حرب الناقلات.. وخيارات جمهورية إيران الإسلامية
إن بقاء جمهورية إيران الإسلامية في الصفقة النووية والتزامها من جانب واحد بأحكامها، بالإضافة إلى التكلفة الاقتصادية الضخمة التي لا يمكن تدبيرها، كل ذلك ألحق أضرارًا كبيرة بسمعة النظام، حيث كان المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي قد هدد بـ"حرق الاتفاق"، في حال تمزیقه من جانب الولایات المتحدة.
لقد وضعت جمهورية إيران الإسلامية خيارات مختلفة، علی جدول أعمالها، للتخلص من هذا الفخ الخطير، لكن الآن، بعد الإجراء البريطاني بتوقیف الناقلة الإيرانية في مضيق جبل طارق، وإجراءات الحرس الثوري الإيراني المقابلة بالاستیلاء على ناقلة بريطانية، أصبحت خيارات النظام (المحدودة) في مواجهة الضغوط غير المسبوقة للعقوبات الأميركية، أكثر محدودية، فجميع الدول الأوروبية الكبرى تقريبًا أدانت الإجراء الإيراني، وأخذت الولايات المتحدة تستثمر نتائجها بدم بارد. بعد ذلك الحدث، وجدت الولايات المتحدة تعاونًا أكبر من الدول لتفعیل حراسة للناقلات في الخليج.
وبالنظر إلى الوضع الحالي، يبدو أن هناك عددًا من الخيارات المحتملة أمام إیران، علی النحو التالي:
1) الحرب بعد إغلاق مضيق هرمز
تتحدث جميع الأطراف المعنية عن تجنب الحرب، لكن الأدلة تشير إلى أنها تستعد لها. تخطط بريطانيا لزيادة وجودها في المنطقة، وقد أعادت الولايات المتحدة تأسيس قاعدتها في المملكة العربية السعودية بعد 16 عامًا.
وبتوقیف ناقلة النفط البريطانية، تكون جمهورية إيران الإسلامية قد رفعت التوترات في مضيق هرمز إلى أعلى مستوى لها، لكن هذا لا يعني أن جمهورية إيران الإسلامية قد اختارت الحرب الشاملة.
وعلى الرغم من أن النظام بدأ حربًا سریةً في الفجيرة، عندما استهدف ناقلات النفط، قبل شهرين، لکنه امتنع حتی الآن عن القیام بإجراءٍ من شأنه أن یؤدي إلی شن حرب شاملة؛ حيث يحاول النظام، بذکاء، تضخیم نجاحاته في الحرب والتغطية علی إخفاقاته الفاضحة. على سبيل المثال، یمکن الإشارة إلی "احتفال القوة" الزائف للمسؤولين والمدافعين عن النظام، في الأيام القليلة التي تلت توقیف الناقلة البريطانية، وإنکار إعلان البحرية الأميركية عن إسقاط الطائرة المسیرة التابعة للحرس الثوري، لدرجة أن عراقجي سخر من هذا الإعلان.
وفي المقابل، وضعت الولايات المتحدة استراتيجيتين على جدول الأعمال، لمواجهة خداع النظام، فمن جهة، تسعى إلى تشكيل تحالف لحمایة السفن التي تعبر مضيق هرمز. وبذلك تکتسب الولايات المتحدة تعاون البلدان التي تهتم بشكل مباشر باستيراد النفط من مضيق هرمز، لحماية حرية الشحن. ومن جهة أخرى، فإن الولايات المتحدة، من خلال نسخ التجربة الإسرائيلية في قصف مواقع إيران في سوريا وعدم إعلان مسؤوليتها، بدأت غارات جوية بطائرات دون طيار على قواعد الحشد الشعبي، ورفضت، مثل إسرائيل، إعلان مسؤوليتها عن القصف.
ووفقًا لمصادر محلية، فقد حدثت الهجمات قبل بضعة أشهر، ومؤخرًا فقط، اضطرت قوات الحشد للاعتراف، بعد نشر مقاطع فيديو تظهر لحظة القصف.
