بالأرقام: الإيرانيون يرفضون خطة المرشد لزيادة عدد السكان
في الوقت الذي وجه فيه انتشار فيروس كورونا في إيران كل الاهتمام، تقريبًا، إلى عدد الضحايا، وتلاعب الحكومة في إحصاءات مصابي ووفيات الفيروس، أظهر نشر إحصاءات المواليد في إيران جوانب أخرى من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الحالية.
وبعد فترة من التأخير، بسبب قلق الحكومة من الكشف عن إحصاءات الوفيات، نشر سيف الله أبو ترابي، قبل أيام قليلة، الإحصاءات العامة للوفيات والولادات في عام 2019. وبغض النظر عن حصيلة الوفيات، فقد تم تسجيل 1196135 ولادة هذا العام.
معدل النمو أقل من واحد في المائة
بعد نشر هذه الأرقام مباشرة، نشرت وكالة "مهر" للأنباء نتائج بحث أجراه مجلس الثورة الثقافية الإيراني، أظهر أن معدل المواليد في العام الماضي، شهد انخفاضًا في النمو السكاني إلى أقل من 1 في المائة.
وأشار التقرير إلى أن معدل المواليد في البلاد كان يتزايد في الفترة بين عامي 2001 و2015، لكن بعد عام 2015، انخفض عدد المواليد "بشكل حاد"، بسبب "نفاد الإمكانيات الداخلية للسكان".
وفي عام 2018، انخفض معدل المواليد في البلاد بأكثر من 8 في المائة، مقارنة بالعام السابق، الأمر الذي لم يسبق له مثيل في العقدين الماضيين.
وفي الأشهر الستة الأولى من عام 2019، أيضًا انخفض عدد المواليد المسجلين في إيران بنسبة 13 في المائة، مقارنة بالأشهر الستة الأولى من عام 2018.
تجدر الإشارة إلى أن هذا البحث الذي أجراه مجلس الثورة الثقافية، تم قبل الإعلان الرسمي عن إحصاءات عام 2019 من قبل منظمة الأحوال المدنية. وعلى الرغم من تشاؤمه، فقد قدّر أنه في نهاية عام 2019، سيصل معدل المواليد في البلاد إلى 1205954 ولادة. لكن هذه التقديرات المتشائمة نفسها لم تتحقق، وكانت الإحصاءات الرسمية أقل بنحو 10000 ولادة عن هذا العدد.
كما أكد مجلس الثورة الثقافية أن معدل النمو السكاني في إيران انخفض من 1.29 في المائة عام 2011، إلى 1.24 في المائة عام 2016، وتشير التقديرات إلى أن معدل النمو السكاني انخفض الآن إلى نحو واحد في المائة، بينما من المتوقع أن نشهد في السنوات القادمة مزيدًا من الانخفاض في معدلات النمو السكاني.
وأضافت وكالة "مهر" للأنباء، بحسب إحصائيات رسمية جديدة، أنه بسبب انخفاض معدل المواليد عام 2019 عما كان متوقعًا، فقد "انخفض معدل النمو السكاني إلى أقل من واحد في المائة".
وفي الوقت نفسه، وصل نمو السكان في بعض محافظات إيران إلى أقل من نصف في المائة.
على سبيل المثال، قال شفيع شفيعي، مدير عام الشؤون الاجتماعية في محافظة أردبيل، في يناير (كانون الثاني) الماضي: "وفقًا للإحصاءات، فإن النمو السكاني في محافظة أردبيل يبلغ 0.35 في المائة".
ومع ذلك، فقد أدلى بعض المسؤولين الحكوميين بمزاعم لا أساس لها، فعلى سبيل المثال قال محمد أميد، نائب مدير التنمية الريفية والمناطق المحرومة في البلاد، مؤخرًا، في مقابلة تلفزيونية: "بين عامي 1986 و2016، أصبحت نحو 13000 قرية في البلاد خالية من السكان، ولكن وفقًا للإحصاءات المسجلة منذ عام 2017، شهدنا نمو نسبة الشباب بين سكان القرى". ومع ذلك، لم يقدم أميد أي إحصاءات عن الزيادة في عدد سكان الريف من الشباب.
