتراضاته على مسألة عدم منح الأهلية، وهي حركة جديدة نسبيًا من قبل مجلس صيانة الدستور، وسيُكتشف لاحقًا أنه غير مهتم بفكرة "الجمهورية" أو الشعب.
1) بعد هجمات الأصوليين المتكررة على روحاني عقب خروج أميركا من الاتفاق النووي، لجأ الأخير إلى طرح فكرة الاستفتاء والتصويت العام، ليحدد فكرة المفاوضات مع أميركا عبر استفتاء يُؤخذ فيه القرار النهائي.
2) أعاد طرح مسألة الاستفتاء بعد رفض مجلس صيانة الدستور المصادقة النهائية على مشروعين من أصل أربعة لاتفاقية "FATF"، وكان هدفه إخراج الحكومة من هذه الأزمة الاقتصادية الحادة التي نتجت عن تصعيد العقوبات الأميركية على إيران خلال السنتين الأخيرتين.
3) على الرغم من أن رفض منح الأهلية ووضع قيود من قبل مجلس صيانة الدستور كان أمرًا اعتياديًا ودائمًا خلال العقود الأربعة الماضية لدرجة لا يمكن التمييز معها بين الانتخابات والتعيينات في إيران، فإن شدة هذه القيود في منح الأهلية وتصفية الحسابات في هذه الدورة الانتخابية أمر غير مسبوق، حيث تم رفض منح الأهلية لـ90 شخصًا من أصل 247 نائبا حاليا في البرلمان ترشحوا للانتخابات المقبلة، وتم منح الأهلية فقط لـ40 شخصا من أصل 640 متقدما للترشح من التيار الإصلاحي، وعليه فإن قلق روحاني يصنف ضمن الخوف من إلغاء البنى
التحتية لتياري الإصلاح والاعتدال وهو منهم، ولا يتوقف الأمر على عدد الإصلاحيين غير ممنوحي الأهلية.
4) رفض منح الأهلية غير المتوقع للإصلاحي علي مطهري من جهة، ولإمام جمعة إحدى المدن من جهة أخرى، بسبب عدم التزامه بتعاليم الإسلام، وكان قد تقدم لانتخابات مجلس خبراء القيادة الذي ستجرى انتخاباته بالتزامن مع انتخابات البرلمان، سيؤدي بطببعة الحال إلى تراجع نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات المقبلة، الأمر الذي أثار قلق روحاني وعدد من الأصوليين، ومع ذلك دعا روحاني الشعب للمشاركة في الانتخابات بشكل صريح، هذا الانتظار يأتي من الشعب المسمى جمهورًا لا يكون موضع اهتمام في الحد الأدنى في الظروف الفعلية.
إذا أخذنا هذه الدوافع بعين الاعتبار يمكن القول إن الشعارات الشعبوية التي يرددها روحاني ليست إلا خلافات بين الإصلاحيين والاعتداليين من جهة، وبين مجلس صيانة الدستور والنظام حول تصفية تيارهم من ساحة السياسة الداخلية من جهة أخرى، وهو ما يمكن أن نسميه الحرب الشكلية.
لماذا يقلق أكثر رؤساء إيران اهتمامًا بالأمن؟
على الرغم من ادعائه التاريخي بأنه محام وليس عقیدا، فقد أثبت حسن روحاني في مناسبات مختلفة أنه احتل مرتبة أكثر رؤساء إيران اهتمامًا بالأمن في تاريخ النظام. ولا ينبغي أن ننسى أنه في الفترة التي سبقت انتخابات عام 2013. وفي أوج يأس الإصلاحيين من مجيء رئیس معتدل، توصلوا إلى اتفاق مع جناح هاشمي رفسنجاني المعتدل الذي كان أكثر ميلاً إلى الأصوليين لتقديم مرشح واحد فقط للحصول علی نسبة أکثر من الأصوات. لذلك تنحى محمد رضا عارف من الجناح الإصلاحي، وفي النهاية تم انتخاب حسن روحاني، المعتدل، رئيسًا.
وبالنظر إلی ما یكنه حسن روحاني لهاشمي رفسنجاني من مودة، فهو مهتم في المقام الأول بالحفاظ على النظام، وليس بموافقة أو تصويت الشعب، وهو الآن يخشى قضيتين:
أولاً، عدم المشاركة العامة في انتخابات مارس (آذار)، مما يضع الحكومة على شفا الانهيار، خاصة مع الضغط الشديد من العقوبات الخارجية وإمكانية التدخل العسكري في المنطقة من ناحية، والاحتجاجات الشعبية المستمرة من جهة أخرى.
ثانيًا، لا يمكن إعادة انتخابه رئيسًا، حيث يشعر بالقلق من أنه لن تكون له أي مصلحة في معادلات تقاسم السلطة في الغد، عندما يتم توحيد السلطة في النظام من خلال تشكیل برلمان موحد من الفصائل المتشددة.
يسعى حسن روحاني، من خلال ردود الأفعال المتعاطفة والناقدة، على ما يبدو، إلى استعادة موقع سلفه هاشمي رفسنجاني في تاريخ النظام، رغم أنه لم يكن له مطلقًا نفوذ هاشمي، الذي أسس لصعود خامنئي إلى السلطة في نظام الجمهورية الإسلامية.