السيولة في إيران تقترب من 5 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي
تجاوز حجم السيولة في الاقتصاد الإيراني، مجموع قيمة الناتج المحلي الإجمالي في أكتوبر (تشرين الأول) 2017.
ومنذ ذلك الخريف، قبل عامين، نمت السيولة بشكل مستمر بنسبة 25-30 في المائة، بينما شهد الناتج المحلي الإجمالي لإيران تراجعًا تحت تأثير العقوبات وأسباب أخرى داخلية، كما شهد تغييرات حادة، لدرجة أنه بحلول نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اتسعت الفجوة بين السيولة في إيران والناتج المحلي الإجمالي لدرجة كبيرة جدًا، بحيث أصبحت السيولة أكثر من 4.5 ضعف الناتج المحلي الإجمالي.
زيادة مستمرة بمعدل أكثر من 25 في المائة
بلغ حجم السيولة، وفقًا لبنك إيران المركزي، في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، 2260 ألف مليار تومان، أي بزيادة قدرها 20.2 في المائة، مقارنة بالسيولة في نهاية مارس (آذار) من نفس العام.
بمعنى آخر خلال المدة الفاصلة بين أبريل (نيسان) 2019، ونهاية العام نفسه، ارتفع حجم السيولة في الاقتصاد الإيراني. يوميًا بمقدار 1.376 مليار تومان. أيّ زيادة السيولة في التسعة أشهر بنسبة 28.8 في المائة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
وتوضح التغيرات في الناتج المحلي الإجمالي لإيران في نفس الفترة، وفق تقرير مركز الإحصاء الإيراني، أن الاقتصاد الإيراني تقلص في الأشهر التسعة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي بشكل سلبي قدره 7.6 في المائة.
كما بلغ إجمالي الناتج المحلي لإيران في نهاية الأشهر التسعة الأخيرة من العام الماضي 500 ألف مليار تومان، أي أقل من ربع حجم السيولة، مما يعكس توسع الفجوة بين السيولة والناتج المحلي الإجمالي وتضخمها يومًا بعد يوم.
مع الإعلان عن معدل نمو السيولة، في منشور له على "إنستغرام"، سعی رئيس البنك المركزي، عبد الناصر همتي، إلى تخفيف التأثير النفسي لارتفاع معدل السيولة، قائلاً إن معدل النمو النقدي المسجل في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كان "أعلى قليلاً" من متوسط تغیر هذا المؤشر خلال 50 سنة.
ويُعتبر نمو السيولة الكبير، إلى جانب استقرار أو انخفاض مستوی الإنتاج، هو السبب الرئيسي للتضخم في الاقتصاد الإيراني هذه الأيام.
وعلى الرغم من أن التضخم كان معتدلاً منذ الشتاء الماضي، وتذبذبه في نطاقات منخفضة، إلا أن معدلات نمو السيولة المرتفعة، والعجز المتزايد في ميزانية الحكومة، والنمو المستمر للديون الحكومية للقطاع المصرفي، أعاد توجیه مجال تذبذب هذا المؤشر الاقتصادي إلى مجالات أعلى.
وفي الواقع، بصرف النظر عن زيادة السيولة على الناتج المحلي الإجمالي، فإن هناك فرقًا حادًا في معدلات النمو لهذين المؤشرين الاقتصاديين.
ويبلغ متوسط معدل نمو السيولة على المدى الطويل في الاقتصاد الإيراني 25 في المائة، في حين أن معدل النمو الاقتصادي طويل الأجل قد تذبذب نحو 5 في المائة، مما يشير إلى أن التضخم في الاقتصاد الإيراني مزمن.
في تقرير حديث للبنك المركزي الإيراني، کان أحد المتغيرات النقدية والمصرفية هو تخفيض ديون البنوك للبنك المركزي. كان هذا المتغير، في السابق، عاملاً رئيسيًا في نمو السيولة، وأساس التضخم في الاقتصاد الإيراني، لكن التغير الصافي في الأصول الأجنبية للبنك المركزي يعتبر محركًا رئيسيًا لنمو السيولة، مما قد يكون علامة على الاقتراض الحكومي من البنك المركزي وطباعة الأموال، بدعم تسليم هذه الأصول من العملة الأجنبیة إلى البنك المركزي.
السبب الآخر لارتفاع صافي الأصول الأجنبية للبنك المركزي هو إعادة تقييم هذه الأصول والفرق في سعر الصرف الذي أدى إلى نمو هذا المتغير في العملة.
في الوقت نفسه، هناك سمة أخرى لنمو السيولة خلال هذه الفترة وهي زيادة حصة الأموال في إجمالي السيولة، فإذا كان النمو شبه النقدي يعني أن الودائع المصرفية طويلة الأجل كان لها نصيب متزايد من التضخم، فإن حصة الأموال في محفظة النقد الإيرانية وصلت إلى أكثر من 16 في المائة، وهو رقم غير مسبوق.
إن زيادة حصة البنوك من النقود والودائع الجارية للسيولة، بما في ذلك النقود وشبه النقود، تبين أن التدفق النقدي والسيولة قد زادا، وستزداد هذه الوتیرة، الأمر الذي قد تكون له آثار سلبية على توازن السوق.
كما أن سهولة تحويل الأموال من سوق الأسهم إلى الأسواق الموازية، والعكس بالعكس، والتي يتم تغييرها عن طريق تغيير مزيج السيولة لصالح المال، سوف تدق ناقوس الخطر في هذه الأسواق، ويتوقع المرء حدوث ارتفاع أو انخفاض حاد في هذه الأسواق في أي لحظة.
السيولة حاضرة غائبة
ومن جهة أخرى، يأتي تسجيل ارتفاع معدل نمو السيولة، في الوقت الذي ما زالت فيه إحدى مشاكل وحدات الإنتاج تكمن في نقص السيولة!
وقد ذكرت لجنة مراقبة بيئة العمل في تقريرها الذي نشرته في الخريف الماضي، أن النشطاء الاقتصاديين، مثل الفترات السابقة، قالوا إن إحدى المقومات غير الملائمة في بيئة العمل هي "صعوبة توفير الأموال من البنوك".
والتساؤل الذي يطرح نفسه هو: إلى أي من القطاعات الاقتصادية يسير النمو الموجود في السيولة بنسبة 25 إلى 30 في المائة، بحيث يشكو النشطاء الاقتصاديون دائما من عدم وجود أو نقص رأس المال لمشاريعهم الاقتصادية؟
إن أقرب تكهن للإجابة على هذا السؤال هو إنفاق هذه السيولة لتوفير التكاليف الحالية للشركات الاقتصادية. كما أن دفع رواتب العمال وغيرها من التعويضات لا يسمح لهذه الشركات الاقتصادية بالاستثمار الجديد أو تطوير نشاطاتها.
إلى ذلك، يعتبر دور البنوك غير المألوف في زيادة نمو معدل السيولة وعدم كفاءة النظام المصرفي في تجهيز وتمويل المنتجين، من أهم الأسباب التي تساهم في وجود الوضع الراهن والسائد على الاقتصاد الإيراني، من حيث نمو السيولة وعدم تلاؤمه مع آليات العمل.
إن التعريف البسيط للأوضاع الحالية هو أن ارتفاع معدل السيولة في الاقتصاد وتراجع نسبة الإنتاج عن هذا المعدل، من شأنه أن يقوض عملية عرض المنتجات، من جهة، ويتسبب في ارتفاع ضغوط الطلب من جهة أخرى، وبالنهاية تكون النتيجة هي التضخم.