خفايا العفو الشامل عن السجناء في إيران
كالعادة، وكما في الأعوام السابقة، صدرت أحكام عفو لعدد من المدانين في المحاكم العامة والثورية والقضاء العسكري، ومداني التعزيرات الحكومية، بناءً على طلب من رئيس السلطة القضائية وموافقة المرشد الأعلی في إیران، علي خامنئي.
(أ): تبخر التكهنات المتفائلة
كان رئيس السلطة القضائية، صادق آملي لاريجاني، قد أعلن، في وقت سابق، عن إصدار عفو شامل بمناسبة الذكرى الأربعين لانتصار الثورة، وأشار إلى أن معايير العفو ستكون أوسع.
مع هذه التصريحات، وتوقع بعض المتفائلين بأنه نظرًا لتزايد التوتر في العلاقات الأميركية الإيرانية وتضييق حلقة العقوبات، يمكن للنظام أن يعتمد استراتيجية أكثر انفتاحًا، ليعزز من مستوى الوحدة الوطنية ضد الضغوط الخارجية المتزايدة.
وکان من المتوقع- علی أعتاب الذکری الأربعین لانتصار الثورة- أن يشمل هذا العفو، أيضًا، المدانين بتهم سياسية وأمنية، لكن بعد تصريحات مدعي عام طهران، جعفري دولت آبادي، عندما أعلن أن هذا العفو لن يشمل السجناء السياسيين، وأيضًا بإعلانه معايير العفو الشامل، تبين من ذلك ليس فقط عدم تغير معايير العفو، بل إن مجموعة كبيرة من المدانين الذين كانوا قد قضوا جزءًا كبيرًا من مدة محكوميتهم والذين يشملهم تخفيف العقوبة وتقليل مدة محكوميتهم، يشترط استرضاء أصحاب الشكوى، لكي يستفيدوا من هذا العفو. وهذا الشرط شمل أيضًا المدانين المحكوم عليهم بمدد سجن تزيد على 20 عامًا.
إضافة على ذلك، فإن الأخبار المرتبطة بممارسة الضغوطات الجديدة بحق السجناء السياسيين في سجن قرتشك وأيضًا سجينات جناح صوفي، كشفت أن هذا العفو الشامل جاء لأهداف غير سياسية وأن له أسبابًا أخرى.
(ب): الأبعاد الاقتصادية للعفو عن السجناء غير السياسيين
قال رئيس السلطة القضائية إن العفو وتخفيف العقوبة شمل جميع المدانين، بسبب الرأفة الإسلامية، ولكن محللين يقولون إن هذا العفو الواسع ليس بسبب رأفة النظام الإيراني، وإنما بسبب عدم قدرة السلطة على تمويل التكاليف الحالية للسجون والصعوبات الاقتصادية الكبيرة التي تواجهها.
واعتبر المنتقدون أن إصدار أحكام العفو- تقريبًا لجميع المدانين بالسجن المؤبد والمحكومين بمدد سجن تزيد على العشرين عامًا، بشرط استرضاء الشاكين- جاء بسبب ازدحام السجون، وأكدوا أن هذا الإجراء سيقلل من نفقات السلطة القضائية.
ووفقًا لبعض التقارير، فإن تكلفة كل سجين تبلغ 120 ألف تومان في اليوم الواحد، وستكون التكلفة أكثر من 40 مليون تومان للسنة الواحدة.. ونظرًا لوجود عدد كبير من السجناء في البلاد، فإن ذلك يتطلب إمكانات اقتصادية عالية، وبالطبع هذا خارج عن طاقة السلطة القضائية الإيرانية.
ويقول الخبراء إن القضاء يحاول تعويض جزء من هذا النقص في التمويل، من خلال الزیادة المرتفعة في مبالغ الكفالة الخاصة بالمعتقلين السياسيين والأمنيين، وكانت كثير من الحسابات البنکیة المتعلقة بالسلطة القضائية وإيداعاتها الهائلة في البنوك، واحدة من التحديات التي واجهتها هذه المؤسسة في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فإن التكاليف الحالية للسلطة القضائية عالية جدًا، بحيث يبدو أن هذه الترتيبات أيضًا ليست قادرة على التغلب على الصعوبات الاقتصادية لهذه السلطة. كما أن ترتيبات بعض القضاة في إصدار أحكام بديلة للحد من الدخول إلى السجون أيضًا، ليست قادرة على تقليل العبء المالي عن السجون.
ويقول بعض المنتقدين إن سجون إيران يجب أن يكون لديها دائمًا مساحة كافية لاستیعاب متهمين أمنيين وسياسيين جدد، وبالفعل جزء من العفو یمنح لتفريغ السجون من أجل دخول متهمين أمنیین وسياسيين جدد. وفي هذه الأثناء، کان مدعي عام طهران، جعفري دولت آبادي، قد أعلن، في وقت سابق، أن هذا العفو الشامل يهدف إلى تقليص عدد نزلاء السجون.
يأتي هذا في حين أن منظمة العفو الدولية وصفت عام 2018 للحكومة الإيرانية بأنه "عام العار"، مشيرة إلى 7000 حالة اعتقال في عام 2018، كما أدانت القمع الواسع واعتقالات المحتجين في إيران.
استنتاج
أظهر العفو الشامل للسجناء هذه المرة أیضًا، أنه کان لأسباب اقتصادية، ولم تكن هناك نوایا لإطلاق سراح السجناء السياسيين. كان النظام الإیراني دائمًا یخشی من العفو عن السجناء السياسيين، ویعتقد أن ذلك سیقلل من ردع العقوبات السياسية، وبالتالي تدفع المعارضين السياسيين لأن يعلنوا عن آرائهم بشجاعة أكثر.
بالإضافة إلى ذلك، ستفقد الحكومة الأدوات التي تملكها لتهميش المعارضين. في حين أن اعتماد القبضة الحديدية ضد المعارضين السياسيين سيجعل الساحة أكثر استقطابًا، وأن تعاني السلطة على المدى البعيد، من التآكل الاستراتيجي في هيكل مؤسسات السلطة.