"الکذبة الکبرى التي لم تعد مؤثرة"
"إذا تابت أميركا، فسوف نقبل توبتها".. "إذا لم تتمكن إيران من بيع النفط، فلن تتمكن أي دولة في المنطقة من بيع نفطها".. "إذا کفت الولايات المتحدة عن ممارسة الضغوط القصوى على إيران ورفعت العقوبات، فقد تكون إحدى الدول التي تجلس على طاولة المفاوضات مع إيران"..
هذه العبارات تم سماعها عدة مرات في الخطب والاجتماعات على مدار الأشهر الماضية، بلغة مسؤولي جمهورية إيران الإسلامية، بداية من المرشد الأعلى إلى رئيس الجمهوریة، ووزير الخارجية.
الجمل التي لم نسمعها حتى بلغة المسؤولين من المستوى المتوسط، قبل عام أو عامين. ربما لأن "أميركا كانت ذئبًا وتوبته هي بالتأكيد موت لجمهورية إيران الإسلامية"، لذا فإن دعوتها للتوبة ووضع شرط وشرط مسبق للتفاوض معها كان بلا معنى.
إن اللغة الحادة، إلى جانب السخرية والكراهية والتهدیدات وتحدید الخطوط السياسية في خطب المسؤولين في جمهورية إيران الإسلامية. ومن ناحية أخرى، التراجع والتقدم، ليست قضية جديدة، خاصة فیما یتعلق بالولايات المتحدة؛ أي الدولة التي تعتمد کثیر من مبادئ الثورة الإسلامية الإيرانية على معاداتها.. ويبدو أنه إذا انتهى هذا العداء يومًا ما، فستكون الكثير من مبادئ وثقافة الثورة الإسلامية عديمة الفائدة.
هذه اللغة اللاذعة والتهديد، دائمًا ما یُستخدمان ضد الشعب الإيراني. الاحتجاجات العمالية، والحركات، والمطالب النسائية، واستياء الأقليات الدينية من عدم المساواة في البیئة التعلیمیة والمهنیة، والقلق بشأن الوضع البيئي المزري، والاحتجاجات ضد إساءة معاملة الحيوانات، والكثير من الأمور الأخری التي قد تكون موجودة أو غير موجودة في العديد من البلدان الأخرى حول العالم، يُعاقب علیها في إیران بأسوأ وأشد أشكال العقوبات.
وتُعتبر تلبية مطالب الناس، أي مطلب کان، حتى ذهاب النساء إلی الملاعب، تُعتبر تحطیمًا وتدميرًا لكرامة وتطلعات الثورة الإسلامية، والعمل ضد المصالح والأمن الوطنيين.
ولهذا السبب، فبدلاً من الحصول علی مطالبهم، یواجه المواطنون دائمًا لغة التهدید، أو يرون أن الحصول على مطالبهم مرهون باتخاذ خطوة نحو تعزيز سلطة الحكومة.
وعلى سبيل المثال، لم یمض وقت طويل علی صدور الأحكام الغريبة بحق عمال شرکة هفت تبه، والتعامل مع النساء المحتجات علی الحجاب القسري، حتی قال روحاني في خطابه إنه إذا كان للعمال أو النساء أي مطالب، فتحقیق مطالبهم یکمن في صندوق الاقتراع، لذا قوموا بالتصويت من أجل تحقیق مطالبکم.
يقول قانون "الكذبة الكبرى" إن القاعدة الأولى، الموجهة إلى الحاكم، هي عدم السماح للناس أبدًا بالإحباط، وعدم الاعتراف أبدًا بارتكاب الأخطاء، وعدم الإقرار مطلقًا بأن العدو قد يتمتع بسمات جيدة، وعدم ترك مجال لاستبداله.. التركيز على عدو واحد، وتعليق کل شيء سيئ علیه، هذه سياسة مألوفة جدًا لنا نحن الإيرانيين أيضًا.
