أهداف إيران من إرسال الوقود إلى فنزويلا
منذ الثورة اﻹسلامية تم فرض عقوبات على صناعة النفط الإيرانية، عدة مرات. ومنعت العقوبات المتتالية المفروضة على صناعة النفط الإيرانية، إيران من الوصول إلى القدرة الإنتاجية التي کانت عليها قبل الثورة. وكانت العقوبات التي فرضتها إدارة أوباما على صناعة الطاقة بسبب البرنامج النووي الإيراني، قد أثرت بشكل واضح على إنتاج وتصدير النفط والغاز الإيرانيَّين، مما جعل إيران، حتى في قطاعي الغاز والطاقة، غير قادرة على تحقيق هدفها في أن تصبح دولة مصدّرة.
الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وحظر صادرات النفط الإيرانية، في مايو (أيار) 2018، جعلا الوضع أكثر صعوبة بالنسبة لصناعة النفط الإيرانية. وقد أدَّت جهود الولايات المتحدة لخفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، إلى أن تتمكن إيران فقط من بيع النفط في السوق الرمادية أو الاستمرار في بيع نفطها عبر دولة ثالثة.
وعلى الرغم من كل المشاكل التي تفرضها العقوبات على الصناعة والاقتصاد الإيرانيين، لم تغير طهران سياستها الخارجية أو برنامجها الصاروخي بشكل جذري. ومع ذلك، لا يمكن أن يتم إرجاع جميع المشاكل الاقتصادية الإيرانية إلى العقوبات.
وقد أدَّت العقوبات إلى تقريب علاقات إيران مع الدول المعارضة لسياسات الولايات المتحدة. وأصبحت زيادة مستوى التعاون في جميع المجالات مع هذه البلدان الأولويةَ الرئيسيةَ لسياسة إيران الخارجية.
وفي الأسابيع الأخيرة، زادت الاتصالات السياسية بين إيران وفنزويلا. وفي الوقت نفسه، زادت رحلات شركة ماهان الجوية إلى كاراكاس أکثر من قبل. ولم يكن التقارب بين طهران وكراكاس مرغوبًا فيه للولايات المتحدة؛ حيث حظرت واشنطن صناعات الطاقة في البلدين، اللذين يعتمد اقتصادهما على صادرات النفط، لذا فإن اقتصادهما في حالة سيئةٍ هذه الأيام.
تاريخ التعاون بين البلدين في إرسال شحنات النفط
في عامي 1999 و2000، في أثناء رئاسة هوغو شافيز، واجهت صناعة النفط الفنزويلية إضراب العمال، ونتيجة لهذا الإضراب، وصل إنتاج وتكرير النفط في البلاد إلى أدنى مستوى له. وقد سارعت إيران وقتها لمساعدة فنزويلا بإرسال شحنات نفطية، حتى إن شركة النفط الإيرانية فتحت مكتبًا في كاراكاس، وتمكنت من تقديم المشورة إلى فنزويلا بشأن سياسة الطاقة.
حدثت هذه الإجراءات في وقت لم تكن فيه صناعة النفط الفنزويلية محظورة. أما الآن فإن العقوبات المفروضة من قِبل إدارتي أوباما وترامب قد أثرت على صناعة النفط الفنزويلية، وخفضت الإنتاج والصادرات إلى الحد الأدنى. وعلى الرغم من موارد فنزويلا النفطية الهائلة، فإنها تواجه التضخم والبطالة والفقر والأزمة السياسية، كما تسببت العقوبات في أن تغادر شركات النفط الكبرى صناعة النفط الفنزويلية تدريجيًا.
وقبل أسبوعين، ذكرت وسائل إعلام أن فنزويلا أرسلت أطنانًا من الذهب إلى إيران. وتم الإعلان، منذ الأسبوع الماضي أيضًا، أن إيران أرسلت عددًا من ناقلات النفط المشحونة بالبنزين لدعم فنزويلا.
وقد أشارت التقارير إلى تحذيرات الولايات المتحدة من عواقب إرسال الوقود من إيران لنظام نيكولاس مادورو في فنزويلا وانتهاك عقوبات واشنطن، ورغم ذلك فقد وصلت يوم السبت الماضي، أول ناقلة نفط إيرانية إلى المياه الفنزويلية.
وقد أعلنت الولايات المتحدة، مرارًا وتكرارًا، معارضتها لهذه الخطوة الإيرانية. وحتى الآن، أظهرت طهران عزمها على إرسال شحنات البنزين إلى فنزويلا.
وعلى المستوى الإعلامي، بدأت وسائل الإعلام الموالية للنظام الإيراني مناورة واسعة النطاق في هذا الصدد.
صادرات النفط الإيراني والفنزويلي بعد فيروس كورونا المستجد
تسبب تفشي فيروس كورونا المستجد والانخفاض العالمي في الطلب على النفط في تراجع أسعار النفط تدريجيًا، ولكنها أخذت ترتفع منذ أن قررت أوبك بلس خفض الإنتاج في وقت سابق من هذا الشهر.