في حين أنه من المتوقع أن تتم إضافة 7 ملايين شخص "في منتصف العمر" إلى سكان إيران، بحلول عام 2040.
انخفاض عدد السكان تهديد لطموحات النظام
عقب نشر مثل هذه التقارير التي تفيد بالانخفاض غير المسبوق في النمو السكاني في إيران، قال صالح قاسمي، الذي وصفته وكالة "مهر" للأنباء بأنه باحث في قضايا النمو السكاني: "مع استمرار الوتيرة الحالية، من المتوقع أن ينخفض معدل النمو السكاني في إيران إلى الصفر، بعد نحو 20 إلى 25 سنة".
وفي معرض إشارته إلى طموحات النظام الإيراني لتولي زعامة العالم الإسلامي، وكذلك توصيات المرشد الإيراني، علي خامنئي، حول ضرورة ارتفاع عدد السكان في إيران، أضاف قاسمي أن "أدنى معدلات الخصوبة بين الدول الإسلامية، يوجد في إيران.. ومع استمرار هذه الوتيرة، سنفقد، في العقود الثلاثة المقبلة، دور أم القرى في العالم الإسلامي"، حسب تعبيره.
تأتي هذه التحذيرات في وقت يعرف فيه حتى المسؤولون الإيرانيون أن مجرد الحث على الإنجاب لن يؤدي إلى ارتفاع عدد السكان.
يشار إلى أن هناك أسبابًا عديدة لزيادة معدلات النمو السكاني، من أهمها الأمل في الحياة، وتوفير الإمكانيات الاقتصادية للمتزوجين. ولذا فليس من المستغرب أن ينخفض دافع المتزوجين وتتضاءل قدرتهم على الإنجاب بعد ما واجه الشعب الإيراني في العام الماضي مختلف الأزمات الاقتصادية والمعيشية، بما فيها الارتفاع المفاجئ لأسعار البنزين الذي أدى إلى اندلاع موجة واسعة من الاحتجاجات في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وإضافة إلى الأزمات الاقتصادية، فإن المشاكل الاجتماعية التي تعوق الزواج في إيران، هي أيضا تترك تأثيرًا مباشرًا على عملية الإنجاب.
وفي هذا السياق قال مستشار وزير الصحة الإيراني، محمد إسماعيل أكبري، في فبراير (شباط) الماضي، حول انخفاض معدلات الخصوبة في إيران، إن 30 إلى 40 في المائة من الفتيات في إيران لم يتزوجن وبالتالي لم ينجبن أطفالا.
كما تشير الإحصاءات أيضًا إلى أن نحو مليون و400 ألف إيراني تتراوح أعمارهم بين 30 إلى 59 عامًا، لم يتزوجوا بعد.
وتظهر الإحصاءات الصادرة رسميًا، خلال السنوات الأخيرة، أن عدد الزيجات ما زال في انخفاض. وفي المقابل، تشهد حالات الطلاق وتيرة متصاعدة.
ومن جهة أخرى، أدى تفشي فيروس كورونا في إيران إلى أن تكون أوضاع الإنجاب أكثر صعوبة من ذي قبل. وكانت صحيفة "إيران" قد نشرت، في وقت سابق، مقالا للمحلل السياسي، عباس عبدي، بعنوان "كورونا ومستقبل أعداد السكان"، كتب فيه: "إن فيروس كورونا ترك تأثيرًا سلبيًا على النمو السكاني من جهتين، وهما: الإنجاب وحالات الوفاة".
وتابع: "بعد انتهاء فيروس كورونا، ستنخفض عملية الإنجاب أكثر فأكثر. وقد ترتفع في العام الحالي حالات الإجهاض لأسباب مختلفة، منها الخوف من الذهاب إلى المستشفيات، كما سينخفض الدافع للإنجاب، وقد تظهر نتائج هذه القضية على الأرجح عام 2021".