اقتصاد إيران المتهالك في قبضة "كورونا"
قبل أسابيع فقط، بدا المسؤولون الحكوميون متفائلين بأنه مع نهاية السنة الإيرانية الحالية (1398)، سيتحسن الاقتصاد الإیراني، ويسجل بعض القفزات نحو النمو الإيجابي، وسینزاح کابوس الركود ومعدلات النمو المتراجعة التي خيمت على الاقتصاد الإيراني شبه الميت منذ دخول العقوبات الأميركية المتعاقبة حيز التنفيذ.
حالة التفاؤل هذه تولدت عندما أصدر مركز الإحصاء الإيراني تقريره عن التغيرات في النمو الاقتصادي الإيراني بالأشهر التسعة الأولى من هذه السنة الإيرانية، وتعززت مع تسجيل تحسن طفيف في معدلات النمو الذي شهده الاقتصاد الإيراني في الخريف ومقارنته بفصلي الربيع والصيف الماضيَين.
وبينما لا یزال بصيص الأمل يتشكل، أخذت الضربات تنهال على الاقتصاد الإيراني من هنا وهناك؛ حيث انتشر فيروس کورونا المستجد في الصين، وانتهت المهلة المحددة من قِبل مجموعة العمل المالي، وتم إدراج إيران على القائمة السوداء لهذه المجموعة.
من ناحية أخرى، فاز أصوليو الساحة السياسية الإيرانية بغالبية المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي تم إجراؤها مؤخرًا، واستحوذوا على الهيئة التشريعية، وبات احتمال تطرف السياسة الخارجية الإيرانية أقرب من ذي قبل.
لكن من بين العوامل المتعددة التي تؤثر في برودة شتاء الاقتصاد الإيراني، يبرز عامل أشد وقعًا: فيروس كورونا المستجد، الذي تواجه إيران بسببه وضعًا صعبًا للغاية ينذر بانهيار اقتصادي وشيك، في ظل ارتفاع حصيلة الضحايا وتمدد الفيروس إلى معظم المحافظات الإيرانية.
ومنذ أن أصبحت أخبار فيروس كورونا المستجد وانتشاره في الصين أكثر جدية، توجهت الافتراضات والتحليلات نحو إبراز التأثير غير المباشر لهذا الفيروس على الاقتصاد الإيراني.
الأخ الأكبر مريض
كانت الصين أكبر شريك تجاري لإيران، وفي الوقت الذي لم يكن فيه النفط الإيراني ومكثفات الغاز وغيرها من منتجات إيران التصديرية قادرة على الوصول إلى الأسواق العالمية، كانت الصين سوقًا لجزءٍ من هذه المنتجات.
الآن أصبح الاقتصاد الصيني شبه معطل، وانخفضت أسعار النفط، ونتيجة لذلك، بات النفط الإيراني، الذي کان يتم تصديره إلى الصين بصعوبة، دون عملاء.
ومن ناحية أخرى، كان على إيران، التي اعتمدت على السياح الصينيين في إحياء قطاع السياحة، أن تتخلى عنهم، كما أن تجارة السلع أيضًا أصبحت غير مستقرة، مع إغلاق الحدود وفرض قيود. ومع ذلك، كان من المأمول أن تبدأ انفراجات مبشرة بعد مضي أسابيع قليلة من بدء الأزمة الصحية، مثل الأمراض المعدية السابقة.
لكن الأمور ساءت أسبوعًا بعد أسبوع، حتى انتشر فيروس کورونا فجأة في إیران، وبرزت أخيرًا كنقطة محورية ثانية بعد الصين لانتشار الفيروس، وهو ما يشكل تهديدًا حقيقيًا لطهران.
وقد جاءت أنباء تفشي كورونا في إيران لأول مرة إلى وسائل الإعلام بنبأ وفاة الضحايا، وبعد ذلك إخضاع الحالات المشتبه في إصابتها للحجر الصحي، وهو ما يثير الشك مرة أخرى، بأن المسؤولين تستروا هذه المرة أيضًا.
الاقتصاد الإيراني في قبضة "کورونا"
يومًا بعد يوم يتم نشر مزيد من الأخبار حول حالات الوفاة والإصابة بفيروس کورونا في إيران، وصار من اللازم الآن تحليل الآثار المباشرة لفيروس كورونا المستجد على الاقتصاد الإيراني.
ومع تفاقم المخاوف من أن إيران غير مجهزة للتعامل مع الفيروس القاتل، بسبب العزلة التجارية المفروضة عليها على أثر العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترمب، دفع عجز المسؤولين أو على الأقل عدم ثقة المجتمع بقدرتهم على السيطرة على الوضع، جزءًا كبيرًا من الشعب إلى المبادرة والاعتماد على النفس.
لكن القيود المفروضة على حركة المرور، والخوف من الاحتكاك بالمصابين الذين ليسوا على علم بإصابتهم، وتقييد التجارة عشية عيد النوروز (عيد رأس السنة الإيرانية)، كلها بمثابة إطار واحد فقط من هذه الصور، حيث كان كثير من الأشخاص يأملون في إنعاش أعمالهم.
التصدير إلى الحدود المغلقة
برز التأثير الرئيسي لفيروس كورونا، أو "كوفيد-19" المستجد، على الاقتصاد الإيراني، عندما تم إغلاق أكبر أسواق السلع والخدمات المصدَّرة في البلدان المجاورة بوجه التجار الإيرانيين والسلع الإيرانية؛ خوفًا من تفشي هذا الفيروس.