في اجتماع أوبك بلس، تم استثناء إيران وفنزويلا وليبيا من تخفيضات الإنتاج، فلا تستطيع إيران وفنزويلا إنتاج وبيع المزيد من النفط في السوق بسبب العقوبات، أما ليبيا فبسبب الحرب الأهلية.
وفي الأسابيع الأخيرة، تظهر البيانات الإحصائية أن طاقة تكرير النفط في المصافي الصينية تتزايد تدريجيًا.
يشار إلى أنه لكي تعود أسعار النفط للزيادة مرة أخرى، يجب أن يرتفع الطلب على النفط ويمتنع المنتجون عن زيادة الإنتاج.
وسوف يزداد الطلب على الطاقة إذا تمكنت الدول المستهلكة للنفط من التخلص تمامًا من آثار كورونا على اقتصادها على المدى القصير. وإذا لم تستطع إيران وفنزويلا حل مشاكل العقوبات، فلا يمكنهما أن يأملا في زيادة حصتيهما من سوق النفط في فترة ما بعد كورونا.
إن احتمال عودة إيران وفنزويلا وليبيا إلى سوق النفط (إذا تم حل مشاكل هذه الدول) سيعني زيادة المنافسة في سوق النفط. وزيادة عدد منتجي النفط يعني انخفاض أسعار النفط وانخفاض حصة الدول في السوق، وهو ما لا يخدم مصالح أعضاء أوبك بلس والولايات المتحدة.
تشكيل قطب جديد في سوق النفط
إن جهود إيران لإرسال شحنات البنزين إلى فنزويلا، إذا نجحت، يمكن أن يكون لها فوائد سياسية واقتصادية لإيران، ولكن هذا وحده لا يمكن أن يحل مشاكل إيران الاقتصادية، بل يمكن فقط لإيران استخدام ذلك كهيبة سياسية.
لكن النقطة التي يجب الإشارة إليها هي أن جهود إيران لدعم فنزويلا في مواجهة العقوبات النفطية يمكن اعتبارها خطوة نحو تشكيل قطب جديد أو اتفاقية جديدة بين الدول التي واجهت عقوبات أميركية. فإلى أي مدى يمكن لطهران وكاراكاس إدارة آثار العقوبات الأميركية على صناعة النفط في البلدين، هذا سؤال لم تتم الإجابة عليه بشكل نهائي بعد.
كما واجهت بعض شركات الطاقة ومشاريع نقل الطاقة الروسية عقوبات أميركية. ومن المحتمل أن تتبع إيران وروسيا وفنزويلا سياسات مماثلة في فترة ما بعد كورونا، وسيتحقق هذا الاحتمال إذا تم حل مشاكل صناعة الطاقة في هذه الدول، فهذه الدول الثلاث لها مصالح مختلفة في الأسواق الإقليمية والدولية وأسواق الطاقة، ولكن نطاق وحجم تعاونها المحتمل سيكون موضع تساؤل.
تزايد حضور الصين ونفوذها في المنطقة
يعمل حاليًا متخصصون إيرانيون وصينيون في مشروع لإصلاح إحدى مصافي فنزويلا الرئيسية، وهو مجمع مصفاة باراغوانا الذي يعتبر ثالث أكبر مجمع تكرير في العالم، ويُزعم أن إيران أرسلت فريقًا فنيًا متخصصًا بالتجهيزات اللازمة، عبر الطيران الجوي، لإصلاح هذه المصفاة.
وقد أتاحت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين فرصة للشركات الصينية العامة والخاصة للمشاركة في مشاريع النفط الفنزويلية؛ فاستثمار شركات النفط الصينية في فنزويلا يمكن أن يزيد النفوذ السياسي لبكين في هذه البلاد.
قد يكون التقارب بين طهران وكاراكاس، خلال فترة العقوبات، قادرًا على تلبية بعض الاحتياجات الاقتصادية والفنية للبلدين جزئيًا، ولكن إذا لم يتم رفع العقوبات، فلن يكون البلدان قادرَين على لعب دور نشط في سوق الطاقة. إن إرسال شحنة من البنزين إلى فنزويلا وإصلاح مصفاتها يمكن أن يكون لهما فوائد سياسية واقتصادية مؤقتة لإيران، لكن ما دامت السياسة الخارجية، خاصةً سياسة تخفيف التوترات الإقليمية، ليست على أجندة طهران، وما لم تتم إعادة تعريف دبلوماسية الطاقة، فيجب أن لا يُتوقع من إيران أن تلعب دورًا نشطًا في معادلات الطاقة.
إن المستوى العالي من الاستهلاك المحلي للطاقة، ونقص الموارد المالية والتكنولوجية المتقدمة لزيادة الطاقة الإنتاجية للنفط والغاز، قضيتان لن تتمكن إيران من استئصالهما دون رفع العقوبات.. قد يكون لوصول الناقلات الإيرانية التي تحمل البنزين إلى فنزويلا فوائد سياسية واقتصادية لإيران، لكنها لن تؤدي إلى تغيير جذري في الأبعاد الجيوسياسية للطاقة.