احتجاج إصلاحي علی شعار "لا غزة ولا لبنان.. روحي فداء لإيران"
قال محمد عطريانفر، عضو المجلس المركزي لحزب کوادر البناء، لصحيفة "إیران" إن شعار لا غزة ولا لبنان "هراء"، وإن جمهورية إيران الإسلامية يجب أن تدفع نفقات حزب الله.
هذا الناشط الإصلاحي، الذي كان یشغل منصب النائب السياسي لوزارة الداخلية في حكومة هاشمي رفسنجاني، ورئيس مجلس مدينة طهران عام 2001، قال في مؤتمر صحافي مؤخرًا: "بعض الناس يجلسون داخل إيران ويقولون: (لا غزة ولا لبنان، روحي فداء لإيران)، هذا هراء.. لقد کافحنا 40 عامًا من أجل حزب الله، وعلينا أن ندفع نفقاته".
كما أثنى عطريانفر على المرشد خامنئي لتمديد نفوذه خارج حدود جمهورية إيران الإسلامية إلى البحر المتوسط وسوريا ولبنان واليمن، ورفض شعارات المحتجين، وخاصة خلال الاحتجاجات في ديسمبر (كانون الأول) 2017، وقال إن الفصيلين السياسيين الرئيسيين في إيران "توصلا إلى اتفاق غير مكتوب بموجب تدابير المرشد".
وأكد أخیرًا: "إن دفع نفقات هذه الجماعات والوجود في مناطق مثل سوريا والعراق يوفران الحماية للجمهورية الإسلامية".
لماذا تدفع جمهورية إيران الإسلامية نفقات حزب الله؟
تظل الحكومة الإيرانية ملتزمة تمامًا بتقديم الدعم المالي والسياسي لجماعات مثل حزب الله وحماس، ووفقًا لما ذکره عطریانفر، فإن هذا الالتزام هو في الأساس نظرة مشتركة للأصوليين والإصلاحيين.
وعلى الرغم من أن طبيعة دعم نظام ولي الفقیه للجماعات السياسية في لبنان أو فلسطين لا تختلف عن الوجود الإيراني في سوريا والعراق. وبعبارة أخرى: كل هذه التوسعات الإقليمية يجمعها قاسم مشترك واحد، لكن الحساسية الخاصة لميليشيات حماس وحزب الله والجهاد الإسلامي نشأت مع بداية نظام جمهورية إيران الإسلامية منذ 40 عامًا.
حزب الله هو الابن البار والمدلل لحکومة ولایة الفقیه في إیران، والذي ولد بعد نحو 3 سنوات فقط من انتصار الثورة الإسلامية، فبينما كانت بلاد إيران في عامها الأول من حرب شاملة مع العراق، تم فتح جبهة قتال جديدة، بفتوى من آية الله الخميني، في لبنان، والذي كان هو نفسه في عامه السابع من الحرب الأهلية.
أعطى الهجوم العسكري الإسرائيلي الواسع النطاق على ذلك البلد، في ذلك الوقت، ذريعةً للمرشد الأعلی لتشكيل جبهة جديدة من أجل تحقیق شعار تصدیر الثورة الإسلامية ومساعدة الإخوة الشيعة في لبنان.
أدى الصراع العسكري مع إسرائيل على الأراضي اللبنانية إلى انعقاد نطفة حزب الله، فبعد ثلاث سنوات من الثورة الإسلامية، تم تشكيل حزب الله، الذي کان مجموعة عسكرية صغيرة، من خلال جمع الشباب الشيعي اللبناني من قبل عدد من الثوريين الإيرانيين في معسکر بعلبك.
كان علي أكبر محتشمي بور أحد المسؤولين الثلاثة الأقوياء والمتنفذین في الجمهورية الإسلامية، ومن مؤسسي الجماعة، والذين انضموا لاحقًا إلى معسكر الإصلاحيين. وهو ما يجعل دافع شريكه الإصلاحي، عطریانفر، مفهومًا في وصفه لشعار "لا غزة ولا لبنان"، بأنه هراء.
وبينما كان هدف مرشد جمهورية إيران الإسلامية، آنذاك، هو تصدير الثورة الإسلامية إلى أجزاء أخرى من العالم، وخاصة في لبنان، للقتال عن كثب ضد "النظام الصهيوني"، رأى الشيعة اللبنانيون المغتربون في وطنهم دعم إيران الكامل بوصفه معجزة، حيث إن لبنان، بوصفه مستعمرة فرنسية سابقة، بالإضافة إلى تأثر المجتمع بالثقافة واللغة الفرنسية، فإن مؤسساته السياسية أیضًا قد تشکلت وفق التصميم الفرنسي.
وتحت تأثیر هذا الفکر تمت صياغة الدستور اللبناني، حیث یتم اعتماد أهلية كبار المسؤولين في البلاد حسب دينهم أو مذهبهم.
ووفقًا للدستور اللبناني، تُمنح رئاسة الجمهوریة للمسيحيين، ورئاسة الوزراء للسنة، ورئاسة البرلمان للشیعة. وفي وقت لاحق في العراق، بعد سقوط صدام، قلد الأميركيون نفس النموذج الفرنسي لتشكيل الهياكل السياسية ومؤسسات السلطة، وبالتالي فإن للشيعة حصة أكثر سطحية من السلطة في كل من لبنان والعراق.
