مشروع ترامب المريب بالعودة للاتفاق النووي مع إيران
تمت صياغة سياسة "الضغوط القصوى" لإدارة ترامب ضد النظام اﻹيراني، بهدف تغيير سلوك نظام طهران، واحترام حقوق الإنسان بالداخل، والامتناع عن التدخل في شؤون البلدان المجاورة. هذه السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة منذ انسحابها من الاتفاق النووي، على وشك تغيير غامض ومشكوك فیه، وفقًا لمقالة للكاتب ديفيد سينجر نُشرت في صحيفة "نيويورك تايمز"، يوم الأحد 26 أبريل (نيسان).
ويبدو أنه بحجة منع رفع الحظر العسكري المفروض على إيران، تدرس الولايات المتحدة عودة رمزية إلى الاتفاق النووي؛ من أجل ممارسة حقها في تنشيط آلية حل النزاع (آلية الزناد).
والمعروف أنه لو تم رفع مجلس الأمن هذا الحظر، فسيكون الوقت قد حان لإلغاء المرحلة الأولى منه في أكتوبر (تشرين الأول) من هذا العام.
على هامش مثل هذا القرار غير الرسمي، تكمن كثير من الأسئلة الغامضة، أهمها: ما الدور الحالي للأعضاء الأوروبيين الثلاثة في الاتفاق النووي (المملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا)، الذين أعلنوا يوم 14 يناير (كانون الثاني) الماضي، خلال بيان مشترك، عن تفعيل "آلية تسوية المنازعات"؟
وقد تم عقد الاجتماع الأول للأعضاء المراقبين بفيينا يوم 26 فبراير (شباط) الماضي، والذي أشار بدوره إلى عدم حل النزاع مع إيران، وأنه حتی من دون اتخاذ إجراء أميركي، يمكن أن ينتهي طريق النظام اﻹيراني إلى مجلس الأمن.
نقطة أخرى؛ وهي طبيعة قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2231. والذي يُعتبر مكملاً للبرنامج النووي الإيراني ويعطيه بُعدًا قانونيًا.
فالقرار المذکور تمت صياغته باستخدام الآراء الاستشارية لخبراء الأمم المتحدة القانونيين، وفي إطار كثير من القرارات التي تم اتخاذها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتماشيًا مع الروح الجديدة للعلاقات الدولية. كما أنَّ عمره محدود وقابل للتغيير والتعديل؛ وربما لا يكون فريق السياسة الخارجية الأميركية الجديد نسبيًا، على دراية كاملة بهذه القضية.
وبحسب "آلية الزناد"، فلن يكون من الممكن رفع الحظر العسكري الذي فرضه مجلس الأمن على إيران، الأمر الذي يثير قلق الولايات المتحدة ويمثل ذريعة لعودتها الرمزية إلى الاتفاق النووي، إذا أحيلت القضية الإيرانية للمجلس. وعلى عكس وجهة نظر ديفيد سينجر، فإن القضية لن تعرض على أعضاء المجلس حتى لا تواجه معارضة روسيا والصين باستخدام "حق النقض" (الفيتو) لوقفها.
الأمر الآخر الذي يثير قلق الولايات المتحدة هو أنه بعد رفع الحظر العسكري، ستقوم إيران باستخدام الأسلحة التي ستشتريها في حروبها بالوكالة. لكن طبيعة هذه الحروب ونقطة قوة إيران تكمن في التنقل والانتشار واستخدام الأسلحة الخفيفة وشبه الثقيلة، وكلها يتم إنتاجها في إيران، فلا تحتاج رفع الحظر العسكري لإيصال الأسلحة إلى المرتزقة.
وفي مجلس الأمن، هناك عدد كبير من قضايا تهريب الأسلحة الإيرانية من الخليج الفارسي إلى نيجيريا، ومن البحر الأحمر إلى صحراء سيناء وحمص السورية، وكلها تتعلق بأدلة على صادرات الأسلحة إلى الخارج في ظروف تطبيق الحظر العسكري.
ويعتبر شن أكثر من 200 غارة جوية إسرائيلية على مستودعات الأسلحة في سوريا والعراق، على مدى السنوات الثلاث الماضية، دليلا آخر على استمرار تدفق الأسلحة من إيران إلى المنطقة، رغم حظر الأسلحة.
وهكذا فإن تسهيل المساعدات الإنسانية لإيران بذريعة كورونا، ليس في محله، لأن الجمهورية الإسلامية قدمت مساعدات سخية للبنان، ونشرت صورًا ومقاطع فيديو لها، كما أن السفارة السويسرية في طهران تلقت عروضًا بمساعدات إيرانية للشعب الأميركي.
وتفتح عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، تحت أي غطاء وبأي ذريعة، الباب أمام سيل من الحجج القانونية، وستكون السياسة الخارجية الليبرالية للاتحاد الأوروبي في طليعة المرحبين بها.
إن خطوة إدارة ترامب المحتملة هذه بمثابة قبول شرط روحاني بعودة البرنامج النووي الإيراني إلى ما كان عليه قبل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وهو ما يمكن أن يمنع بدوره إرسال ملف البرنامج النووي الإيراني إلى مجلس الأمن.
والحقيقة هي أن الجمهورية الإسلامية تعاني ضائقة مالية بسبب العقوبات الأميركية، وتنفيذ سياسة الضغوط القصوى، وهي تريد أن تجد مخرجًا من الأزمة في وضع أكثر صعوبة بكثير مما كانت عليه عام 2014، حين وافقت على إجراء محادثات سياسية سرية مع الولايات المتحدة، وبعد ذلك أبرمت اتفاقًا نوويًا مع أوباما.
الخلاصة أنه إذا ما عاد ترامب إلى الاتفاق النووي تحت أي ذريعة، فستحتفظ الجمهورية الإسلامية بسمعتها، وتمهد الطريق لمحادثات مباشرة مع الولايات المتحدة، ويمكن لإدارة ترامب، التي سعت دائمًا إلى التفاعل ودعم الدبلوماسية، أن تقدم الصفقة الجديدة (New Deal) مع إيران، كرمز للنصر، للناخبين الأميركيين، وهو حدث مرير سيقارنه الشعب الإيراني برفض بوش الأب دعم المتمردين العراقيين ضد صدام.