روح الله زم.. ابن الثورة الذي أصبح أكبر أعدائها
تصدّر اعتقال روح الله زم أخبار وسائل الإعلام الفارسية، في الداخل والخارج، ونال اهتمام حتى بعض وسائل الإعلام غير الفارسية.
وفي إيران، هنأ بعض المسؤولين العسكريين والمدنیین، مثل اللواء باقري، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة، وإبراهيم رئیسي، رئيس السلطة القضائية، وبعض النواب؛ هنأوا الحرس الثوري على اعتقال روح الله زم. وبذلك تصوروا أنهم تمکنوا من "صید ملكي". ولكن، من كان هذا الصید الملكي؟ وهل تتحسن الأوضاع بإزالته؟
أنا روح الله.. ابن الثورة
کان، وما زال، لدی الثورة الإسلامية خصوم من أطیاف مختلفة. اليوم، إذا نظرنا إلى الوجوه الشهيرة لخصوم جمهورية إيران الإسلامية، سنرى الشیخوخة قد ظهرت بوضوح علی شعرهم الأبيض، وعلى وجوههم التي مر عليها الزمن..
هل روح الله زم من بين هؤلاء؟
إذا کان زم من الجيل الشاب "المعارض للثورة، والمطالب بإسقاط النظام"، فما هو السؤال المحير الذي يثيره مصيره اليوم وماضيه بالأمس؟
ولد روح الله زم أثناء الثورة. ويمكننا القول إنه أحد "أبناء رجال النظام"، أو ابن أحد "معممي" النظام.
قبل إطلاق قناة "آمد نیوز"، ظهر اسم روح الله زم بسبب انتسابه إلى أحد "رجال الدين في الدولة"، خاصةً عندما كان يكتب سلسلة رسائل إلى "المرشد المحترم للجمهورية الإسلامية" واحدةً تلو الأخری.
في تلك الرسائل، لا يوجد أي أثر للتخريب والدعوة إلى الفوضى وصنع زجاجات المولوتوف، بل کانت رسائله تتسم بالشفقة.
في إحدى رسائله إلى آية الله علي خامنئي، كتب بلغة أحد أبناء الثورة: "أنا روح الله. ابن ثورة الإمام الخميني... لقد ولدت قبل الثورة بستة أشهر، وشاركت في المظاهرات الجماهيرية التي أدت إلى انتصار الثورة الإسلامية وأنا في القماط. وأثناء مظاهرة 8 سبتمبر (أيلول) 1978.. في مقبرة جنة الزهراء بطهران، خبأتني عائلتي في أحد القبور، هربًا من جنود جيش البهلوي، وأخرجوني من القبر بعد أن غادر الناس المقبرة".
وكتب في مقطع آخر: "أنا ابن رجل دین، وغالبًا ما كنا، أنا وأبي، نزورك في بیتك، علی الصعيدين العام والخاص، وكنا نحلّ ضيوفًا في بیتك.. وطالما شارکنا في مراسم العزاء في بیتك وأصغینا إلى مراثي الحاج منصور أرضي".
وفي جزء آخر من رسائله، تذكر قصة مرافقته لوالده أثناء اجتماع مع المرشد، "بعد العشاء، أحضر خدامك الشاي إلى جمیع الحضور.. قررت أن آخذ وقتي في تناول الشاي. بمجرد أن انتهیتَ من شرب الشاي هممتَ بالنهوض، لكن فجأة وقعت عيناك على فنجان الشاي أمامي.. قلت لي: (لن أغادر إذا لم تشرب شايك).. ولأن السيد محسن رضائي كان بجانبي، ضربني بمرفقه وقال (لا تأخذ وقت السید، احتسِ شایك بسرعة).. احتسیت الشاي الساخن وسكبت نصفه على قميصي وسروالي.. واحترق جسمي من الأعلى إلى الأسفل، وأنت قلت، مبتسمًا، للشخص الذي بجانبك: (ماذا یصبح هذا الطفل عندما یکبر)".
وکتب روح الله زم بعدها: "لقد كبرت الآن، مع طوفان كبير من الدموع والتنهدات في حلقي..".
ماذا كانت صرخات روح الله زم المتجمدة؟ لقد رأى ابن محسن رضائي (أحمد رضائي) قد طلب اللجوء في الولايات المتحدة، عام 1998، وكشف عن الکثیر من الأسرار، وغیّر اسمه وحصل على جواز سفر أميركي.
وقال أيضًا: "کنتُ أتردد إلی بیتك منذ الطفولة ولعبت مع أبو ذر نوري زاد، وفي منزل السيد جنتي کانت لي ذکریات مع حفيده الراحل، محسن، ودرست في المدرسة الثانویة لقریبك، حداد عادل، وكنت زميلًا لمحمد روحاني، النجل الراحل للدكتور حسن روحاني".
من خلال الرموز التي أشار إليها روح الله زم في قرابته من مسؤولي الدولة، کان يمكنه، مثل أبناء المسؤولین الآخرين، أن يكون شخصًا مرفهًا. لكن لماذا ابتعد روح الله عن التیار الحاکم في جمهورية إيران الإسلامية، وعن آية الله خامنئي نفسه؟
انتخابات 2009
بعد أحداث عام 2009، واجهت جمهورية إيران الإسلامية تحديًا كبيرًا لم ينته بعد. في تلك السنة، اختار ملايين الأشخاص، مثل روح الله زم، "التصويت" کوسیلة لتغيير مسار البلد، وليس الإطاحة به.. إن التحدي الذي يواجه الاقتصاد المُدمَر اليوم هو نتاج ما أطلق عليه أحمدي نجاد ذات يوم: "القرارات هي قصاصات أوراق".
