روحاني في "واشنطن بوست": الدبلوماسية العامة" في مواجهة "الدبلوماسية المؤسسية"
نشر حسن روحاني، قبل رحلته إلى نيويورك، مقالاً في "واشنطن بوست"، يقول فيه إن اقتراح ترامب لإجراء مفاوضات غير مشروطة مع إيران، غير صادق.
وکتب: "هل نصدق اقتراحه أم نصدق تصريحات وزير خارجيته الذي ربط إجراء محادثات مع إيران بتحقيق بعض القضايا التي تعتبر إساءة واضحة للشعب الايراني؟".
إن نشر هذا المقال في وسيلة إعلامية أميركية، يُظهر أن روحاني ينوي خلال هذه الرحلة أن يشکك في الشرعية الأخلاقية والقانونية لحكومة ترامب، من حيث انتهاكه للمعاهدات، بما في ذلك الاتفاق النووي. ومن المتوقع أن يشکك في الخطوات الأميرکية الأحادية الجانب، کي يثبت أن الحکومة التي لا تتمتع بمؤهلات أخلاقية وقانونية، غير موثوق بها في التفاوض.
ولكن في المقال نفسه، هناك نقطة أخرى غير مذكورة في النص بشكل مباشر، يمکن فهمها، وهي أن روحاني لم يغلق باب المفاوضات مع الولايات المتحدة مطلقًا، كما تعودنا أن نسمع من آية الله خامنئي.. لقد شكك في الكفاءة الأخلاقية والقانونية لحكومة ترامب لإجراء حوار بناء.
وهو يعلم أنه إذا أصبحت الكفاءة الأخلاقية لبلد ما، من جهة، والكفاءة القانونية لذلك البلد من جهة أخرى، موضع تساؤل، فإن دول العالم سوف تعطي ظهرها لذلك البلد، واحدة تلو الأخرى.. لهذا، بدأ روحاني قبل رحلته إلى نيويورك موجة لهیب من نوع "الدبلوماسية العامة" ضد "الدبلوماسية المؤسسية".
"الدبلوماسية العامة" ضد "الدبلوماسية المؤسسية"
يطلق على الدبلوماسية التي تستخدمها الدول للتعامل مع الرأي العام، من أجل تحقيق أهدافها، اسم "الدبلوماسية العامة". ويعتبر نشر مقال حسن روحاني في وسيلة إعلامية أميرکية شهيرة، مثالاً على الدبلوماسية العامة.
وكما قلنا، يلاحظ في هذا المقال أن روحاني، باستخدامه الدبلوماسية العامة، اعتبر أن الحكومة الأميركية الحالية تفتقر إلى المؤهلات الأخلاقية والقانونية، ومن هنا استنتجَ أن "الغالبية العظمى من دول العالم تعارض سياسة الولايات المتحدة الأحادية ولا تقبل بفرض أوامرها".
إن الدبلوماسية العامة التي اختارها روحاني في هذه الرحلة، هي في الواقع بعض الأوراق القليلة التي تملكها إيران؛ حيث ظهرت الجمهورية الإسلامية، خلال سنوات طويلة، ضعيفةً جدًا في الدبلوماسية المؤسسية.
و"الدبلوماسية المؤسسية" عبارة عن الأهداف التي يحاول بلد ما تحقيقها، من خلال الاستفادة من موقعه داخل منظمة دولية. وکلما كان موقع البلد في تلك المنظمة الدولية مهمًا، فإن الاستفادة من الدبلوماسية الدولية داخل تلك المنظمة (على سبيل المثال: الأمم المتحدة) سيكون أكثر أهمية.
مبادرة دونالد ترامب، رئیس الولايات المتحدة، بوصفه مسؤولاً للمرة الأولى عن عقد جلسة لمجلس الأمن الدولي حول إيران، مثال بارز للدبلوماسية المؤسسية التي تعتزم الولايات المتحدة استخدامها.
بعبارة أخرى، يستخدم روحاني الآن أداته المحدودة الخاصة به، وهي الدبلوماسية العامة، ويستخدم ترامب واحدة من أهم أدواته، وهي الدبلوماسية المؤسسية، لتحقيق أهدافهما.
تُرى هل يريد، أو هل يستطيع، روحاني أن يکون بالقوة نفسها التي يتمتع بها ترامب، خلال خطابه في قاعة مجلس الأمن؟
علينا أن ننتظر کي نرى؛ ولكن إذا لم يتمكن روحاني من فعل ذلك، فسوف يتابع دبلوماسيته العامة عبر المقابلات الإعلامية المتتالية. وحتى إذا لم يتمکن من المناورة في الدبلوماسية المؤسسية، يستطیع بواسطة الدبلوماسية العامة أن يعوض ذلك في وسائل الإعلام الأميركية.
وبعد هجوم ترامب اللاذع على إيران منذ حملته الانتخابية وحتى الآن، من المتوقع أن يركز هجومه حول موضوع زعزعة الجمهورية الإسلامية لاستقرار المنطقة والعالم، ليبرر قرار انسحابه من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات. وسوف يستخدم کل أدواته في منصة الأمم المتحدة، لتصوير الجمهورية الإسلامية على أنها ضارة بالسلم والأمن الدوليين. ومن الواضح أنه إذا نجح في تحقيق هذا الهدف، عندئذ، يأتي دور مجلس الأمن الذي سيتعين عليه اتخاذ التدابير المناسبة لمواجهة الدولة المارقة والمنتهکة للسلم والأمن الدوليين.
وفي المقابل، سيعمل روحاني على التشكيك في كفاءة الولايات المتحدة لقيادة العالم، من خلال لجوئه إلى الدعوى التي قدمتها إيران إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، لمواجهة الانسحاب الأميرکي الأحادي من الاتفاق النووي.
ومن خلال هذا التكتيك، سوف يذكّر روحاني بالأفعال الأحادية الجانب التي قام بها ترامب في خرقه للمعاهدات والاتفاقيات الدولية. لينتهي إلى القول إن النظام العالمي الذي يريده ترامب هو النظام الذي تكون فيه الولايات المتحدة القطب الوحيد في العالم، حيث لا مکان لإيران، ولا للصين، ولا لروسيا، ولا حتى لحلفاء أميركا في أوروبا.