النقل الجوي المكلف والخطير للأسلحة.. من إيران إلى سوريا
في الساعات الأولى من يوم الجمعة 14 فبراير (شباط) الحالي، قصفت غارات جوية إسرائيلية المنطقة الفاصلة بين مطار دمشق الدولي وحي السيدة زينب، مما أدى إلى تدمير شحنة أسلحة وصلت لتوها من إيران إلى سوريا.
خلال هذا الهجوم، تم قتل 23 شخصًا، بينهم سبعة عناصر من الميليشيات التابعة لفيلق القدس، بالإضافة إلى كابتن طائرة من طراز "إليوشين 76 تي دي"، تابعة للقوات الجوية السورية.
وفي العامين الأخيرين، استهدف سلاح الجو الإسرائيلي، في عدة غارات، كمية كبيرة من شحنات الأسلحة الإيرانية التي أرسلت إلى سوريا، بعض هذه الغارات كانت أثناء تفريغ الشحنات وشحنها من المطار إلى مستودعات التخزين، أو في المستودعات ذاتها، ملحقةً أضرارًا مادية وإنسانية كبيرة ليس فقط بالجيش السوري ولكن أيضًا بالقوات الإيرانية.
في هذا التقرير، ندرس مدى التكلفة الباهظة للنقل الجوي للأسلحة من إيران إلى سوريا، والمخاطر التي تتعرض لها الطائرات الناقلة للشحنات.
دور الحرس الثوري الإيراني
هناك ثلاث قوات رئيسية مشاركة في النقل الجوي للأسلحة من طهران إلى دمشق وحماه، هي القوات الجوية للجمهورية العربية السورية، والقوات الجوية التابعة لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والقوات الجوية التابعة للحرس الثوري الإيراني.
منذ فترة طويلة كان يتم نقل الأسلحة من إيران إلى سوريا بطائرات النقل الضخمة "إليوشين 76 تي دي"، التابعة لأسطول النقل "585 إم"، الخاص بالجمهورية العربية السورية، هذه الطائرات لها استخدامات عسكرية ومدنية، وأحيانًا كانت تنقل الإمدادات واللوازم الطبية التي كانت تحتاجها دمشق في أيام حصار معظم أحيائها من قبل الجماعات المناهضة لها.
مع بداية الربيع العربي ووصوله إلى سوريا، وتصاعد الحرب الأهلية في هذا البلد، ازدادت مهمات القوات الجوية التابعة لحرس الثورة الإيرانية تحت غطاء شركة طيران ياس، مما تسبب في كثير من المتاعب لهذه الشركة، وأدى في النهاية إلى توقيف طائراتها في تركيا وتعليق رحلاتها فوق هذه الدولة.
بعد يوم واحد من البداية الرسمية للحرب الأهلية السورية، في 16 مارس (آذار) 2011، تمت مطاردة طائرة "إليوشین 76 تي دي" (Il-76TD) التابعة لشرکة یاس إیر، والتي کانت متجهةً من طهران إلى حلب، من قبل مقاتلات "إف 16" التابعة للقوات الجوية التركية، وأُجبرت على الهبوط في قاعدة ديار بكر الجوية. ثم فتش مسؤولون أمنيون أتراك الطائرة بعد تلقي تقرير بأنها كانت تحمل أجهزة تستخدم في صنع أسلحة نووية، لكن لم يتم العثور على أسلحة أو معدات نووية، وبعد 15 ساعة تم ترخیص الطائرة. وبعد ثلاثة أيام، في 19 مارس (آذار )، أُجبرت طائرة أخرى من طراز "إليوشین 76"، تحمل رقم التسجيل EP-GOL، كما هو موضح في هذه الصورة، على الهبوط في ديار بكر، وهذه المرة بعد تفتیش الطائرة، فتم العثور علی رشاشین، الأمر الذي کان ذریعة لتركيا لمنع تحليق هذه الطائرات في مجالها الجوي.
بعد ذلك تم استخدام المجال الجوي العراقي لنقل الأسلحة، إلى أن تم توقيف الرحلات تحت ضغط الولايات المتحدة، وتم تعليق رحلات هذه الشركة واستبدالها بشركة إيران إير (هما)، وتعاقدت عندها وزارة الدفاع والقوات المسلحة الإيرانية مع طائرة شحن من طراز بوينغ لنقل شحنات الأسلحة من طهران إلى سوريا.
