خمس خرافات عن قاسم سلیماني
في هذه الأيام، وبعد مقتل قاسم سليماني، نسي معظم الناس أن الأخير كان موظفًا في منظمة المياه، ولولا نظام الجمهورية الإسلامية لكان الآن متقاعدًا يبدأ يومه بشراء خبز السنكك والجبن وسقي الورود.
لكن نظام الجمهورية الإسلامية وتزايد القوة العسكرية رمياه في عالم القوة. السياسة التوسعية الراغبة في الحروب لرجال الدين الشيعة المتطرفين وكوادرهم العاملة على تنفيذ خططهم، أفرزت وحشًا مثل سليماني.
في هذه الأثناء عملت وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية- بمساعدة رفاقهما وشركائهما الإيرانيين المناهضين للإمبريالية- على تحويل سليماني إلى أسطورة. لقد وضعوا لأحد منفذي أوامر رجال الدين الشيعة ألقابًا مثل "الجنرال"، و"القائد العارف"، و"محبوب الشعب الإيراني". وسنوضح في هذا المقال خمس خرافات حول قاسم سليماني وحقيقة بطلانها.
الصدق والأمانة
قال محسن هاشمي في الجلسة العلنية لمجلس بلدية طهران: "بسبب العلاقة الخاصة بين اللواء سليماني، وأبي آية الله هاشمي رفسنجاني، يمكنني أن أشهد أن إخلاص الحاج قاسم وصدقه وتواضعه كان حالة فريدة بين مسؤولي النظام، كانت إمانة ومصداقية اللواء سليماني في نقل الحقائق والمعلومات لكبار المسؤولين في النظام نموذجًا للصدق، ولهذا السبب كان لدى آية الله هاشمي رفسنجاني ثقة كبيرة في دقة وصحة تقارير سليماني" ("إرنا" 5 يناير/ كانون الثاني 2020). هذه الشهادة بالصدق والأمانة یدلي بها شخص قضى عمره يكذب على الشعب الإيراني. دعايات النظام لقيادته عادة ما تكون اقتباسا من رفاق عن رفاق آخرين، ولا يمكن الاعتماد علیها، فقد اعتاد جميع مسؤولي النظام على الكذب وخيانة الشعب في أمواله وشرفه وحقوقه.
الشعبية
حول شعبية قاسم سليماني قبل مقتله، لا يتوفر لدينا سوى استطلاعات وهمية للأجهزة الأمنية وقوات الحرس الثوري، التي نشرت تحت اسم جامعة ماريلاند. وأغلبها بعد مقتله كما يعلم الجميع، ولا تنخدعوا بالجنازات الضخمة، فقد قاموا بتعطيل المدارس والمكاتب والأسواق، مع تعميمات من الحكومة وضغوط، وتوفیر آلاف الحافلات والوجبات الغذائية لمئات الآلاف.
لقد قاموا بتعطيل كل البلد ليطوفوا بالجثة في عدة مدن، والحرس الثوري والباسيج متخصصان في إحضار الناس إلى التجمعات بالحافلات من القرى وإعطائهم وجبة طعام وشراب. وعليه يجب أن يبقى الناس جياعا وعاجزين (أولئك الذين يعيشون على آبار النفط) ليتمكنوا من إغرائهم بوجبة طعام وجلبهم إلى هذه التجمعات.
هذه السياسية هي سياسة الحرس الثوري والباسيج منذ أربعين عامًا، وقد تعلماها من برامج الرحلات الدينية، واليوم تُدار البلاد كما تدار برامج الرحلات الدينية، كما قاموا بتعطيل المدارس في قم لجلبهم إلى طهران، وفي خوزستان أيضًا أغلقوا الكثير من المدن للسماح للناس بالانتقال من المدن القريبة، إلى الأهواز.
أولئك الذين يعتبرون المشاركة الحاشدة في تشييع سليماني دليلا على شعبيته لا يثبتون سوى جهلهم بطبيعة البلاد وكيفية تمركز موارد البلاد بيد النظام، وآلياته لتعبئة الجمهور في إيران. وقد أثبتت وسائل الإعلام الغربية وحتى بعض وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية في الخارج جهلها أيضًا عندما وصفت سليماني بالمحبوب؛ فقد تم حشد جميع أجهزة دعاية النظام لنشر الصور والملصقات وتصميم اللوحات الإعلانية والرايات والإعلانات التجارية التلفزيونية والإذاعية لخدمة سليماني.
كل هذه الإجراءات كانت عبارة عن مسرحية لتسليط الضوء على هذه الحشود غير المنسقة وعرضها أمام المجتمع الدولي وإرعاب المجتمع الإيراني، بالطبع نجحت هذه الدعاية في خداع اليسار الأوروبي والأميركي، المستعد دائمًا للانخداع وإلقاء اللوم على أنظمته الديمقراطية في مواجهتها للنظام الفاشي والشمولي في إیران.
