هل ستمدد واشنطن إعفاء العراق لاستیراد الطاقة من إیران؟
تستخدم الدول الرئيسية المنتجة للطاقة، صادراتها لزيادة التأثير السياسي في الدول المستهلكة، حيث تُعد هذه الصادرات من أهم الطرق لخلق العلاقات بين الدول، بالإضافة إلى الاستقرار والأمن في المنطقة.
ومن المعروف أن إيران تحتل المرتبة الثانية في احتياطيات الغاز على مستوى العالم، ولكن بسبب الاستهلاك المحلي الكبير ونقص رأس المال الأجنبي والتكنولوجيا، فقد فشلت في أن تصبح لاعبًا فاعلاً في أسواق الغاز الإقليمية والعالمية.
ونظرًا إلى أن اثنين من عملاء الغاز الإيراني الرئيسيين، تركيا والعراق، هما حليفتان للولايات المتحدة في المنطقة، فإن هاتین الدولتین لم تخضعا لعقوبات على واردات الغاز من إيران، حيث لم يتمكن العراق من إيجاد بديل للغاز والكهرباء المستوردين من إيران، في ظل الظروف الحالية، ودعا مرارًا وتكرارًا إدارة ترامب إلى منحه إعفاءات لمواصلة استيراد الغاز والكهرباء من طهران.
تصدير الكهرباء والغاز إلى العراق
يعتمد العراق- على الرغم من موارده الهائلة من الطاقة- على الغاز الإيراني المستورد، حيث يستخدم نحو 30 في المائة من هذا الغاز لتوليد الكهرباء في محطات الطاقة، كما أن العراق أيضًا مشتر رئيسي للكهرباء من إيران، إذ يستورد نحو 1400 ميغاواط من الكهرباء من إيران لتعويض النقص.
وفي الصيف الماضي، شهدت بعض المدن العراقية احتجاجات ضد الحكومة المركزية، بسبب انخفاض الطاقة الإنتاجیة لمحطات الكهرباء في البلاد، وانقطاع التيار الكهربائي، وتوقف صادرات الكهرباء الإيرانية.
ربما يكون أحد أسباب تجديد إعفاء واردات الكهرباء والغاز من إیران، هذا الصيف، هو قلق المسؤولين العراقيين من نقص الكهرباء في الأشهر الأكثر سخونةً من السنة، عندما يرتفع استهلاك الكهرباء في المدن العراقية بشكل حاد.
وفي منتصف يونيو (حزيران) الماضي، مددت الحكومة الأميركية مهلة إعفاء العراق 90 یومًا لاستيراد الغاز والكهرباء من إيران.
وقد كانت الكمية الفعلية لصادرات الغاز الإيراني إلى العراق في عام 2018 نحو 13.1 مليون متر مكعب يوميًا، على الرغم من أن بعض المسؤولين العراقيين قد صرحوا سابقًا بأن كمية الغاز المستوردة من إيران كانت 28 ملیون متر مكعب يوميًا.
وتشير الإحصاءات إلى أن إيران تصدّر ما معدله 38.7 مليون متر مكعب من الغاز. وبالمقارنة بالعام السابق، شهد هذا الرقم نموًا بنسبة 4.4 في المائة.
تصدير الغاز إلى تركيا
تركيا عميل رئيسي للغاز الإيراني، ففي السنوات الأخيرة، وصلت كمية الغاز الإيراني المصدّر إلى تركيا في بعض الأحيان إلى 32 مليون متر مكعب يوميًا، وأحيانًا تكون 25 ملیون متر مكعب، وتصل وقت القیام بإصلاحات في شبکة الغاز والفصول الباردة إلى 15 مليون متر مكعب. وقد بلغت صادرات إيران من الغاز إلى تركيا 22 مليون متر مكعب يوميًا، في الأشهر الستة الأولى من عام 2018، بانخفاض 13 في المائة، مقارنة بالعام السابق. ويتم استهلاك الغاز الذي تستورده تركيا من إيران في الأجزاء الجنوبية الشرقية من البلاد، والتي تقع في المناطق الباردة والجبلية في تركيا.
كما أن خط أنابيب الغاز التركي غير مترابط، ويحتاج هذا البلد إلى واردات الغاز من إيران، حيث تستثمر تركيا حاليًا في بنيتها التحتية للطاقة، وإذا وصل هذا الاستثمار على المدى القصير إلی النتیجة المرجوة، فيمكنها استخدام الغاز المستورد من أذربيجان وروسيا إلى مناطقها الجنوبية الشرقية.
