أسئلة حول استمرار طرد الدبلوماسيين الإيرانيين من أوروبا
كانت الأشهر الستة الأخیرة من عام 2018، غير عادية بالنسبة للجهاز الدبلوماسي الإيراني، وربما لم تمر حتی الآن مثل هذه الفترة القصيرة والعاصفة علی جهاز السیاسة الخارجية الإيرانية، وجاءت جوانب القضية كالتالي:
أولاً: في الرابع من يونيو (حزیران) الماضي، وفي ليلة سبقت ذهاب الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى النمسا، تصدر عناوين الصحف خبر حول القبض علی دبلوماسي إيراني اعتقل بتهمة محاولته المشاركة في عمل إرهابي.
ووفقًا للأخبار، كانت مهمته في النمسا، لكنه اعتقل في ألمانيا. وکان یعمل علی تجهیز مواطنین بلجیکیین من أصول إیرانیة بالمتفجرات، لتفخیخ محل إقامة مؤتمر لجماعة مجاهدي خلق في باريس.
وبذلك أصبحت أربعة بلدان أوروبية في موضع الشاكي ضد إيران في ملف إرهابي. ومن ثم جردت النمسا الدبلوماسي الإيراني من حصانته الدبلوماسية لكي تستطيع ملاحقته قضائيًا في بلجيكا. وباتت الأسئلة المطروحة الآن هي:
(أ) لماذا لم تتحسب إيران تجاه القبض على دبلوماسیيها واستجوابهم؟ يكفي أن نقارن ذلك مع اعتقال سفیرها الأسبق لدى الأرجنتين هادي سليمان بور، في لندن عام 2003. وكان سلیمان بور مطلوبًا من قبل الشرطة الدولية (الإنتربول) في ملف تفجير المركز اليهودي في بوينس آيرس. وعندما ألقي القبض على سلیمان بور کان قد جاء إلی لندن بجواز سفر عادي ولغرض الدراسة. وبعد اعتقال سليمان بور، أثیرت ردود فعل کبیرة في وسائل الإعلام الإيرانية، وفي نهاية المطاف تمکنت طهران من أن تهیئ ظروف إطلاق سراحه بتوكيل أغلى المحامين ذوي الخبرات العالية.
وإذا ما شهدنا هذه الحساسية الإيرانية تجاه دبلوماسیها الأسبق، فلماذا لم نشهد هذه الحساسية من جانب إيران حيال اعتقال واستجواب دبلوماسي النمسا؟ ألم يكن ذلك إثباتًا بأنه كان عنصرًا أمنيًا بغطاء دبلوماسي؟
(ب) إذا كان الأمر كذلك، فغالبًا ما تكون البلدان حساسة لوقوع عناصرها الأمنية في الفخ، فلماذا لم يكن الأمر كذلك في هذه الحالة؟ لماذا لم تحاول إيران أن تقوم بردة فعل مماثلة؟
ثانيًا: في 6 يوليو (تموز)، أعلنت هولندا عن ترحيلها دبلوماسيين اثنین بتهمة تورطهما في مقتل شخصين على أراضيها. الأسئلة التي أثيرت في هذا الصدد كما يلي:
(أ) للمرة الأولى في تاريخ السياسة الخارجية الإيرانية، وربما في العالم، لم يتم الإعلان عن طرد دبلوماسيين من قبل وزارة خارجية البلد المضيف (هولندا)، وإنما من قبل جهاز الأمن في ذلك البلد. لماذا لم تحتج إیران على هذا الإجراء غير التقليدي؟ والأسوأ من ذلك، وفقًا لصحیفة "كيهان" الأصولية (11 يوليو/ تموز 2018)، لم تعلن وكالة الأمن الهولندية هذه الأخبار فحسب، بل تم استدعاء السفير الإيراني لدى هولندا إلى تلك المؤسسة الأمنية، وكان قد امتثل لهذا الاستدعاء وحضر. إذا ما كانت هذه الأخبار صحيحة، فلماذا لم نلاحظ أي احتجاج من قبل إيران تجاه هذا الإجراء؟ لماذا لم تقم طهران برد فعل مماثل؟ لماذا استدعت وزارة الخارجية الإیرانیة سفير هولندا في طهران بعد مضي شهر من استدعاء السفير الإيراني لدى هولندا؟
ثالثًا: في 30 أكتوبر (تشرين الأول) 2018، أعلنت الدنمارك عن طرد دبلوماسي إيراني بتهمة محاولة ارتكاب أعمال إرهابية. وفي أعقاب هذا التحرك من قبل الدنمارك، كانت خمسة بلدان شمالية (فنلندا، السويد، النرويج، آيسلندا، الدنمارك) قد أظهرت حساسیة بالغة تجاه الحدث، وفي بيان مشترك لها قالت هذه الدول إنها "تعتبر هذا الأمر خطيرًا للغاية".