عندما سُرقت أصوات المواطنين، كان رد النظام هو القمع فقط. کانت صرخة روح الله زم، الذي قُبض عليه وتعرض للتعذيب أثناء أحداث عام 2009، هي نتيجة هذه الأحداث.
وقد کتب في جزء من رسالته إلى آية الله علي خامنئي، عام 2013: "ربما تكون قد حرمتَ ولا زلت محرومًا من معرفة رؤية معظم السجناء السياسيين في سجونك، ومن معرفة وحش أحمدي نجاد".
"آمد نیوز"، من نشر المعلومات إلى التخريب
عند مغادرته السجن، ضاقت علیه سبل العیش، فسافر إلى الخارج، وکان قد حصل علی بعض "المعلومات السرية"، بسبب صلاته بالمسؤولين الحكوميين.
في مقطع من رسالته، كتب قائلاً: "أطرح علیکم أسئلة عظیمة، وأتطلع، یائسًا، إلی إجاباتکم".. لذلك كان في البداية "محققًا"، وليس زعیم معارضة، التهمة التي يواجهها اليوم.
وفي زوايا رسائله، کان يناقش "الأيام الصعبة في السجن"، و"التعذيب المتعدد"، مع "القائد المحترم".
ولكن ماذا حدث حتى یثیر اعتقال "ابن الثورة" موجة من الفرح لدی بعض المسؤولين الحكوميين؟
في البداية، كان لدى روح الله زم "أسرار غیر محکیة" عن کبار المسؤولین في النظام. كان من المثير للاهتمام أن يتحدث أحد أبناء المسؤولین. وقد وجد هناك الكثير من الآذان التي تصغي لأسراره. فأطلق قناة "آمد نیوز" لنشر الأخبار على "التلغرام". لكن المشكلة كانت أنه لم یکن صحافیًا محترفًا. ولم يتعلم هذه المهنة.
كانت أخباره الموثقة، مثل: الحسابات المصرفیة لصادق لاريجاني التي بلغت 63 حسابًا، أو الاعتداء الجنسي لقارئ القرآن على الأطفال، كانت متأصلة في الواقع، لكن تدریجیًا، أصبح من هم داخل النظام، من كل فصيل، مصدرًا لأخباره، إلى أن أصبح اسم "آمد نیوز" علی کل لسان.
حولت قناته علی "التلغرام"، والتي یتابعها أكثر من 1.5 مليون متابع، حولت ناقد الأمس إلى "مخرب". لكن واقع الحال أن المجتمع المحبط من مؤسسة الإذاعة والتلفزیون، والتي هي مصنع للأكاذيب، أخذ یروي ظمأه من عشرات وسائل الإعلام، بما في ذلك "آمد نیوز".
نجاح "آمد نیوز" جعلها في البداية مصدرًا خبریًا مهمًا لوسائل الإعلام الفارسية في الخارج. ولم يكن هذا نجاحًا بسيطًا. ومع ذلك، لم يمض وقت حتی غیرت "آمد نیوز" طبیعتها إلی "وسیلة إعلام صفراء".
ومن المعروف أن وسائل الإعلام الصفراء هي وسائط تنتهك المبادئ المهنية والأخلاقية للصحافة. كما أن أدبیات مثل هذه الوسائط في بعض الأحيان سخيفة وأحيانًا مهينة.
بكل بساطة، أصبحت "آمد نیوز" مثل "کیهان" شريعتمداري، وتورط فیها روح الله زم بسبب عطشه لجذب الجمهور. لم يسأل نفسه: لماذا لم تعد وسائل الإعلام الفارسية، في الخارج، تذکره کمصدر لأخبارها.
لم یطلق زم أعمال الشغب الضخمة التي اندلعت في مائة مدينة في يناير (كانون الثاني) 2018. ولكن اختناق الأخبار داخل البلاد، جعل وسیلته الإعلامیة (آمد نيوز) تصل إلى جمهور كبير، حتى أعرب عن أمله في إطلاق تلفزیون "آمد نیوز".
تدريجيًا، تحولت "آمد نیوز" من وسیلة إعلامیة مهنیة إلی مصدر خبري تستخدمه الفصائل داخل النظام للتسریبات ضد بعضها البعض. ولذلك کتب أحد المتحدثين باسم الحكومة في تغریدة له: "لا ینبغي أن یسمح رئيس القضاء الموقر بإخفاء اعترافات روح الله زم وأن تذهب هذه الاعترافات ضحية للتواطؤات السياسية. إنه ليس أكثر من عمیل حقیر. بالنسبة لنا نحن المواطنين، الأهم من (آمد نیوز) نفسها هو تحديد داعمیها ومصمميها. وجهوا ضربة قاصمة إلیهم حتی لایجرؤ أحد علی الخیانة".
من هذا الحدیث، يصبح من الواضح أن روح الله زم وقع ضحية للتسریبات الداخلیة، وبالطبع نما إحساسه بـ"القيادة الذاتية" بشكل كبير، وربما خُدع من قبل أجهزة أجنبية.
ماذا سيحدث لزم؟
ما المصير الذي ينتظر روح الله زم في نظام استقبل العالم النووي شهرام أميري بالورود، ثم سلمه إلی حبل المشنقة؟
مهما كانت الإجابة، يبقى سؤال مهم لجمهورية إيران الإسلامية، وهو: لماذا وكيف أصبح ابن الثورة زعیمًا للمعارضة؟ هل كان روح الله زم مجرد شخص، أم أنه نتاج نظام يحوّل الناقد إلى متظاهر، والمتظاهر إلى معارض، والمعارض إلى مطالب بالإطاحة؟