الشخصية الجذابة (الكاريزما)
الكاريزما ليست خاصية تتوفر لدى شخص ما، بل تصنع له. الخميني لم يكن يستطيع أن يركب جملة بشكل صحيح، وكان يفتقر إلى المعلومات السياسية والدولية، ولم يكن وطنيًا، وكان يهين خصومه، ولكنه كان يتمتع بجاذبية بين مؤيديه.
يتم إنشاء الكاريزما في عملية محددة، بمساعدة أبواق الدعاية (مثل راديو BBC الفارسية أيام الثورة 1979)، والمشاهیر والناشطين السياسيين والاجتماعيين.
الكاريزما التي نسبت إلى سليماني قامت أجهزة الدعاية في النظام الإيراني بصناعتها إضافة إلى منابر الإعلام الغربية، فأعطي ألقابًا مثل جندي الولاية، والشهيد الحي، وكابوس الأعداء، واللواء العارف، وكلها مبنية على قصص وحكايات.
وسائل الإعلام الغربية أيضًا كانت تحتاج إلى أشخاص أذكياء وأقوياء لصناعة الدراما الخاصة بها، لم يكن سلیماني خطيبًا جيدًا، ولم يكن محبًا لوطنه، ولم يكن شخصًا طيبًا أو خلوقًا (فيديو تعامله مع الطفلة التي أعطته حبة سكاكر أراد أن يجعلها ضحية له أيضًا). العارف والزاهد وبقية الصفات التي منحت له صنعتها آلة دعاية النظام الإيراني لتغطي وجهه البشع كقائد إرهابي على المستوى الدولي، ومدير مافيا للمخدرات، ومجرم دولي قتل الآلاف في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان.
المسؤولون في حكومة أوباما ساهموا أيضًا في مسلسل مديح سليماني، رغبة منهم في التمهيد للاتفاق النووي وتقليل الخسائر في العراق وأفغانستان، هذه الحركة ساهمت في صناعة الكاريزما لسليماني، فأبواق النظام الإيراني تشتم وسائل الإعلام الإمبريالية لكنها تستشهد بهذه المواد تحت عنوان "اعتراف الأعداء".
التنظيم والتنسيق
الإمكانيات التي منحت لسليماني خلال السنوات العشرين الماضية فريدة ولا نظير لها، كل الأجهزة والمؤسسات ملزمة بالتعامل معه وتسخير إمكانياتها لخدمته (مثل مسيرة الأربعين الحسيني). هذه الإمكانيات لو منحت لأي شخص كان سيصنع المعجزات وترتفع مكانته عاليًا.
هذا ما حدث مع سليماني؛ لقد مُنح إمكانيات ضخمة جدًا ليدير تدخل النظام في قضايا المنطقة.. وبسبب قربه من خامنئي وحصوله على ما لايحصى من المراتب والدرجات تميز عن بقية القادة في الحرس الثوري.
خامنئي كان يدرك جيدًا أن بقاءه في السلطة مرهون بإشعال المنطقة فمنح سليماني هذه القدرات ليسخر كل قدرات الحرس الثوري والباسيج والجيش في عمليات مشتركة، كما منحه أيضًا صلاحيات وزير الخارجية ليفاوض نظراءه في العراق ولبنان وسوريا وروسيا.
الوجود في الساحات وعلى الجبهات
وسائل التواصل الاجتماعي لعبت في هذا الموضوع دورًا مهمًا، التقط المصورون الخاصون بسليماني صورًا له على الجبهات (لا يمكن أن نعرف من خلالها هل كان بالفعل معرضًا للخطر أم لا؟). صوره الملائكية التي كان يأخذها بلباس عسكري تنم عن شجاعة، وهي ما ركز عليه الإعلام الإيراني، حيث كان يبالغ ويهول الأخبار عن "داعش" في قمة قوتها واقترابها من الحدود، وبعد هزيمة "داعش" نسبت له كل البطولات المختلقة لإثارة الحس الوطني لدى الشعب.
هذه الشخصية هي أيضًا صنيعة النظام، وبالطبع أول سؤال يتبادر للذهن هو: لماذا على النظام أن يصنع مثل هذه الشخصية لسليماني بالذات، دون غيره من قادة الحرس الثوري؟ بالطبع الجواب لا يعتمد على خصوصية سليماني أو وجهه الجذاب، بل لأنه كان من خواص خامنئي، وفي النهاية، لن يستطيع النظام تجميل الجميع أمام الشعب، وعليه فإن أجهزة دعاية النظام مجبرة على اختيار بعض الشخصيات ليصل بعضها إلى درجة السمو الإلهي والسحر.