القضايا المؤسفة التي أصبحت جزءًا لا یتجزأ من حياة النساء الإيرانيات اليومية، دخلت مرحلة جديدة من الرقابة وزعزعة الأمن في هذه الأيام: ميكروباصات خضراء اللون منقوش علیها "شرطة الأمن الأخلاقي"، التي تتناقض مع طبيعتها.

الساحات والشوارع الرئيسية للعاصمة طهران والمدن الكبرى احتلها أشخاص لسنوات عدة وتحت ذريعة الأمن الأخلاقي، وبما يؤثر على الحياة اليومية للإيرانيات كل يوم بطريقة جديدة.. أشخاص  يصعب إیجاد تسمية مناسبة لطبيعة عملهم؛ فعملهم هو الوقوف في الشارع ومفترق الطرق وقياس طول وقصر معاطف النساء، ولون أحمر الشفاه، ومحل تثبیت الأوشحة النسائية علی رؤوسهن.

ويتذكر كثير من النساء والرجال الإيرانيين كلمات محمود أحمدي نجاد الشهيرة في مقاطع الفيديو والمقابلات والحملات الإعلامیة التي أجريت في الانتخابات الرئاسية: "هل شعر الشباب هو مشکلتنا؟". وهي العبارة التي تحولت عمليًا، بعد فترة وجيزة من توليه مقالید الحكم، إلی میکروباصات لا تختلف عن زنازين السجن، باصات تهان فيها كرامة المواطن وشخصيته، بمجرد أن یصعد إلیها، إلى أن يدخل غرف مبنى شارع الوزراء، المقر الرئيسي لشرطة الأمن الأخلاقي.

لكن القصة الرئيسية تبدأ من غرفة كبيرة، وهو مكان تعامل فيه النساء باحتقار بسبب "جرم" ارتدائهن ملابس بألوان مبهجة، ويتم إعداد ملفات لهن من خلال تصويرهن بوصفهن متهمات، وأخذ توقيعات على تعهدات منهن تتعلق بالحجاب. وهي ملفات يتم تحويلها إلی المحکمة إذا تکرر القبض عليهن ثلاث مرات، وبهذه البساطة تصبح للمرأة في النظام القضائي الإيراني سوابق قضائية، السوابق التي تخیم بظلالها علی جميع مراحل حياتهن، بدءًا من التحاقهن بالجامعة وصولا إلى توظيفهن، وقد یتسبب ذلك في عقبات وصعوبات کثیرة لهن.

كل يوم وخلال أحد عشر عامًا، هناك دوريات إرشاد، وملفات قضائية جديدة للنساء، وبمجرد أن تغادر المرأة منزلها حتى عودتها، علیها أن تكون في يقظة تامة، كمن تلعب لعبة القط والفأر، لتجنب الملاحقة والوقوع في فخ دوریات الإرشاد.. إنها قصة ما زالت أحداثها مستمرة، حتى بعد تغيير حكومة أحمدي نجاد ومجيء حكومة روحاني بشعار التدبیر والأمل، لا توجد أي مؤسسة أو منظمة تتحمل المسؤولية المباشرة عن هذه العناصر أو تتخذ إجراءات لحل هذه المشكلة.

إن العرض الذي يمكن أن يتحول إلى خطاب حماسي من قبل المرشحين للرئاسة في أيام الانتخابات للحصول على دعم مؤقت من النساء والرجال، يتم نسيانه مثل كل الوعود.

وتشير مشاهدات مواطني طهران في الساحات الرئيسية، مثل ساحة فاناك، وولی عصر، وتجریش، وانقلاب، وكثير من الشوارع الرئيسية، إلى أن الأشخاص الذين يرتدون ملابسهم الخاصة منتشرون على ممرات المشاة والساحات وبعض مفترقات الطرق وبیدهم أوراق، ودون مناقشة المواطنات، یقومون بتسجیل أرقام لوحات السیارات من خلال مراقبة وفحص رکاب السیارات، ثم يخطرون مرکز شرطة الأمن الأخلاقي للاتصال بهن، والعمل علی القبض عليهن وتوقیف سیاراتهن بعد تحدید موعد.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الضابطات اللواتي لا يرتدين الزي الرسمي للشرطة، یقفن على مسافة أبعد نسبيًا عن موقع باصات دوریة الإرشاد، على ممرات المشاة، وبمجرد ملاحظة امرأة ما، يأخذنها إلی الميكروباص بذريعة عدم ارتدائها الحجاب بحشمة، ويأخذن منها بطاقة الهوية، ومن ثم يتم نقلها إلی مراکز الأمن الأخلاقي، وهي قصة خلقت موجة جديدة من الخوف وانعدام الأمن للنساء في المدينة.

إن النهج الذي یمکن تسمیته بوضوح "برامج إعداد الجواسيس" اقترح لأول مرة في مارس (آذار) 2011 من قبل قائد شرطة طهران، والذي تم من خلاله کشف النقاب عن استخدام 7000 عميل سري للأمن الأخلاقي. عملاء لم یکونوا موظفين بشكل دائم لدی الشرطة، وبعد إنهاء الدورة التدريبية، تم استخدامهم في الشرطة لمزید من تقييد حرية المواطنين والحد منها.

وعلى الرغم من أن هذا المشروع الغريب، شأنه شأن أي قضیة جديدة، كان مصدرًا للاحتجاج في شبکات التواصل الاجتماعي، خاصة "تويتر"، لکن المواطنين والشرطة نسياه بمرور الوقت. لكن في الأسابيع الأخيرة، فإن مشاهدات مواطني طهران تشير إلى عودة انتشار العملاء السريين التابعين لدوريات الإرشاد في شوارع وساحات المدينة.