الأصوليون ومشاكل الحكم في إيران
التحديات السياسية الحالية في إيران، وعدم وجود توافق في هيكل السلطة لمواجهة السياسات المحلية والخارجية، مثلما حدث عند اعتماد مشروع قانون معاهدة مكافحة تمويل الإرهاب، بات يخيف الحركات الأصولية.
محمد جواد باهنر، النائب السابق لرئيس البرلمان الإيراني، وأحد أبرز البرلمانيين، وواحد من أبرز المنظرين الأصوليين المعتدلين، والعضو البارز في جمعية المهندسين الإسلامية، والذي كان دائمًا يلعب دورًا مهمًا في الانتخابات لصالح الحركات الأصولية. هذا الرجل اعترف الآن بأن أسلوب الحكم السياسي في إيران يواجه عقبات خطيرة، وأنه يجب إصلاح مساره وتنظيمه، وقد اقترب في انتقاد الوضع من الخط الأحمر، حيث تطرق إلى موضوع تعديل الدستور.
أ- الحاجة إلى التنظيم الحزبي
يقول باهنر إنه من أجل تشكيل نظام ديمقراطي ديني مرغوب، يجب أن يكون هناك عدد من الأحزاب القوية لكي يتطور النظام السياسي ويصبح ذا كوادر. كما انتقد وجود متخصص في جراحة القلب في البرلمان، معتبرًا أن وجود مثل هؤلاء الأشخاص في البرلمان ليس صحيحًا، وأشار إلى أن الأفراد الذين يفهمون أساليب الحكم الرشيد، هم من يجب أن يكونوا في البرلمان، وليس أولئك الذين يملكون خبرة علمية لا صلة لها بالحكم.
ب- التشبث بكرسي السلطة
يرى باهنر أيضًا أن الرغبة في التشبث بكرسي السلطة، عقبة أخرى أمام الحكم الرشيد في إيران، وانتقد أولئك الذين لا يزالون في مسؤولياتهم بعد سنوات طويلة من انتصار الثورة. وقال إن بعض المسؤولين يجب أن يفصلهم عزرائيل عن الكرسي. وانتقد حكومة حسن روحاني لارتفاع متوسط عمر مجلس الوزراء، وقال إن مجلس الوزراء متعب ولا يمكنه أن يعمل بشكل جيد. كما وصف باهنر قضية حكم الأسر في الدولة بالتقييم المبالغ فيه، قائلاً إن الانتقاد الذي يقول إن غالبية الأشخاص في السياسة تم انتخابهم من خلال الروابط الأسرية هو انتقاد راديكالي غير صحيح.
ج- تعديل الدستور
أشار باهنر إلى أن هناك مشاكل هيكلية خطيرة في البلاد، وقال: "إذا توفرت فرصة جيدة، فيجب إجراء تعديل دستوري".
وأضاف أن البرلمان حاليًا مشغول بقضايا إقليمية وعرقية وحزبية ونقابية ونوع الجنس، وليس لديه فرصة للتطرق إلى المصالح الوطنية.
كما قال باهنر أيضًا، إن المؤسسات التي تحت تصرف المرشد الأعلى، مثل الاستخبارات والأمن والدفاع- الحمد لله- نمت بشكل كبير.
كما نفى وجود فساد هيكلي في الحكومة، معتبرًا إشاعة ذلك مؤامرة من قبل الأعداء. وقال إن نسبة الذين يسيئون استخدام مناصبهم الحكومية ليسوا أكثر من 3 إلى 4 في المائة، والفساد لا یوجد في كل مكان.
د- النسيان التاريخي للأصوليين
في الثلاثين سنة الماضية، وبسبب حماية المرشد الأعلى، كان للأصوليين مواقع سياسية واقتصادية قوية في البلاد، وجميع الانتقادات التي يتحدث عنها باهنر، كان للأصوليين دور مهم في خلقها. بالمناسبة، فإن السياسيين الأصوليين، وبمساعدة ومساندة من المؤسسات الحكومية القوية، مثل مؤسسة القيادة، ووكالة الاستخبارات الموازية، والقضاء، دأبت دائمًا على مهاجمة خيارات الإصلاح السياسي لتصحيح الحوكمة.
إن ملاحظات باهنر حول ضرورة تعزيز الأحزاب في البلاد، جاءت في الوقت الذي يعد فيه باهنر واحدًا من أكثر الأشخاص تأثيرًا في المجموعة المحافظة في إيران، وكثيرا ما كان يبذل قصارى جهوده لقمع الأفكار والجهود التي تبذلها أحزاب المعارضة. وفي العقدين الأخيرين بذل كل جهد لمنع الأحزاب والجماعات السياسية الأخرى من الانخراط في العملية السياسة.
النتيجة
لقد نسي باهنر أنه قال سابقًا إنه لعب دورًا هامًا في وصول أحمدي نجاد إلى السلطة، وفي حوار سابق رد على رفض وجود أحمدي نجاد في البلدية من قبل وزارة الاستخبارات، وقال لوزير الاستخبارات (يونسي): "إنكم مجبرون على تأكيد مؤهلاته، لأن أحمدي نجاد هو خيار الأصوليين للرئاسة".
يتحدث باهنر عن التقدم في مجال الدفاع والأمن تحت قيادة المرشد الأعلى، متناسيًا أن المشروع الأكثر كلفة في تاريخ إيران السياسي، وهو مشروع التخصيب النووي، الذي جعل الشعب الإيراني يواجه مشاكل لا نهاية لها، لإنتاج 300 كيلوغرام فقط من اليورانيوم المخصب بنسبة 5 في المائة، هذا المشروع تم بضغط المرشد على جميع الرؤساء، دون أخذ رأي الشعب حول ذلك. وبسبب هذا القرار، يدفع كثيرون كلفة اقتصادية واجتماعية وسياسية بشكلٍ يومي.
يدعي باهنر أن فسادًا قليلاً يحيط بالنظام، دون أن يعرف أن الفساد موجود بسبب أزمات الحوكمة الفعالة والمسؤولة، لقد تم إضفاء طابع مؤسسي عليه إلى حد أنه يلغي بشكل فعال إمكانية محاربة الفساد، بسبب تلوث النظام السياسي، ويحوله إلى أمر مكلف، وربما مستحيل.
من الأفضل لباهنر والأصوليين، بدلاً من الهروب إلى الأمام، أن يلقوا نظرة نقدية على سجلهم وتيارهم، لعلهم يتمكنون من إيجاد طريقة للحل بالاعتماد على المصالح الوطنية الإيرانية، قبل فوات الأوان. عليهم أن يدركوا أن البنية السياسية الإيرانية إذا كانت تريد أن تقود البلاد بدفة الماضي، فإنها لن تذهب إلا إلى الهاوية.