وتجدر الإشارة إلى أن تصدير الغاز الإيراني إلى تركيا ينتهي عام 2026، ولم تنجح المفاوضات الرامية إلى تمدید ضخ الغاز في هذا الخط، حتى الآن.
زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة
تعد تركيا عميلًا رئيسيًا لشركة "LNG" الأميرکیة، وفي الأشهر الستة الأولى من هذا العام، تضاعفت واردات "LNG" من الولايات المتحدة أربعة أضعاف، حيث كان انخفاض أسعار الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، هو أحد المحركات الرئيسية لارتفاع الواردات التركية. ونظرًا إلى استثماراتها في مرافق تخزين الغاز الطبيعي، فيمكن للغاز الطبيعي المسال الأميركي أن یکون بدیلاً للغاز الإيراني في سوق الطاقة التركية.
وفي النصف الأول من هذا العام، بلغت حصة الغاز الطبيعي المسال في سلة الطاقة في تركيا لأول مرة نحو 30 في المائة. وكان هذا الحجم قد بلغ في الأشهر الستة الأولى من العام الماضي 24 في المائة. لكن واردات الغاز الطبيعي في الأشهر الستة الأولى من هذا العام انخفضت بنحو 10 في المائة مقارنة بالعام السابق.
حصة صادرات الغاز الطبيعي في ميزانية إيران 2019
نظرًا إلى دور صادرات الطاقة في توفير احتياجات البلاد من العملات الأجنبية، من المتوقع أن تحقق إيران نحو 4.5 مليار دولار من صادرات الغاز من العملات الأجنبية إلى الدول المجاورة (تركيا والعراق) في عام 2019. وإذا لم تصل صادرات الغاز الإيرانية للعراق وتركيا إلی المستوى المطلوب، فسيكون هذا الرقم صعب التحقيق.
زيادة الضغط الأميركي على العراق لتوفير الطاقة من مصادر محلية
تسعى إدارة ترامب، في إطار خطة ممارسة أقصى قدر من الضغط على إيران، إلى تقليل أي نوع من صادرات الطاقة الإيرانية، وتقليل اعتماد الدول المجاورة كذلك على موارد الطاقة الإيرانية، ففي ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، حث وزير الطاقة الأميركي ريك بيري، أثناء زيارته للعراق، حث بغداد صراحة على تقليل الاعتماد على موارد الطاقة الإيرانية لتهيئة الظروف للشركات الأميركية للاستثمار في بنيتها التحتية للطاقة.
ووفقًا لما ذکره بيري، فإن العراق في وضع يمكّنه من المضي قدمًا نحو الاستقلال الكامل في مجال الطاقة عن طريق تقليل اعتماده على مصادر الطاقة الأجنبية.
ديون العراق لإيران على واردات الكهرباء والغاز
وفقًا لما قاله وزير النفط الإيراني، بيجن زنغنه، تبلغ ديون العراق لإيران عن مشتريات الغاز والكهرباء السابقة، نحو ملياري دولار. وفي يوليو (تموز) الماضي، نقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤولين عراقيين قولهم إن مشكلة دفع ديون العراق لإيران تم حلها. ومن أجل استمرار العراق في استیراد الطاقة من إیران، في فترة العقوبات، طور العراق آلية مالية متعددة الأغراض لكي يستطيع شراء الغاز والكهرباء المستوردة من إيران بدفع الدينار العراقي، وتستخدم إيران الأموال لشراء سلع إنسانية، وفقًا لوكالة "فرانس برس".
في مقابل ذلك، لم يعلق المسؤولون الإيرانيون بعدُ على فعالية هذا النظام. وعلى الرغم من عدم حل قضية ديون العراق لإيران، إلا أن المسؤولين الإيرانيين وافقوا مرارًا على زيادة صادرات الطاقة إلى العراق. ويمكن أن تستمر هذه الصادرات في التأثير على الوجود السياسي الإيراني والنفوذ في العراق، ومن المهم أن تحدد الحكومة الإيرانية كيف سيدفع العراق ديونه في مرحلة لاحقة.
ونظرًا للمشکلة التي یعانیها العراق في توفير الكهرباء من محطات الطاقة المحلية، يبدو أنه بحاجة إلی واردات الكهرباء والغاز من إيران على المدى القصير، وإذا وافقت الولايات المتحدة على تمديد الإعفاء لمدة 90 یومًا، فسيكون ذلك مشروطًا بالخفض التدريجي في واردات الطاقة من إيران؛ ولكن بالنظر إلى العقوبات الأخيرة المفروضة على إيران، وسياسة الضغط الأقصى، فإن احتمال عدم تجديد العراق لإعفاء استیراد الطاقة من إيران لن يكون أمرًا مستبعدًا.