في الواقع، يستفيد كلا الجانبين من سرية هذه الحرب، حيث تصرف ترامب بطريقة جعلت أميركا، في نظر الجميع، تمارس ضبط النفس، وتهرب من الحرب، وعلى العكس قدم إیران بوصفها متمردة وتهدد أمن المنطقة، ومن ناحية ثانية، أخّر وقت الصدام النهائي إلى أقصى حد ممكن، لیحول دون تأثیر عواقب هذا الصراع غير المرغوب فيه على عملية الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. وفي المقابل، لا يريد النظام الإيراني أن يكون أعزل وعاجزًا في عيون مؤيديه.
وأخيرًا، يجب أن نلاحظ التطورات الأخيرة في سوق النفط، والتي ارتفعت بنسبة 5 في المائة فقط، تحت تأثیر توقیف الناقلة البریطانیة، مما يعكس تراجع تأثير الجمهورية الإسلامية الإيرانية على سوق النفط وفقدان فاعلیة إغلاق مضيق هرمز، تدریجیًا.
2) التفاوض
أفشلت جمهورية إيران الإسلامية، حتى الآن، جميع جهود الوساطة. وكانت آخر هذه الجهود زيارة مستشار الرئیس الفرنسي إلى طهران، الذي جاء بخطة "التجميد مقابل التجميد"، لإنقاذ الاتفاق النووي. وكانت هذه الخطة تقترح وقف زيادة العقوبات المفروضة مقابل وقف خفض التزامات إیران النوویة.
إن رفض جميع المقترحات من قبل شخصيات مشهورة دوليًا، یشیر إلى أن الإصرار على رفض التفاوض سيكون القرار الاستراتيجي للنظام، على الأقل حتى نهاية الفترة الأولى من رئاسة ترامب.
لذلك، فإن المواقف المزدوجة مثل "استعداد إيران للتفاوض في حالة رفع العقوبات"، التي یثیرها في بعض الأحيان حسن روحاني أو محمد جواد ظريف، لا ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد، فهي مجرد مادة لاستهلاك وسائل الإعلام، وتهدف إلی إبطال مفعول اقتراح ترامب بالتفاوض دون قید أو شرط، کي لا تُعتبر إیران داعیة حرب.
وفي هذا الصدد، فإن تصريحات فلاحت بیشه، الرئيس السابق للجنة الأمن القومي، وأحد الشخصيات السياسية القليلة التي اقترحت ضرورة التفاوض مع الولايات المتحدة، يمكن أن تكون مفيدة في فهم استراتيجية هذا النظام.
وقال فلاحت بيشه، في أحد تصريحاته، إن الجمهورية الإسلامية، في الوقت الحاضر، "ليس لديها أي استراتيجية للتفاوض مع الولايات المتحدة، سواء في إطار الاتفاق النووي أو خارج إطار الاتفاق". وبالتالي فإن "بعض التحليلات التي تفيد بأنه إذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات يمكن التفاوض، تبقی تحليلات نظرية لیس إلا".
ومن أجل فهم سبب هذا الموقف لجمهورية إيران الإسلامية، يجب أن لا نعول على تبجح قادة النظام، مثل: "نحن لا نتفاوض تحت الضغط"، لأن التجربة أظهرت أن النظام الإسلامي الذي يحكم إيران یتفاوض فقط عندما يكون تحت الضغط، وكما يقول المثل الشهير: "لن يقبل النظام منطق القوة إلا إذا کانت القوة رهیبة".
وفي الوقت الحالي، يتفق قادة النظام على أنه يمكن للجمهورية الإسلامية أن تستمر لمدة عشرين شهرًا أخرى، والانتظار حتى نهاية فترة ولاية دونالد ترامب الأولى، لكن لا يمكنه الحفاظ علی نفسه لمدة خمس سنوات.
لقد حافظ النظام على استقرار قيمة الريال بشتی الحيل، وتراجع معدل التضخم، وتمکن النظام من خفض سعر الدولار بشكل مصطنع، عن طريق ضخ الدولارات من صندوق الادخار الوطني، وإجبار مصدّري السلع غير النفطية على إيداع الأموال في النظام المصرفي.