هذه السياسة قائمة على عدم الوفاء بالوعود، وعدم تلبیة المطالب، في الداخل والخارج على حد سواء، ولكن على المستوى الدولي اليوم، إلى أي مدى يمكن أن يساعد استخدام هذه الأدبيات، إيران في تحقيق هدفها المتمثل في إزالة الضغوط الاقتصادية غير المسبوقة التي تفرضها الولایات المتحدة؟
منذ فبراير (شباط) من العام الماضي، وحتی الآن، حیث تحدث المسؤولون الإیرانیون مرارًا عن توبة ترامب وضرورة التعبير عن أسفه بسبب الظلم الذي لحق بإيران؛ هل اتخذت الولايات المتحدة خطوة إیجابیة باتجاه إيران، أم شددت العقوبات يوميًا؟ وأخيرًا، هل كانت سياسة الحكومة في مواجهة المطالب الشعبية في الداخل فعالة أيضًا في الخارج؟
تحاول جمهورية إيران الإسلامية، حتى في المجالات الرياضية، خداع المنظمات الدولية، فقد وقّعت تعهدات للاتحادات الرياضية بعدم إجبار الرياضيين على الخسارة أمام منافسيهم الإسرائيليين، واستعدت لدخول النساء في ملاعب كرة القدم (بالطبع لجميع الألعاب وليس لمجرد لعبة وطنية محددة)، وسمحت ببطاقات دخول محدودة.
لكن في النهاية، أدت حادثة "الفتاة الزرقاء" المفجعة، أو تصريحات سعيد ملائي، وبعض الرياضيين الآخرين إلى تقويض سیاسة السریة والتبریر الواضحة، واليوم تم تعليق الأنشطة الدولية للاتحاد الإيراني للجودو، ويسعى الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفیفا) إلى مزيد من الرقابة والتصميم الجاد، لدخول النساء الإیرانیات إلی الملاعب.
ومن ناحية أخرى، كتبت مراسلة شبكة "سي إن إن"، كريستين أمانبور، على صفحتها في "تويتر"- عقب حديثها الإعلامي مع وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، الذي ما زال ینتظر حتى الیوم، نیابة عن الجمهوریة الإسلامیة، "توبة الولایات المتحدة، وصفح جمهورية إيران الإسلامية": "قال لي ظریف إن روحاني مستعد للاجتماع مع دونالد ترامب، هذا الأسبوع، في نيويورك، شريطة أن يكون ترامب مستعدًا لأن يستبدل بالعقوبات مراقبةً دائمةً للمنشآت النووية الإيرانية".
ووفقًا لما ذکره ظريف، كان روحاني مستعدًا للقاء ترامب، في حين أعلن ترامب في وسائل الإعلام أنه ليست لديه خطط لمقابلة إيران في الأمم المتحدة. هكذا أعلن ظريف عن استعداد إيران للتفاوض مع الرئيس الأميركي من قبل أعلى مسؤول تنفيذي في البلاد، ولم يعد هناك شرط التوبة، ولكن فقط رفع العقوبات مقابل قيام الأمم المتحدة بمراقبة دائمة للمنشآت النووية الإيرانية.
في نهاية المطاف، لم يجتمع ترامب وروحاني في هذه الزيارة، لكن من الجدير بالذكر أن جمهورية إيران الإسلامية اتبعت سياسة على عكس البلدان الأخرى في العقود القليلة الماضية، وهي أنها جعلت بقاءها مبنیًا على أساس عدم الوفاء بالوعود والمطالب وتأجیلها إلی الانتخابات المقبلة، والمفاوضات والالتزامات اللاحقة.
لكن اليوم، عند التعامل مع إدارة ترامب، تجد أن هذه السياسة واجهت ضغطًا هائلاً من المجتمع الدولي ضد إيران في جميع المجالات، وبالنظر إلى الأدبيات الحديثة لمسؤوليها، يبدو أن الجمهوریة الإسلامیة تفكر في تغيير سیاستها.
ومع ذلك، فهي تسعى إلى استمرار حیاتها ومواصلة برامجها السلطویة، من خلال تقدیم الوعود المستقبلية للمجتمع الدولي، أو قمع وحرف مسار المطالب الشعبية في الداخل، دون أن تدرك أن سياسة "الكذبة الكبرى" لم تعد تجدي، في عالم يعتمد على التكنولوجيا، وتبادل المعلومات، والبيانات الرقمية.