وبعد مدة، شرعت شركة طيران ماهان المخصصة لنقل الركاب في إرسال معدات عسكرية ومرتزقة تابعين لفيلق القدس، ولذا فرضت وزارة الخزانة الأميركية لاحقًا عقوبات على الطائرات المشاركة في هذا العمل.
ومع ظهور داعش واحتلالها جزءًا كبيرًا من محافظة الأنبار العراقية، وحاجة الحكومة العراقية الملحة إلى المساعدة العسكرية الإيرانية، وكذلك تزويد وتدريب الميليشيات المسلحة التابعة لفيلق القدس لمحاربة داعش، تم رفع القيود المفروضة على الطائرات العسكرية التي تحمل أسلحة من إيران إلى سوريا، وعليه تمكن الحرس الثوري الإيراني منذ ذلك الوقت وحتى الآن من إرسال الأسلحة والقوات العسكرية مباشرة إلى سوريا، حيث يقوم بذلك إما تحت غطاء شركة طيران ياس، التي تغير اسمها وأصبح "بويا إير"، أو بالطائرات العسكرية "إليوشين 76 تي دي" (Il-76TD) وتنظم رحلتين أسبوعيًا من طهران إلى دمشق.
التكاليف الباهظة التي تتكبدها القوات الجوية التابعة للجيش الإيراني
بدأ سلاح الجو التابع للجيش الإيراني بنقل شحنات الأسلحة إلى سوريا منذ ديسمبر (كانون الأول) 2012، وكانت رحلات هذه القوات تتم باستخدام رمز الهوية والبيانات الخاصة بشركة معراج للخطوط الجوية التي تملكها رئاسة الجمهورية، وفي النهاية واجهت هذه الشركة عقوبات من وزارة الخزانة الأميركية.
واحدة من 3 طائرات "بوينغ 747 2-J9F"، تابعة لسلاح الجو في الجيش الإيراني، رقم 8115-5، وهي أول طائرة تستخدم لنقل الأسلحة من وزارة الدفاع الإيرانية إلى سوريا. تُظهر هذه الصورة، الطائرة يوم 29 ینایر (كانون الثاني) 2013، قبل أن تقلع من مطار مهرآباد وتطير إلى دمشق. بعد ظهر ذلك اليوم، حاولت قوات المعارضة السورية إسقاطها بإطلاق النار عليها، لكنها فشلت.
وبعد رفض الحكومة العراقية السماح لطائرات الشحن الإيرانية بإجراء رحلات جوية باستخدام مواصفات ورمز هوية شركة معراج، لجأت القوات الجوية هذه المرة إلى مواصفات ورمز هوية شركة كاسبين للطيران، لنقل الأسلحة من مطار مهر آباد في طهران إلى دمشق، وقد أدى أيضا إلى فرض العقوبات على هذه الشركة.
ومع ذلك، وبعد تحسن العلاقات مع العراق، لم يتم التصدي للرحلات الجوية التي كانت تنفذها القوات الجوية التابعة للجيش الإيراني عبر مجال العراق الجوي باتجاه سوريا، حيث استمرت هذه الرحلات حتى يومنا هذا على الرغم من الانخفاض الكبير الذي شهدته.
وفي الساعات الأولى من يوم 16 سبتمبر (أيلول) 2018 عندما كانت القوات الجوية الإسرائيلية ترصد المجال الجوي والمحادثات اللاسلكية لقوات الحرس الثوري الإيراني عبر استخدامها طائرة آيتام (Aitam) لنظام الإنذار المبكر والتحكم المحمول جوا، وطائرات شاويت (Shavit) للتجسس الإذاعي والإلكتروني، اطلعت حينها على دخول طائرة بوينغ من طراز "747-2جيه9إف" (Boeing 747-2J9F) التابعة للقوات الجوية في الجيش الإيراني، إلى مطار دمشق الدولي، وتحمل شحنة من الصواريخ البالستية.
الطائرة 113 أو 8113-5، من طراز بوينغ "747-2جي9إف"، كانت تابعة لسلاح الجیش الإيراني، والتي تضررت في مطار دمشق صباح يوم 17 سبتمبر (أيلول) 2018، بعد غارة جوية قامت بها طائرات "إف 16" الإسرائیلیة. وتم إصلاح مواضع الضرر في أجنحة وجسم الطائرة، التي حدثت بسبب الشظایا، وتم ترميمها واستعادتها بلوحات سبيكة مصنوعة من جنس جسم الطائرة.
