عندما سأل رئيس البرلمان التركي، في عام 2017، ساخرًا من نائب مدينة أورفا، عثمان بايدمير، الذي كان يخطب: "هل يمكن أن تخبرنا أين هي كردستان؟"، وضع بايدمير يده على قلبه، وأجاب: "كردستان هنا".

إذا وضعنا هذه السخرية جانبًا، فهناك نقطة واضحة: الأكراد، الذين يبلغ عددهم نحو 40 مليون نسمة، هم أکبر شعب بلا دولة في العالم. 

هناك إشارات تاريخية ولوحات آشورية کثيرة تعود ألفي سنة قبل ميلاد المسيح، تعرّف بمملكة عنوانها "كاردا" أو "کارداکا"، تمتد من عفرين شمالي سوريا إلى سلسلة جبال زاغروس العالية في إيران اليوم، وهي حدود تتوزع اليوم على أربع دول (العراق وتركيا وإيران وسوريا).

في الألفية الأولى قبل الميلاد، ضمت كاردا، التي كان سكانها يتمتعون بحضارة رائعة، القبائل التي انتقلت إلى هناك من شرق إيران. الآشوريون کانوا يسمون هؤلاء الناس، الذين كانت عاصمتهم نينوى "آمادا". في وقت لاحق، أسس الآماديون، أو الميديون، دولة مستقلة في القرن الثامن قبل الميلاد ووضعوا إکباتان عاصمة لهم.

يکتب المؤرخ الکردي أمین زکي بيك، نقلاً عن المؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت حول تشکيل حکومة ميديا، باختصار، أنه بعد أن حكمت الحكومة الآشورية لمدة 520 سنة في آسيا العليا، تمرد قوم ميديا قبل مستعمرات آشور الأخرى، وتمکنت من الاستقلال بعد حرب.. المستعمرات الآشورية الأخرى، تماشيًا مع ميديا، تمردت بشکل عام، وحصلت على استقلالها واحدة تلو الأخرى.

الحضارة الکردية واحدة من أقدم الحضارات في منطقة بلاد ما بين النهرين، حضارة تصل من الشرق إلى مصدر نهري دجلة والفرات، أو بلاد ما بين النهرين، ومن الغرب إلى بابل.

في بلاد إيران القديمة، كان الميديون غالبًا يزرعون ويقومون بتربية المواشي في السفاح الخصبة من سلسلة جبال زاغروس. شيئًا فشيئًا، طوال الحرب والانتفاضات الصغيرة والکبيرة، تغير مصيرهم، ولا يمكن في هذا المقال القصير تغطية كل هذه المتغيرات.

يمكن تلخيص أهم أسباب غزو الأرض المسماة كردستان اليوم لسببين رئيسيين:

1. کما هو اليوم، كانت على الحدود بين عدد من البلدان، وتشكل جسرًا للربط بين الحضارات الأخرى والمعاملة والتبادل التجاري.

2. بالمقارنة مع غيرها من الأراضي البعيدة، كانت هناك حضارة وتقدم كبير. على سبيل المثال، في العصر الحجري القديم، دخل سكان هذه المنطقة إلى العصر المعدني.

منذ عام 1918، عندما أدت حرب الحلفاء والإمبراطورية العثمانية إلى هزيمة هذه الإمبراطورية، سيطرت القوات البريطانية على المناطق العراقية والسورية والفلسطينية والقسطنطينية. الحلفاء لم يخلعوا السلطان محمد الخامس من السلطة لأنهم اعتقدوا أنه يستطيع مساعدتهم في إحلال السلام.

منذ ذلك الحين، تم تقسيم الأكراد إلى أكراد في إيران وتركيا والعراق وسوريا، وقد هاجر البعض إلى أرمينيا وروسيا.

الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكردية لم تكن متشابهة في المناطق المختلفة. على سبيل المثال، في العراق، ساهم الأكراد في فترات زمنية مختلفة، حتى على المستويات الحكومية العليا.

في إيران، بعد هزيمة جمهورية كردستان عام 1946، تم قمع الأكراد دائمًا من قبل الحكومات المركزية. ويقولون إنهم لا يتمتعون بأقل حقوق المواطنة، بما في ذلك التعلم باللغة الأم، والحريات الدينية والثقافية، وتتم محاكمتهم وسجنهم وتعذيبهم وإعدامهم في بعض الأحيان.  

بعد مجيء الإسلام، أصبح غالبية الأكراد مسلمين، على الرغم من أن ذلك تم بقوة السيف، ولكن في السر حافظ عدد كبير منهم على دينهم ومعتقداتهم. إن وجود أقليات دينية مختلفة في كردستان، بما في ذلك البهائيون واليهود والزرادشتيون والإيزيديون وأهل الحق، وغيرهم، يظهر ذلك. 

