"تبادل السجناء".. غصن زيتون إيراني لا يجد من يشتريه
كان الهدف الرئيسي من مهمة محمد جواد ظريف التي استمرت أسبوعًا في نيويورك، والتي جرت على ما يبدو للمشاركة في مؤتمر "الیوم العالمي للتعددیة والدبلوماسیة للسلام"، هو إطلاق حملة دعاية في وسائل الإعلام بالولايات المتحدة لإظهار حسن نوايا طهران من جهة، ومن جهة أخرى، إظهار الاستعداد من أجل اللجوء إلى "حلول مختلفة" إذا تفاقمت الضغوط السياسية والاقتصادية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهو الهدف الذي- وفقًا للأدلة- بقي بعيدًا عن متناول وزير الخارجية الإيراني.
ظريف، الذي اكتسب خبرات جديدة فيما يتعلق بتأثير الدعاية الإعلامية على السياسات منذ أن استخدم اللوبيات (جماعات الضغط) الإيرانية-الأميركية، أثناء المحادثات النووية مع ما يسمى بمجموعة 5+1، ربما كان يتوقع أن نجاح مبادرته السياسية في نيويورك يمكن، إلى حد ما، أن يعزز موقف وزارة الخارجية الضعيف في عملية صنع القرارات الكبيرة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
منذ الإعلان عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، نوعا ما تم إضعاف دور وزير الخارجية الإيراني ووزارته في عملية صياغة وتنفيذ السياسات الخارجية للجمهورية الإسلامية، لذلك، وبعد عدم دعوته في زيارة بشار الأسد في طهران، وإبعاده من المفاوضات، رأى نفسه مجبرًا على التنحي من الحكومة فاستقال، وعلى ما يبدو، لم يكن ظريف مهتمًا بالقانون “غير المكتوب” الذي يفيد بأنه لا يُسمح في الأنظمة الاستبدادية بتنحي كبار المسؤولين.
فرصة جديدة لدخول المشهد
بعد خطوة الحكومة الأميركية بإدراج اسم الحرس الثوري في قائمة الجماعات الإرهابية، وكذلك عدم تمديد الإعفاءات لعملاء النفط الإيراني، وجد محمد جواد ظريف فرصة جديدة لإثبات قدرته على الدخول في "حرب ناعمة" مع حكومة ترامب؛ فأقنع سلطات الجمهورية الإسلامية بمهمته في نيويورك.
كانت النتيجة المرتقبة من زيارة ظريف إلى نيويورك، هي التأثير على الرأي العام من خلال المقابلات مع شبكات الأخبار الأميركية، وربما توفير فرصة للاتصال بنواب حكومة ترامب.
يبدو أن العلاقات العامة عن طريق الابتسامات واللباقة هي قوة محمد جواد ظريف كدبلوماسي محترف له خبرته، كما أن نيويورك هي مدينته التي يعرفها.
مع هذه الخلفية والصورة الشخصية والعامة، قامت وزارة خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية وممثلية إيران في نيويورك، قبل زيارة كبير الدبلوماسيين الإيرانيين، بالتخطيط لإجراء مقابلات مع شبكات تلفزيونية أميركية، وعلى رأسها مقابلة مع الصحافي كريس والاس، وقناة "فوكس نيوز"، وكذلك برنامج "مواجهة الأمة" (Face the Nation) على قناة "سي بي إس".
كان اختيار "فوكس نيوز" للمقابلة، خيارًا مثيرًا للتساؤل، لكن يبدو أن ظريف قد توصل إلى استنتاج مفاده أنه بالذهاب إلى شبكة "فوكس نيوز" يمكنه أن ينفذ إلى الجزء الخلفي من ساتر الخصم واستهداف قوته، وهي فكرة أدت إلى نتيجة مختلفة في الممارسة، مثل مقابلته الطويلة مع مارغريت برينان من شبكة "سي بي إس"!
تبادل السجناء ومجموعة B4
مشروع ظريف الدعائي في نيويورك، مكلف جدا (من تقديم هدايا باهظة الثمن لممثلي وسائل الإعلام، إلى شراء الوقت من قنوات الأخبار، والسفر بالطائرات الخاصة، والوفد المرافق الكبير، والبقاء في فنادق باهظة الثمن في نيويورك، وإنفاق البعثة بالعملة الأجنبية). وهدف هذا المشروع الدعائي هو التأثير على وسائل الإعلام والرأي العام في الولايات المتحدة.
