نظرة حول قرار محكمة لاهاي "لصالح إيران"
في العامين الماضيين، رفعت جمهورية إيران الإسلامية دعوى قضائية ضد الولايات المتحدة في محكمة العدل الدولية في لاهاي، مرتين.
الشكوى الإيرانية الأولى، مضى عليها عامان وهي بخصوص ملياري دولار من أصول إيرانية حظرتهما الولايات المتحدة. ورغم أنها لم تسفر عن شيء، فإن محكمة العدل الدولية أصدرت رأيها، في جلستها الأخيرة، بشأن الشكوى الثانية حول انتهاك الولايات المتحدة الأميركية لمعاهدة الصداقة الأميركية الإيرانية، الموقعة عام 1955، بسبب التنفيذ الأحادي للعقوبات الاقتصادية ضد إيران، حيث أدانت محكمة العدل الدولية حكومة الولايات المتحدة لانتهاكها الالتزامات والقوانين الدولية.
ومع ذلك، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: إلى أي مدى يمكن أن نتوقع من الولايات المتحدة الالتزام بقرارات المحکمة؟ أو بعبارة أخرى: هل تتمتع محكمة لاهاي بسلطة تنفيذ حكمها وممارسة الضغط على الولايات المتحدة؟
وفقًا للنظام الأساسي وآلية تنفيذ أحكام محكمة العدل في لاهاي، فلن تكون الأحكام ملزمة للطرفين، إلا إذا قبل الطرفان بالولاية القضائية الإلزامية لمحكمة العدل الدولية؛ وإلا سينتفي ضمان تنفيذ هذه "الآراء".
من هذا المنظور، يمكن تأمل تصويت محكمة لاهاي مؤخرًا، لصالح إيران، للوهلة الأولى، حيث لم تعترف أي من حكومات إيران والولايات المتحدة بالولاية القضائية الإلزامية لمحكمة لاهاي. وبالإضافة إلى ذلك، من الضروري أن يتفق الطرفان، في إصدار وتنفيذ قرار تسوية نزاع لاهاي، على إحالة الشكوى إلى المحكمة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بين إيران والولايات المتحدة، في هذا الصدد.
لكن النقطة اللافتة للنظر، أنه وفقًا للنظام الأساسي (المادة 38) وللسوابق القضائية في محکمة لاهاي، إذا كان أساس الشكوى المقدمة في المحكمة، معاهدة ثنائية أو متعددة الأطراف، مثل معاهدة الصداقة عام 1955، واتفاق أطراف المعاهدة على أن تكون محكمة لاهاي هي المختصة بحل الخلافات الناتجة عن تفسير المعاهدة أو تنفيذها، في هذه الحالة فقط يمكن لمحكمة لاهاي البت في هذه الشكوى، وتكون المعاهدة وقتها هي مصدر الاختصاص القضائي للمحكمة.
ووفقًا للنظام الأساسي في لاهاي، يتعين على أطراف الشكوى المقدمة للمحكمة الامتثال لقراراتها. ويقتضي شرط تسوية نزاع لاهاي أن يتعهد كل عضو من أعضاء الأمم المتحدة بالامتثال لقرارات المحكمة دون أي تحفظات، عندما يصبحون طرفًا في نزاع يقدم في المحکمة.
بالإضافة إلى ذلك، يعد كل حکم من أحکام المحكمة (ما عدا أحکام المشاورة) قرارًا حاسمًا وغير انتقائي، ومحكمة لاهاي نفسها هي وحدها التي تملك سلطة تفسير تلك الأحکام.
ولكن عندما يتعلق الأمر بضمان تنفيذ قرار تسوية نزاع لاهاي، فهذا يعني أنه إذا كان الطرف المحكوم عليه (الولايات المتحدة، في الحكم الأخير الصادر في لاهاي) لا ينفذ قرار المحكمة، فما هي آليات إقناعه بالتنفيذ؟
وفقًا لقواعد وإجراءات محكمة العدل الدولية، إذا امتنع الطرف المحكوم عليه (الولايات المتحدة في التصويت النهائي) عن تنفيذ الحكم، يحق للطرف الآخر (إيران، في الحكم الأخير للمحكمة) إحالة الشكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وفق الفقرة (2) من المادة (94) من ميثاق الأمم المتحدة، وبعد النظر في المسألة، يقدم المجلس توصيات، إذا رأى ذلك ضروريًا، لتنفيذ حكم المحكمة، أو يتخذ قرارات محددة بشأن هذه المسألة. ولذلك، فإن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة هو المؤسسة الوحيدة التي تؤدي دور الجهة التنفيذية للمحكمة، والتي يمكنها إدانة الولايات المتحدة لتنفيذ أمر المحكمة.
لكن المشكلة تنشأ عندما يكون أحد أطراف النزاع عضوًا دائمًا في مجلس الأمن، وله الحق في الاعتراض على قرارات المجلس. وفي هذا الصدد، وبالنظر إلى النهج التاريخي للولايات المتحدة تجاه مطالبات المحكمة (مطالبات نيكاراغوا وليبيا)، إذا أحيلت قضية إيران إلى مجلس الأمن، فسوف تواجه الفيتو الأميركي. وهذا نابع من التأثير الكبير للسياسة الدولية على القانون الدولي، الذي كان دائمًا حاجزًا أمام تقدم القانون الدولي، وحال دون التنفيذ الكامل للالتزامات الدولية، باعتبار ذلك من أهم ثغرات النظام القانوني الدولي.
يشير النهج المذكور أعلاه إلى المشاكل الأساسية في النظام القانوني الدولي، والذي يحظر استخدام القوة ضد الدول، ولكنه ما زال بلا موقف واضح بشأن الحرب الاقتصادية بين الدول. لذلك، على الرغم من أنه لا يمكن اعتبار حكم المحكمة نجاحًا كبيرًا لإيران، فإن إدانة محكمة العدل الدولية للولايات المتحدة الأميركية، في القضية الأخيرة، من الناحية النفسية، جعلت المجتمع الدولي يدرك مرة أخرى، أن الولايات المتحدة هي التي تصر باستمرار على عدم امتثالها للقواعد والمعاهدات الدولية.
النقطة الثانية هي الأثر الإيجابي لقرار المحكمة على الحسابات السياسية القائمة، بشأن العلاقات التجارية الإيرانية، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي. بعبارة أخرى، سوف يتم الترحيب بإصدار حكم لصالح إيران من قبل الدول والشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران، وستعزز موقفها ضد سياسات حكومة ترامب.
لكن في نظرة عامة، ووفقًا لطلبات إيران من محكمة العدل الدولية، ورغم ما توصلت إليه المحكمة من أن الولايات المتحدة لم تعالج المخاوف المتعلقة بتأثير العقوبات الاقتصادية على احتياجات الأدوية، والأجهزة الطبية، والمواد الغذائية، والطائرات وقطع غيارها، وبصفة عامة الظروف الإنسانية وسلامة المواطنين الإيرانيين، لكن من الواضح أن المحكمة حاولت اتخاذ موقف محدود، لتوجيه العملية السياسية القانونية بأفضل طريقة ممكنة، من خلال منح إيران نصرًا رمزيًا، رغم أن الكثير من المشاكل الناتجة عن العقوبات الاقتصادية الأميركية لا تزال قائمة، كما أن المحكمة ظلت بلا إجابة بشأن القضايا الرئيسية المتعلقة بالعقوبات الاقتصادية، وضرورة امتناع الولايات المتحدة عن حظر الانخراط في أنشطة اقتصادية مع إيران والشركات الإيرانية والرعايا الإيرانيين.