من القرن التاسع فصاعدًا، في المواجهات بين الصفويين والعثمانيين، انضم الأكراد إلى واحد من هذين القطبين، القطب السني، والقطب الشيعي.

في تركيا، هاجمت الجمهورية الترکية الجديدة، بعد الحرب العالمية الأولى، الهوية الكردية، وبعد عدة سنوات من المقاومة، تم سحقهم وتهميشهم في نهاية المطاف.

منذ أواخر الثلاثينيات حتى عام 1991، لم يكن لدى الأكراد في تركيا حتى الحق في التحدث بلغتهم الأم، إلى الحد الذي يتم فيه الحكم عليهم بالغرامة، وحتى بالسجن والتعذيب، عند خرق هذا الأمر، كما حُرموا من حق الامتلاك أو شراء وبيع الممتلكات.

في سوريا، الظروف لم تكن أفضل، حيث إن نسبة كبيرة من الشعب الكردي في سوريا حتى عام 2013 حُرموا من بطاقات الهوية الشخصية، مما يعني أنهم من وجهة نظر الحكومة المركزية ليسوا موجودين من الأساس.

جميع مناطق كردستان الأربع خصبة، وطقسها جيد، وغنية بالموارد الجوفية، بما في ذلك احتياطيات هائلة من المياه العذبة والنحاس والنفط والغاز. وتعتبر المحافظات الكردية من بين أكثر المناطق حرمانًا في الدول الأربع.

كان الوضع السياسي والاقتصادي الكردي في العراق على مدى الثلاثين سنة الماضية أفضل من المناطق الأخرى. في النظام الفيدرالي العراقي، لديهم برلمان محلي وحکومة إقليمية. في 25 سبتمبر (أيلول) 2017، وعلى الرغم من معارضة كثير من القوى في المنطقة والعالم، أجروا استفتاءً للاستقلال التام عن العراق. 97 في المائة من الأكراد صوتوا لصالح الانفصال. دخل الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي إلى إقليم كردستان وسيطرا على كثير من المناطق المتنازع عليها، وأصبحت العلاقات بين بغداد وأربيل غامضة.

في إيران، بعد ثورة 1979، لم يصوت أكثر من 97 في المائة من الأكراد للجمهورية الإسلامية، وطالبوا بالاعتراف بحقوقهم من قبل الحكومة المرکزية الجديدة. المفاوضات بين طهران والقادة الأكراد كانت دون جدوى. وفي ربيع عام 1979، أي بعد أقل من ستة أشهر من الثورة، سار الجيش والحرس الثوري الإيراني نحو كردستان. بعد أربعين عامًا، يستمر الجدل بين طهران والقوات الكردية بشکل أکثر حدة من أي وقت مضى. ويقول الأكراد في إيران إن الظل الثقيل للثقافة المركزية على الإيرانيين وإيران يمنع خلق جو من التسامح، بعيدًا عن التمييز القومي والديني، وقائم على حق المساواة لجميع المواطنين، وهذا أكبر عائق أمام المصالحة والحرية في إيران.

يقول بعض المحللين الأكراد إن الغالبية العظمى من المثقفين الإيرانيين الذين يعارضون النظام، سواء داخل البلد أو خارجه، كانوا دائمًا يضحون بالمجتمع المدني القائم على مشروع قانون المواطنة التابع للأمم المتحدة، بذريعة الحفاظ على وحدة الأراضي الإيرانية بأي ثمن من الأثمان.

ما لم يتغير من الماضي إلى الحاضر هو أن الأكراد يواصلون الصراع مع الحكومات المركزية من أجل حقهم في تقرير مصيرهم. وأحدث مثال على ذلك هو أکراد شمال سوريا، الذين كانوا منذ عام 2012 أهم ذراع عسكرية في الحرب ضد "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش). 

بعد سحق "داعش"، هاجم الجيش التركي والميليشيات التابعة له، بضوء أخضر من القوى العظمى، القوات الكردية في عفرين. انسحبت حركة المقاومة الشعبية، بعد 58 يومًا من المقاومة، من مدينة عفرين لتجنب التدمير العام في المدينة، واستولى الجيش التركي والقوات التابعة له على ذلك المكان.

الآن، تركيا بالقرب من منبج تستعد للهجوم على شرق الفرات. وتقول تركيا إنها تقصف أكراد بلادها أينما كانوا، حتى داخل الأراضي العراقية.

لا توافق حكومتا العراق وإيران على التفاوض مع الأكراد. من غير الواضح ما إذا كان سيأتي اليوم الذي سيكون فيه الأكراد قادرين على تسمية أي شخص بـ"الصديق" غير جبالهم..