ويشكل إغلاق دول الجوار حدودها مع إيران، تهديدًا حقيقيًا للصادرات غير النفطية التي تمثل شريان الحياة الرئيسي لاقتصاد إيران، التي تتجه نحو مزيد من العزلة الإقليمية والدولية، بعد أن أوقفت دول العالم، ومن ضمنها دول المنطقة، رحلاتها إلى المدن الإيرانية.
وحسب المتحدث باسم الجمارك الإيرانية، روح الله لطيفي، فإن الصين والعراق وتركيا والإمارات العربية المتحدة وأفغانستان كانت وجهات التصدير الرئيسية لإيران في الأشهر الـ11 الماضية.
ووفقًا للإحصاءات التي قدمها مسؤول الجمارك الإيراني، فإنه بحلول منتصف فبراير (شباط) 2020، كانت هذه الدول الخمس تمثل نحو 74 في المائة من إجمالي الصادرات الإيرانية، أما الآن فواحدة من هذه الدول هي مصدر فيروس كورونا الجديد وهي مشغولة بمكافحته. وبقية الدول إما أنها أغلقت حدودها مع إيران؛ خوفًا من انتشار الفيروس، وإما أنها فرضت قيودًا مضاعفة على العملية التجارية، وهو ما سيؤثر على معدلات الصادرات وأرقامها.
رائحة العيد.. رائحة کورونا
إن فيروس كورونا الجديد ستكون له آثار أخرى على أجزاء مختلفة من الاقتصاد الإيراني، وتزامنه مع نهاية العام الشمسي وعشية عيد النوروز سيؤدي إلى تفاقم هذه الآثار.
شهر مارس (آذار) هو، تقليديًا، وقت الشراء وتجديد الأجهزة المنزلية والملابس وشراء الأطعمة الخاصة بهذه الأیام.
هناك عدد من الناشطين الاقتصاديين من مختلف المجالات الذين يستعدون، قبل شهور، لبيع منتجاتهم في معارض الربيع. لكن التقارير الإعلامية والصور تظهر أن هذه الأسواق لا تزدهر هذا العام.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس غرفة النقابات الإيرانية أنه تم إلغاء جميع المعارض الموسمية والربيعية لمنع انتشار فيروس كورونا الجديد.
وكان من المقرر أن تقام هذه المعارض في جميع أنحاء إيران في الفترة من 29 فبرایر (شباط) إلى 16 مارس (آذار).
بالطبع، لا يقتصر تغيير نمط حياة الإيرانيين في الأيام الأخيرة من العام والاستعداد لعيد النوروز على التسوق التقليدي في هذا الأیام.
الحرمان من تبادل زيارات العيد
إن عيد النوروز وعطلته هي وقت سفر للعائلات الإيرانية، ومن غير المرجح أن تتم هذه الرحلات کما کانت في كل عام، بسبب الخوف من الإصابة بكورونا.
مع وضع ذلك في الاعتبار، ينبغي اعتبار القطاعات والأنشطة المتعلقة بالسياحة، بما في ذلك الفندقة والمطاعم والمقاهي ونقل الركاب، من الأنشطة التي ستتضرر في عید هذا العام.
ووفقًا للمركز الإحصائي الإيراني، لم تسجل مجموعة الخدمات معدل نمو أفضل من معدل النمو السلبي بنسبة 0.2 في المائة في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام. ومن المفارقات أن وضع هذه المجموعة في موسم الخريف، بمعدل نمو سلبي بلغ 0.7 في المائة، كان أسوأ من فصلي الربيع والصيف، ويمكن توقع أنه، تحت تأثير هذا المرض، فإن الجانب السلبي لهذا القطاع سوف يستمر في فصل الشتاء.
وقد حقق حقل "تجار الجملة والتجزئة وخدمات الإیواء والغذاء"، وهو الأکثر تأثرًا بفيروس كورونا هذه الأسابیع، معدل نمو سلبي بلغ 4.1 في المائة في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، وبالنظر إلى الانكماش في هذه الأعمال، يمكن للمرء أن يتوقع استمرار الاتجاه السلبي للتغييرات في هذه الأعمال أو حتى أن يزداد سوءًا.
الاقتصاد الإیراني یتنفس بصعوبة
تأثرت القطاعات والشركات الأخرى أیضًا، بفيروس كورونا الجديد. ويعد قطاع الصحة هو الأهم الذي تأثر نشاطه بشكل كبير بسبب تفشي فيروس كورونا الجديد. وقد تم ترکیز كل الاهتمام والنفقات في هذا القسم على السيطرة على فيروس کروفید-19 وعلاجه.
من ناحية أخرى، لن تكون عروض الأفلام السینمائیة في النوروز كما كانت علیه في السنوات السابقة، وينبغي نسیان الدورة المالیة للسینما والمسرح في الأسابيع المقبلة.
وإذا لم يتغير وضع الذعر العام من کورونا، ولم تُنشر أخبار وتقارير مقنعة حول السیطرة علی المرض وانتشار الفيروس، وعلاج المصابین به، فإن لیلة عید النوزوز هذا العام ستأخذ طابع کورونا، وسيكون تنفس الاقتصاد الإيراني أكثر صعوبةً، الاقتصاد المتهالك الذي یمر بفترة حرجة تحت وطأة العقوبات، والعودة إلى القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي، وفرض قيود من کل جانب.