ملف إيران وانتخاب ترامب 2020
في أعقاب هجوم إيران على ناقلات النفط في الخليج، وإسقاط الطائرة الأميركية المسیرة، ومهاجمة حقول نفط أرامكو، يواجه ترامب وشركاؤه قرارًا صعبًا: العمل العسكري المحدود ضد المنشآت النفطية والعسكرية الإيرانية (مثل عهد ريغان)، حتی لا یجرؤ قادة الحرس الثوري وعلي خامنئي على اتخاذ مثل هذه الإجراءات ضد الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين؛ أم عدم الرد، حالیًا، علی الإجراءات الإیرانیة، لتجنب حرب أخرى، وإجراء انتخابات 2020 دون أحداث غير متوقعة، وبالطبع في هذه الظروف، ستواصل جمهورية إيران الإسلامية تأجیج النیران في المنطقة.
الأساس المنطقي لخصوم ترامب، وحلفاء طهران في الولايات المتحدة، اليوم، هو أنه من أجل عدم الانخراط في حرب أخرى، يجب أولاً تحمیل إدارة ترامب، التي أبدت ضبط النفس، مسؤولیة تصاعد التوترات في المنطقة، ومن ثم، كما في فترة أوباما، ترك المنطقة علی حالها لتواصل إیران توسعها، ولکي تبتلع داعش کلا البلدین، وتستمر طالبان في القتل، ومن ثم سيتم استعادة التوازن في المنطقة.
النتائج
أي من هذه السياسات ستكون لها عواقب واضحة. ولا يمكن النظر في خيارات العلاج المناسبة دون أخذ هذه العواقب بعين الاعتبار.
السياسة الأولى: العمل العسكري المحدود
العمل العسكري المحدود يعني الهجمات على بعض المصافي والحرس الثوري والمنشآت النفطية في الخليج الفارسي. ويمكن أن يكون لهذا الإجراء العواقب التالية:
1) تورط الولايات المتحدة في حرب عبثیة أخرى في منطقة مثل العراق وأفغانستان، إذا ما قامت إيران بعمل مماثل، وهو أمر من غير الواضح حدوثه، حيث تركز دعاية جمهورية إيران الإسلامية على هذه النتيجة (بإعلان حرب شاملة أو "إذا بدأتم الحرب فلن تنهوها")، حيث يقوم فريق ظريف بتنسيق رسائله مع وسائل الإعلام الأميركية المناهضة لترامب.
2) تورط الولايات المتحدة في الدفاع عن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والذي لا یدخل في نطاق الأمن القومي الأميركي؛ حيث إن اليساريين الذين يعارضون الحكومة السعودية ویتفقون مع إيران يروجون لهذا الرأي.
3) تحذیر الحكومات التي تهدد الاقتصاد العالمي (قطاع الطاقة) من أن إجراءاتهم لن تمر دون عقاب. هذه هي وجهة نظر أولئك الذين يرون أن الانكماش المحتمل في الاقتصاد العالمي يثير القلق.
4) بسبب معارضة الرأي العام الأميركي للحرب، فإن توجيه ضربة عسكرية محدودة قد يضر بإعادة انتخاب ترامب. ومن المرجح أن ينظر المقربون من ترامب في دعوته إلى ضبط النفس، إلی هذا الأمر، حيث تستغل إيران هذا الخوف وتواصل هجماتها العسكرية.
بعض الجمهوريين والديمقراطيين يؤمنون بالنتیجة الأولی. وهناك مجموعة أوسع تبنت النتيجة الثانية، بغض النظر عن التوجهات السياسية. والنتيجة الثالثة یؤمن بها الجمهوریون في الغالب. أما المقربون من ترامب، فیفکرون في النتيجة الرابعة، حيث یستشهدون بالنتیجة الأولی والثانیة لعدم التدخل.
السياسة الثانية: التقاعس عن الاعتداءات والهجمات المحدودة للنظام الإيراني
وتتضمن هذه السياسة الآثار الثلاثة التالية:
1) "لا تعتمدوا على الولايات المتحدة الأميركية". هذه رسالة الجمهوریة الإسلامیة إلی ناقلات النفط والمنشآت النفطیة للدول العربیة في المنطقة. أيضًا، إذا استمرت هذه الهجمات، دون رد مناسب، فستكون هذه إحدى نتائج هجمات إيران في المنطقة.
2) بث فکرة عدم جدوی الوجود العسکري الأميرکي في المنطقة، حيث يحتوي الهجوم على منشأة أرامكو على رسالة مفادها أن الولايات المتحدة قد فشلت في منع الهجوم على منشأة أرامكو، على الرغم من بيع معدات بعشرات المليارات من الدولارات إلى المملكة العربية السعودية، لذلك فمن الأفضل للولايات المتحدة أن تغادر المنطقة، وهذا هو مطلب إيران.
3) بث رسالة مفادها أن العقوبات لم تكن فعالة، ولم تؤد إلى احتواء الجمهورية الإسلامية؛ وأن ضغط العقوبات سيؤدي بإيران إلی خلق المزید من التوترات في المنطقة، وهي رسالة يواصل الديمقراطيون بثها في الولايات المتحدة، بصرف النظر عن أن العقوبات أخذت تضعف قوة النظام تدریجیًا وتقلل من مخاطر المستقبل.