وبعد دقائق من تفريغ الشحنة، استهدفت المقاتلات الإسرائيلية من طراز "إف-16" هذه الشحنة بصواريخ "دليلة" (Delilah) مما أدى إلى إصابة عدد من القوات الإيرانية والسورية التي كانت بالقرب من الشحنة، كما أدى هذا الاستهداف إلى إصابة محركات الطائرة الإيرانية وهيكلها.
وبالتالي بقيت الطائرة الإيرانية ذات الرقم التسلسلي "8113-5" في مطار دمشق بعدما كانت إيران قد أنفقت قبل أشهر، مليارات التومانات لصيانتها وتعديلها في شركة فجر آشيان للصيانة، التابعة لوزارة الدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيرانية.
وبعد أسابيع من الجهود التي بذلها الموظفون الفنيون في القوات الجوية في الجيش الإيراني، تم تصليح هذه الطائرة بشكل مؤقت في دمشق، وتمكنت من العودة إلى مطار مهر آباد في الساعات الأخيرة من 20 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2018 لإجراء العمليات النهائية من التعديل والصيانة.
شركة "فارس إير قشم" للطيران
في عام 2017، قامت شركت "فارس إير قشم" للطيران ومقرها في منطقة قشم الحرة والتابعة للحرس الثوري الإيراني، قامت بشراء طائرتين بوينغ مستعملتين من طراز "747-218 إف"، عبر شركة ماهان للطيران، وبعد وصولهما إلى البلاد، استخدمتهما في عمليات نقل الأسلحة من طهران إلى دمشق، بدءًا من عام 2018.
وبعد ذلك تولت هاتان الطائرتان بأرقام تسجيل "EP-FAA"، و"EP-FAB" معظم عمليات نقل الأسلحة من إيران إلى سوريا.
وفي 12 فبراير (شباط) الحالي، أي قبل يوم واحد تقريبًا من الغارة الجوية الإسرائيلية على دمشق، نقلت إحدى هاتين الطائرتين برقم تسجيل "EP-FAB" شحنة أسلحة إلى دمشق حيث رصدتها أنظمة التجسس العسكرية الإسرائيلية، وفي نهاية المطاف استهدفتها القوات الجوية الإسرائيلية في الساعات الأولى من يوم الجمعة الماضي 14 فبراير (شباط) الحالي.
الطائرة "EP-FAB" واحدة من طائرتي بوينغ "747-281إف"، وهي تابعة لشرکة فارس إیر للطیران، التي تستخدم لنقل الأسلحة من طهران إلى دمشق. وقد تم تدمير شحنة الأسلحة التي كانت تحملها الطائرة إلى دمشق يوم 12 فبراير (شباط) 2020 في هجوم شنته مقاتلات "إف 16" التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، في الساعات الأولى من يوم الجمعة 15 فبرایر (شباط) 2020، مما أسفر عن مقتل العديد من عناصر فيلق القدس.
وعلى الرغم من سهولة تحديد رحلات الطائرات الإيرانية إلى سوريا واعتراض شحناتها من قبل الجيش الإسرائيلي، فإن هذه الرحلات كانت مستمرة، وهو ما دفع القوات الجوية في الجيش الإسرائيلي إلى شن غارات على دمشق والمطار الدولي لهذه المدينة.
وفي الوقت الراهن، تتولى كل من شركة "فارس إير قشم" للطيران التابعة للحرس الثوري الإيراني عبر استخدامها طائرات بوينغ من طراز "747"، والقوات الجوية السورية عبر استخدامها طائرة "إليوشن 76 إي إل"، يتوليان مهمة إيصال جزء كبير من الأسلحة الإيرانية إلى سوريا.
كما أن القوات الجوية الإسرائيلية ترفض استهداف هذه الطائرات، بسبب مظهرها غير العسكري وكذلك دورها المهم في الرصد والاعتراض وطبيعة الشحنات العسكرية.
إحدى أربع طائرات "إلیوشن 76 تي"، وهي تابعة لسلاح الجو السوري، وتستخدمها أيضًا شركة الطيران المملوكة للدولة، وقد هبطت في مطار مهرآباد لشحن الأسلحة ونقلها إلى سوريا في مارس (آذار) 2010.