بعد ذلك، استدعت الدنمارك سفيرها في طهران. وفي المقابل، اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية هذا الاتهام لا أساس له. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم تقم إیران بردة فعل مماثلة؟ لماذا لم يتم طرد أي دبلوماسي دنماركي من إیران؟
رابعًا: في 19 دیسمبر (كانون الأول) 2018، أعلنت ألبانيا عن طرد دبلوماسیین إیرانیین اثنين، أحدهما سفیر، بتهمة محاولة القيام بأعمال إرهابية على أراضيها. ولم تلجأ إيران في هذه المسألة أيضًا إلی ردة فعل مماثلة. لماذا؟ رغم أن طرد سفیر بلد ما، ليس مسألة عادية يمكن تجاوزها بسهولة.
الانفعالية في السياسة الخارجي
بحسب ما أوضحناه، ففي جميع الحالات المذكورة أعلاه، فإننا لم نشاهد سياسات فاعلة من قبل وزارة الخارجية الإیرانیة، بل إن جميع سياسات إيران كانت انفعالية. وحتى الآن، وفي غضون ستة أشهر، نسبت إلى إيران أربعة اتهامات بارتكاب أعمال إرهابية في 11 بلدًا أوروبيًا (فرنسا وبلجيكا وألمانيا والنمسا وهولندا وفنلندا والسويد والنرويج وآيسلندا والدنمارك وألبانيا). وإذا ما استمر الوضع هکذا، فلا عجب أن تتكرر حالات مماثلة مرة أخرى في أوروبا. والسؤال حينها سيكون: إلى أين تتجه إيران بعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي بهذه الانفعالیة؟
وبما أنه لا یمکن التشکیك في طبيعة الاتهام المزعوم بأنه عمل إرهابي، فإن السؤال الأساسي هو: كيف قامت السفارات الإیرانیة بالإعداد لهذا الکم من الأعمال الإرهابية؟ هل تم السطو على وزارة الخارجية من جانب المؤسسات الأمنية؟ إذا كان الأمر كذلك، فحتى متى سنشاهد تكرار أحداث من هذا النوع؟ إلی أين ستنتهي العلاقة بين إيران والاتحاد الأوروبي؟
وفي أحدث ردود الفعل الأوروبية، فرض الاتحاد الأوروبي حظرًا أمنيًا علي مؤسسة أمنية إيرانية واثنين من الشخصيات الحقوقية. فمن الواضح أن الاتحاد الأوروبي لم يرغب في فرض عقوبة قاسية، لكن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي قال: "إن بلاده وفي إطار رد فعل مماثل ستتخذ الإجراءات المناسبة ردًا على هذا الإجراء".
ماذا سيكون رد فعل طهران المماثل؟ لماذا اتخذت طهران، حتى الآن، جانب ردود الفعل المنفعلة؟ وهل العلاقات بين إيران والاتحاد في مسار التفکك؟
ليس هناك الآن أي احتمال لرد فعل إیجابي علی هذا السؤال، ولكن إذا تكررت حالات مماثلة، فإن صبر الاتحاد الأوروبي أیضَا ليس إلى ما لا نهاية.