حتى انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، على الأقل، كانت كل الطوائف المشاركة في الحرب الأهلية اللبنانية تحت رعاية الحكومة. وبينما كان المسيحيون یعتبرون قاعدتهم فرنسا وإسرائيل، وكان السنة يعتمدون على الدعم المصري والسعودي، فقد كان الشيعة هم الوحيدون الذين لم یحظوا باهتمام دولة معينة.
تفاقمت عزلة الفصائل الشيعية عندما تدفق عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان دون مظلة خاصة. وكان دور إيران العسكري أمرًا حيويًا في دعم الشيعة في الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عامًا، وانتهت أخیرًا في عام 1990، خاصةً عندما تم توفير التمويل والأسلحة لمسيحيي حزب الكتائب من قبل إسرائيل. والسنة أیضًا كانوا یتلقون الدعم من دول عربية.
أسباب عداء الإصلاحيين لشعار "لا غزة ولا لبنان"
في حديثه الجديد، وصف محمد عطریانفر شعار الاحتجاجات في يوم القدس عام 2009 وما تلتها من احتجاجات، في دیسمبر (كانون الأول) 2017، التي تعارض استمرار دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية للبنان وفلسطين، وصف عطريانفر هذا الشعار بأنه هراء، وادعی ضمنیًا أنه بما أن دعم المیلیشیات الشيعیة في المنطقة يوفر "الحماية" للحكومة الإيرانية، لذلك یجب الاستمرار في هذا الدعم، حتی وإن کان مکلفًا.
ستكون وجهة نظر الناشط الإصلاحي الجديدة، جدیرة بالتأمل، عندما نلاحظ وجهات نظر بعض معاصريه:
قال هادي خامنئي، الأمين العام للقوی السائرة علی نهج الإمام الخميني ورئيس تحرير صحيفة "حیات نو" المحظورة، في حوار مع وکالة "مشرق نیوز"، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، إن "الذين رددوا شعار (لا غزة ولا لبنان)، في مسیرة یوم القدس عام 2009، لم یکونوا إصلاحیین، ولکن مؤسسة الإذاعة والتلفزیون التقطت صورًا لهذه المجموعة من بين ملايين الأشخاص".
وقال علي أكبر محتشمي بور، في مقابلة، بعد أيام قليلة من تلك الاحتجاجات: "القضیة هنا أن الأشخاص الذین یرددون شعارات فلسطينية في إيران، هم الذین یمارسون أکبر ظلم بحق شبابهم، ورد فعل الشباب طبيعي من شخص مضطهد تعرض للضرب والسجن، هذا أقل ما يمكن توقعه من مثل هؤلاء الشباب".
وعلى الرغم من أن محتشمي بور يعترف بنقطة مهمة في ملاحظاته، إلا أن معاناة الأشخاص الذين رددوا، بإخلاص، شعار لا غزة ولا لبنان روحي فداء لإیران، أعمق من ذلك بکثیر. لسوء الحظ اليوم، فإن جماعات مثل حزب الله في لبنان، هي في الواقع الذراع السياسية لجمهورية إيران الإسلامية في العالم.
ومن ناحية أخرى، نظرًا لأن عددًا من الأعمال الإرهابية الإيرانية ضد مصالح الدول الغربية في الثمانينيات والتسعینيات كانت عمليات مشتركة بين الحكومة الإيرانية وحزب الله، فإن هذه المنظمة تعتبر الصندوق الأسود لنظام ولایة الفقیه.
بعبارة أخرى، إذا كان حزب الله فقط يحتاج إلى إيران قبل عقدين من الزمن، فالحاجة اليوم متبادلة بین الطرفین، وهذا هو السبب في أن بعض الصحف العربية کتبت ساخرة بأن إيران ليست هي التي تساعد حزب الله، بل علی العكس، حزب الله هو الذي یبتز إیران.
إن عداء الحركة الإصلاحية مع الشعار الجماهيري المتمثل في "لا غزة ولا لبنان" يتجذر في نظرتها الآيديولوجية للظاهرة الفلسطينية-اللبنانية، وهي فكرة لا یختلف فیها الإصلاحي عن الأصولي، عندما يتعلق الأمر بالحفاظ على شكل جمهورية إيران الإسلامية والقیام بإصلاحات داخلها فقط.. فكيف يمكن للإصلاحيين إنکار حزب الله وهو العمود الفقري للنظام؟
لذلك، في الفكر الإصلاحي، ربما ینبغي الاهتمام بشيعة لبنان وفلسطين وسوريا والعراق بنفس القدر من الاهتمام بالشعب الإيراني، وحتى أكثر من ذلك.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة، وجامعة الدول العربیة، وكندا، وهولندا، والنمسا، صنفت حزب الله في قائمة الجماعات الإرهابية، وأن الاتحاد الأوروبي لا يعتبر سوى فرعه العسكري جماعة إرهابية، فإن جمهورية إيران الإسلامية لا تزال مستعدة لدفع أي ثمن وقبول کل المخاطر لضمان بقاء حزب الله، الذي یعد ضمانة لبقائها.
ربما في هذا السیاق یمکن فهم الإشادة الأخیرة لإسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، بالمرشد خامنئي؛ حیث قال هنیة لخامنئي: "أشكر الله العظيم على إعطائنا شخصیة مثلك، وأطلب منه أن يمنحك بركاته وأن يبعد عنك بلایاه".