ويعتبر اقتراح "تبادل السجناء السياسيين"، هو بيت القصيد في هذا المشروع الدعائي، فتبادل السجناء هو فقط مدخل ظريف لفتح محادثات سياسية مع ممثلي إدارة ترامب.
إن الأسئلة والأجوبة بين ظريف ومارغريت برينان، على الرغم من أنه كان يبدو قد تمَّ الاتفاق مسبقًا على الأقل على موضوع تبادل السجناء السياسيين، أظهرت بنحو ما أن ظريف ليس فقط لم تتح له الفرصة لاستخدام ابتسامته الشهيرة، بل إن حديثه كان متناقضًا عدة مرّات. وأُجبر على قبول المسؤولية عن التدخل في الشؤون القضائية وعدم أهليته، وتعثر في تبرير بقاء السجين المسن باقر نمازي في السجن، وحرمانه من العلاج خارج إيران.
في نهاية المقابلة مع برينان، کان وصف ظريف للنظام الإيراني في أعين مشاهدي قناة "سي بي إس"، أنه نظام يستفيد من الرهائن، بحيث يستخدم اعتقال ومطاردة مزدوجي الجنسية كوسيلة للابتزاز.
في المقابلة مع "فوكس نيوز"، وكريس والاس، ابن مايك والاس (مقدم أخبار شهير في قناة "سي بي إس")، تكرر عبوس وجه ظريف، وتكررت الأسئلة النقدية مع التهم التي وجهت له وأجوبته المرتعشة.
يُبث برنامج كريس والاس السياسي على قناة "فوكس نيوز"، كل يوم أحد، وعادة ما يتطرق للوضع السياسي الحالي.
وفي المقابلة مع كريس والاس، تمت إثارة قضية السجين الأميركي الشاب في كوريا الشمالية، أوتو وارمبير، فوضع ظريف طهران بوضوح كدولة تستخدم الرهائن للابتزاز إلى جانب بيونغ يانغ.
عاد أوتو وارمبير، وهو طالب اعتقل في كوريا الشمالية، إلى سينسيناتي في ولاية أوهايو، بعد إطلاق سراحه يوم 13 يونيو (حزيران) 2017، بينما كان يعاني من تلف في المخ، وبعد فترة قصيرة توفي وكانت حياته نباتية في عمر الـ22 عامًا.
قبل سفره إلى نيويورك، يبدو أن ظريف كان مهتمًا بصيغة دعائية قد تكون ناتجة عن التشاور مع مستشاري الدعاية لزيادة التأثير على المشاهدين، وهي صيغة: "مؤامرة مجموعة B4 لإجبار حكومة ترامب على اتخاذ قرار بالانخراط في حرب ضد إيران".
في الكشف عن أعضاء المجموعة، ذكر ظريف: جون بولتون، مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد.
"فوكس نيوز"، قبل بث برنامج يوم الأحد، الذي بُث بعد وصول ظريف إلى طهران، وبسبب الاتهامات التي وجهها ظريف إلى جون بولتون والشخصيات السياسية الثلاثة الأخرى في العالم، قامت بإجراء مقابلة منفصلة مع مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، وقد بثتها، ومن خلال هذه المقابلة سُمح لبولتون مرة أخرى بأن يدافع عن سياسات ترامب حول إيران ويتهم ظريف بنشر الأكاذيب.
في نفس الجزء من المقابلة مع "فوكس نيوز"، أتيحت لجون بولتون الفرصة للتأكيد على أن حكومة ترامب، ودون دفع غرامة، تمكنت بالفعل من إطلاق سراح 20 أميركيًا محتجزين في الخارج وإعادتهم إلى البلاد.
لم ينجح ظريف في مهمته السياسية-الدعائية الأخيرة، لا في مجال التواصل مع الولايات المتحدة، ولا في مجال إظهار مظلومية الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتخفيف الضغط الخارجي، وقد جاءت هذه المهمة في وقتٍ أعلن فيه جو بايدن نائب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ترشحه لانتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2020. وأن أمل الجمهورية الإسلامية للتغلب على الأزمة الحالية، هو وصول الديمقراطيين إلى السلطة في البيت الأبيض.
لكن السؤال هو: هل انتهت مهمة ظريف هذه في صالح الولايات المتحدة؟
يمكن العثور على إجابة هذا السؤال في ذاك الصمت النسبي لوسائل الإعلام المحلية الإيرانية في هذا الصدد.