إن هذا الاستقرار لسوق العملات وميزة تصدير السلع الإيرانية، سيكون قصير الأجل، وبمجرد ارتفاع أسعار السلع الأساسية مرة أخرى، سوف تنهار سوق العملة، وسينخفض الريال مرة أخرى، مما قد يؤدي إلى انهيار الاقتصاد الإيراني بأكمله.
لكن ما يمنع طهران من التفاوض هو الأمل في هزيمة ترامب في الانتخابات القادمة. في الواقع، تسعى جمهورية إيران الإسلامية إلی مساعدة الديمقراطيين لهزيمة ترامب والحد من فرصه في الفوز بالانتخابات المقبلة، من خلال رفض التفاوض، والتوتر في مضيق هرمز. ويجب تفسير زيارات ظریف ولقاءاته المتواصلة مع الديمقراطيين في هذا السياق، حيث تشير تصريحات ظریف في رحلته الأخيرة لنيويورك إلى أن "ترامب لن يحصل على جائزة التفاوض مع طهران بممارسة أقصى ضغط".
وبالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي التغاضي عن أنه بعد هزيمة داعش، تم تجريد النظام من الأوراق الرابحة التي يجب أن يمتلكها للمفاوضات والمقایضات المحتملة. لهذا السبب يُحذر المسؤولون باستمرار من أن المفاوضات خطيرة في هذه المرحلة.
3) الخروج من الاتفاق النووي والانتقال إلى صنع قنبلة ذرية
إن انسحاب جمهورية إيران الإسلامية من الاتفاق النووي هو بالضبط ما تريده الولايات المتحدة، وستكون النتيجة السلبية الأكبر لمثل هذه الخطوة هي تكثيف العزلة الدولية للنظام، وبالتالي زيادة الضغط الاقتصادي على إيران. مثل هذا الخيار يمكن أن يكون مفيدًا للنظام عندما يريد صنع قنبلة ذرية.
وبالنظر إلى الأسباب المذكورة أعلاه، ليس لدى جمهورية إيران الإسلامية خطط للانسحاب من الاتفاق النووي، حيث يحاول النظام الضغط على الأوروبيين من خلال خفض التزامات لجانه الفرعية، لتسريع الآلية المالية مع إيران، التي لم تعمل بعد، وتوسيع نطاقها لشراء النفط من إيران. في هذا الصدد، أوضح وزير النفط بيجن زنغنه مؤخرًا أن آلیة إينستكس عديمة الفائدة دون شراء النفط. وقال إن شراء النفط، حتى بكميات محدودة، يمكن أن يكون مفيدًا مثل الماضي للتحايل على العقوبات، بالإضافة إلى كونه المصدر الرئيسي لإيرادات النظام، وقد قال ذلك السید روحاني صراحةً.
ومع ذلك، يجب أن لا يغيب عن البال أنه من المهم بالنسبة للنظام رفع معنویات مناصریه، عبر محاولة التظاهر بأن الجمهورية الإسلامية ليست دولة مکبلة ولديها خيارات مختلفة لمواجهة حملة الضغط الأقصی الأميركية. لقد صرحت إيران مرارًا وتكرارًا بأنه إذا وفّی الشركاء الأوروبيون بالتزاماتهم، فسيتوقف الإیرانیون أيضًا عن تخفيض التزاماتهم.
4) سياسة الصبر الاستراتيجي
إن احتمال العودة إلى هذه السياسة أكثر ترجیحًا من كل الخیارات السابقة، لأن هذه السياسة السلبية، التي تتوافق مع موقف خامنئي (لا حرب ولا تفاوض)، کانت علی أجندة النظام طیلة العام الماضي. وفي الوقت نفسه، أكدت هذه السياسة على بقاء إيران في الاتفاق النووي ورفض اتخاذ تدابير مضادة تزید من حدة التوتر.
وعلى الرغم من أن هذه السياسة أقرتها جميع الدول الأوروبية، وكذلك الصين وروسيا، بل إن بعض أعضاء الحزب الديمقراطي الأميركي أيدوا هذه السياسة في الخفاء، إلا أنها فقدت فاعليتها بعد أن رفضت الولايات المتحدة تمديد إعفاءات تصدير النفط الإيراني ووضع الحرس الثوري على قائمة الجماعات الإرهابية.