في السابق، كان التجار والمتسببون يقولون إنه مهما تراجعت القدرة الشرائية للمواطنين فإنهم سيشترون الطعام، ولذا كان أكثر من ينوون تدشين مشروع جديد يتجهون فورًا للمشاريع التي ترتبط بالطعام والاستهلاك، لضمان تحقيق دخل معقول.

أما الآن فإن أصحاب المطاعم باتوا مضطرين لإغلاق محلاتهم، بسبب الارتفاع الكبير في أسعار اللحوم والفاصولياء.

وبینما کانت أسعار اللحوم ترتفع رويدًا رويدًا، لم يتنبه كثيرون لمبرر وجود لوحات إعلانية على الطرق السريعة ترشد المواطنين إلى أهمية استهلاك أطعمة نباتية بدلا من اللحوم، لكن يبدو أن هذه اللوحات الإعلانية كانت إشارة إلى أزمة على الأبواب.

أما الآن وبعد الإعلان عن ارتفاع أسعار اللحوم، فقد اختفت هذه الإرشادات الصحية وأفسحت المجال لموضوعات أخرى.

من ناحية ثانية، واجه أصحاب المطاعم في طهران مشكلة في توفير اللحوم، بسبب ارتفاع أسعار الطعام بشكل عام، خاصة مع اختفاء اللحوم المجمدة التي كان يتم توزيعها على المواطنين من خلال بطاقات الدعم، في طوابير طويلة، وهو ما يؤثر سلبًا على محتوى موائد الإيرانيين.

وإزاء هذه الأوضاع لم يعد مجديًا الترويج للأطعمة النباتية الصحية، كما لن تفلح أي لوحات إعلانية في التخفيف من قلق الإيرانيين تجاه أسعار اللحوم، وهو ما لم يكونوا يتصورون قبل ذلك أن يشغل هذا الحيز من تفكيرهم.وبغض النظر عن مدى تأثير أسعار اللحوم على مائدة الأسرة الإيرانية، فهناك متسببون يتعيشون من خلال طبخ الأطعمة، أو تقديم الوجبات السريعة لأولئك الذين لا يجدون ملاذًا لتمضية أوقات فراغهم إلا الذهاب للمطاعم بصحبة الأصدقاء والعائلة.

اللافت في إحصاءات المطاعم المغلقة، أن أكثر من 70 في المائة من هذه المطاعم تقع في جنوب ووسط العاصمة طهران.

ووفق هذه الإحصاءات يسهل علينا تصور مدى الخسارة التي تكبدها إيرانيون كثر كانوا يعيلون أسرهم من خلال العمل في هذه المطاعم، حيث يكثر تجمع الشباب والعائلات في هذه المطاعم مرة كل أسبوع، أو كل شهر، ناهيك بإجازات العام الشمسي المقبلة. 

وقد كنت شاهدًا عن قرب على تغيير ثلاثة مطاعم بالقرب من منزلي لنشاطها، وكان أحد هذه المطاعم يقع أول شارعي.. وعندما كان مجيد الأربعيني ينقل محتويات مطعمه الذي كان يقدم الوجبات السريعة، حدثني عن خسارته الفادحة، وقال لي:

"بعد فترة من عدم جدوي بحثي عن عمل يرتبط بشهادتي للماجستير، قمت أنا وزوجتي بتوفير رأسمال من خلال تجميع قرض الزواج مع قرض كبير آخر، وتقديم ضمان وفرته من الأصدقاء، وقمت بتأسيس مشروع، قبل أن أبدأ حياتي الزوجية. خلال الأشهر القليلة الأولى، کان دخلي متساويًا تقريبًا مع نفقاتي وإيجار المحل، وكان بإمكاني أن أقوم بتسديد الديون وثلاثة أقساط من القرض، ولكن خلال الأشهر الثلاثة الماضیة وبعد الزيادة التدریجیة في سعر الخبز، والفاصولياء، ثم الخس، وأخيرًا اللحم، لم أستطع الاستمرار، فإلى أي مدى يمكن أن أرفع من سعر طبق الكباب الواحد، أو طبق سلطة الخس؟ الإيرانيون لا يستطيعون دفع أكثر من 150 ألف تومان لوجبة بسيطة لشخصين. وقد قلّ عدد الزبائن تدريجيًا، وفي الشهرين الأخيرين، عجزت حتی عن دفع رواتب عاملين اثنين كانا يعملان معي، فما بالك بدفع الإيجار وشراء المواد الخام وضريبة القيمة المضافة؟ فبقیت وحدي مع الأواني وأدوات الطهي، وجبل من الديون والأقساط وقرض الزواج الذي أهدرته في تأسيس مشروع فاشل، بدلاً من الزواج".

والغريب أنه رغم ارتفاع أسعار اللحوم، فإن هناك مطاعم ما زالت تقدم أطباق اللحوم والكباب بالأسعار السابقة نفسها، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى سلامة هذه اللحوم حتى قبل الارتفاع الشديد في أسعارها.

فأطباق الكباب أو الدجاج المشوي التي بلغ سعرها نحو 80 ألف تومان، يتم بيعها بنحو 8 إلى 10 آلاف تومان، وهو ما يشير بجلاء إلى أنها تتكون من أي شيء إلا اللحوم الحقيقية والصحية.. إنه انتهاك صارخ لا يقتصر على وزارة الصحة فحسب، بل إن نقابة أصحاب المطاعم  هي الأخرى على علم بذلك، لكنها تغض الطرف عن هذه المطاعم وتفتيشها وإغلاقها، رغم الكشف في حالات كثيرة عن أن هذه المطاعم تستخدم في مطابخها لحومًا غير لحوم البقر والأغنام، مثل لحوم الحمير، بل والكلاب أيضًا، حتي تتمكن من بيع أطباق الكباب للإيرانيين بأسعار منخفضة.