الخیارات
من المثير للاهتمام أنه، استنادًا إلى النتائج المذكورة أعلاه، توصلت كلتا المجموعتين السياسيتين الأميركيتين إلى استراتيجية: الردع، وليس الحرب الشاملة.
وفي الوقت الحالي، يعتبر الخيار الوحيد القابل للتطبيق بالنسبة للمجتمع الدولي وإدارة ترامب والأحزاب السياسية الأميركية والمجتمع الأميركي هو الردع. لكن الردع يمكن تحقيقه من خلال مسارين متبادلين.
1) الجهود الأميركية لبناء تحالف لأمن الملاحة الدولية في الخليج، وبحر عمان، وإرسال قوات إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ورغم أن كثيرًا من الدول تؤيد الردع، فإنها لم تنضم بعد إلى التحالف، حيث فشلت هذه التدابير حتى الآن في الحد من احتمال نشوب صراع عسكري محدود أو واسع النطاق.
2) من ناحية أخرى، في التاريخ المتوتر لجمهورية إيران الإسلامية في المنطقة، لدينا هجمات إدارة ريغان ضد المنشآت البحرية الإيرانية والسفن، في عام 1988، والتي قيدت الجمهورية الإسلامية في المنطقة لمدة عقدين، حتى تولی أوباما وجون كيري زمام الحکم في أميركا. لذلك، تقترح مجموعة أخرى من المؤمنين بالردع، طرقًا بديلة لإرسال رسالة إلى إيران، إذ إنهم یعتقدون أنهم في حال القیام بمثل هذه الإجراءات، فإن النظام (وليس الشعب الإيراني) سيدفع ثمنًا باهظًا.
وفي التاريخ الأميركي المعاصر، كانت هناك حالات من هذه التكاليف الباهظة، تتراوح بين الهجوم على قصر القذافي ومواقع القاعدة في أفغانستان (خلال رئاسة بيل كلينتون) إلى اغتيال الإرهابي الدولي (بن لادن، خلال رئاسة ديمقراطي آخر، هو باراك أوباما).
الفترة الثانية من رئاسة ترامب واليد المفتوحة للهجوم
حتى نهاية فترة ولاية ترامب الأولى، هناك فرصة ضئيلة لضربة عسكرية، لكن ترامب قال في تغریداته ومقابلاته الصحافية شيئين: عدم التسرع في الرد، وعملية توفير التسهيلات العسكرية لوزارة الدفاع على مدار العامين الماضيين. يتم ذلك عن طريق زيادة التمويل العسكري.
بعد انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، لن تكون هناك عقبة أخرى أمام المواجهة العسكرية لترامب مع إيران. فإذا فاز ترامب بالانتخابات المقبلة، سيكون الديمقراطيون في حالة صدمة لمدة عامين على الأقل، لأنهم لن يتمكنوا هذه المرة من سرد قصة المساعدات الروسية وسيتعين عليهم قبول نتائج التصویت وهزيمتهم.
في ظل هذه الظروف، فإن يد ترامب- الذي لن يكون وقتها أمام استجواب أو انتخابات أخری- ستکون مفتوحة لمهاجمة منشآت إيران، مثلما فعل ريغان في السنة الأخيرة من رئاسته، حیث قام بسهولة بعمل عسكري ضد إيران.
إن المسؤولين في الجمهورية الإسلامية غارقون في شغفهم بضرب الولايات المتحدة وتوسيع نفوذهم في المنطقة، بحيث من غير المرجح أن يتمکنوا من ضبط النفس. لذلك، ستكون يد ترامب مفتوحة للهجوم دون إنزال حتی قوة واحدة في إيران، وتعطيل الآلة العسكرية للنظام.
ظريف وفريقه ولوبيه يعرفون ذلك، وبالتالي، فإنهم، بالتعاون مع الديمقراطيين، لا يقصرون في اتخاذ أي خطوات لتقليل فرص إعادة انتخاب ترامب. وهم بالطبع، يتجاهلون المخاطر الطويلة الأجل لأعمالهم الحالیة. واليوم يعمل الإسلامیون من شبکات "الجریرة"، إلى "برس تي وي"، والیساریون من "الغاردیان"، و"نيويورك تايمز"، إلى مجلس العلاقات الخارجية، والمجلس الأطلسي، یعملون بانسجام لهزيمة ترامب.
إنهم یختلقون باستمرار فضائح إخبارية لتسهیل عملية عزل ترامب (مثل قصة توصية ترامب للرئيس الأوكراني بالتحقيق في صفقات ابن بايدن، والتي أضرت في النهاية ببايدن أكثر من ترامب).
بطبيعة الحال، مع سقوط بايدن وساندرز، فإن إليزابيث وارين هي التي ستنافس ترامب وبالتالي ستضمن فوزه، لأن وارن لديها تاريخ من الكذب، ومن أجل الحصول على منصب أكاديمي، ادعت أن عرقها يصل إلى الأميركيين الأصليين، ولهذا السبب ستخسر أصوات الناخبين من الطبقة الوسطى.
وارن أيضًا لیست سياسية ذات شعبية، حتى لو أخذت صور سيلفي مع مئات الآلاف من الأشخاص.
في الأشهر القليلة الماضية، أخذت وارن تکسب أصوات بيرني ساندرز (الجناح الاشتراكي في الحزب الديمقراطي) من خلال إطلاق شعارات طوباویة، لذلك فإن سياسة إيران في تأجیج نیران الصراع لیس أمامها إلا عام واحد.