تعميق الفجوة الطبقية واتساع هلال الفقر في إيران
أشار وزیر النقل والطرقات إلى اتساع "هلال الفقر" فی غرب وجنوب وجنوب شرقي العاصمة. وقال إن "المسار المتصاعد للإقامة في العشوائيات يمكن أن تكون خطيرة جدا".
وعلی سبیل المثال، أشار محمد سعيد إيزدي إلی ارتفاع عدد سكان منطقة نسيم شاهر، قرب طهران، من 4000 نسمة إلى ما يزيد على 600 ألف نسمة في الوقت الحاضر.
كما أشار إلى دور ارتفاع أسعار السكن والإيجار في خلق الأوضاع الخطرة في ضواحي المدن في منطقة باراند. وأضاف: "إن العائلات التي تسکن في العشوائيات، من ذوي القدرة الشرائية الضعيفة جدًا، بحيث لا یمکن لهم أن یملکوا منزلا حتی في (مشروع إسکان مهر) الحکومي".
کما تحدث وزیر النقل والطرق عن توطين ثلث عدد سكان مدينة مشهد (ثاني أکبر مدن إیران) في ضواحي المدینة.
وقد تزامنت هذه الأوضاع السيئة مع تفاقم العجز الاقتصادي لدى أفراد الطبقات الاجتماعية المحرومة الذين يتقاضون رواتب شهرية أو يعملون بالأجر اليومي، خاصة أولئك الذين تأثروا بانخفاض العملة الوطنية في الأشهر الأخيرة، بخلاف الطبقات الثرية والنافذة التي نراها في شوارع المدن الكبري أو في الفضاء الافتراضي.
وقد تناولت الصحيفة الأميركية "كريستيان ساينس مونيتور"، في تقرير لها صدر قبل بضعة أيام، الموضوع نفسه (اتساع الفجوة الطبقية في إيران)، أشارت فیه إلى "تفحيط السيارات الفارهة، مثل فيراري، وبورشة، ولامبورغيني، في شوارع طهران المزدحمة"، ونشر صور حفلات الضيافة والسيارات والمنازل في مواقع التواصل بواسطة شباب أثرياء.
ويضيف التقرير أيضًا أنه رغم العقوبات، وفي ظل المشاكل الحادة التي یواجهها الإيرانيون لتوفير احتياجاتهم الضرورية ومتطلبات المعیشیة، لكننا نشاهد الكثير من مراكز البوتاكس مكتظة بالزبائن.
وشددت "كريستيان ساينس مونيتور" على أن الفجوة العميقة بين الإيرانيين الأغنياء جدًا الذين يتباهون بثرواتهم أمام أكثرية المجتمع، أدت إلى "تنامي مشاعر الكراهية"، مع العلم أن كثيرًا من الأغنياء إما جزء من السلطة وإما من "أبناء كبار المسؤولين".
وتشير الصحيفة إلى الشعارات والمثل العليا للثورة (بما في ذلك في مجال العدالة الاجتماعية والمساواة). وأكدت على ظهور "عالمين متوازيين" في إيران اليوم.
عدم المساواة في إيران.. بيانات مختلفة
البيانات المتعلقة بالفجوة الاقتصادية والطبقية في إيران متباينة. وقال وزير العمل والتعاون والرفاه الاجتماعي السابق، إن شريحة اجتماعية واحدة تستهلك 90 في المائة من موارد البلاد.
وقدرت المصادر الرسمية (بما في ذلك رئيس منظمة الإغاثة الاجتماعية) أن عدد المواطنين تحت خط الفقر المدقع، يتراوح بين 10 و12 مليون نسمة. واستنادًا إلى هذه التقارير الحكومية، إذا ما توسعت المؤشرات المتعلقة بهذا الموضوع، فإن ما بين 16 إلى 20 مليون إيراني يمكن تصنيفهم في دائرة الفقر المدقع.
وهناك تقديرات مقلقة في هذا الموضوع للخبراء الاقتصاديين المستقلين. البعض يرى أن ثلث الإيرانيين، على الأقل، يرزحون تحت خط الفقر، وآخرون يقولون بل نصف الإيرانيين (يحصلون على سلع أساسية قليلة).
هؤلاء الخبراء (الباحثون والعلماء المستقلون)، يصفون الانقسام الطبقي في إيران بعبارات مثل: "غير مسبوق"، و"خطير"، و"زلزال".
وقد حذر بعضهم من تحول المجتمع الإيراني إلى "ساو باولو" أخرى. ومن المعروف أن مدينة ساو باولو البرازيلية واحدة من أبرز مظاهر عدم المساواة والفقر والفساد وانعدام الأمن والفجوة الطبقية الهائلة، في العالم.
وقد استعرضت الأمم المتحدة أيضا، في أحدث تقرير لها حول التنمية البشرية، موشر الفجوة الاقتصادية، وعدم المساواة في الدخل، في 153 بلدًا. واحتلت إيران المرتبة 88 في هذا التقرير.
واستنادًا إلى بيانات الأمم المتحدة، فقد ازدادت الفجوة وعدم المساواة في الدخل في إيران عامي 2016 و2017.
الاستبدادية والنظام الريعي والفوارق الطبقية
الحقيقة المؤسفة في إيران هي ربط النظام الاستبدادي والآيديولوجي بإيرادات ريعية (خاصة النفط والغاز). وهو الوضع الذي لا يهيئ المجال فقط لقمع المنتقدين والمعارضين، وأيضا تقييد وتهديد المجتمع، وإنما يتسبب كذلك في تكوين "طبقة جديدة" من الأثرياء المنتمين إلى الهيكلة السياسية. الأثرياء الذين يكثرون من ثرواتهم وأموال عائلاتهم بصورة متزايدة، بالاستفادة من المعلومات والنفوذ، الذين يحتكرون المعلومات عبر المحسوبية، ناهيك بالأثرياء الذين ينشغلون بزيادة أموالهم وثرواتهم، بالتهرب من دفع الضرائب المتناسبة مع الدخل، مستغلين الفوضى المنتشرة في البنية الاقتصادية، والفساد المنظم داخل السلطة، مما يزيد من قرع طبول الفجوة الطبقية.
كل هذه المتع وتصاعد وتمكين مسار الأثرياء، يتزامن مع إفقار يومي لمزيد من شرائح المجتمع المرهقة من الغلاء والتضخم وركود الإنتاج وانخفاض قيمة العملة الوطنية.
في ظل مثل هذه الأوضاع، لم يكن أمام المجتمع خيارات سياسية أو اجتماعية غير الحركات الاحتجاجية العنيفة.. والانتفاضات الاجتماعية على خلفية من عدم الرضا الاقتصادي والمبنية على الاعتراض.. وغضب جيش من الشباب العاطلين والشرائح غير الراضية بسبب ضغوط المعيشة.
وعلى صعيد آخر، ينبغي التذكير بالتربح الآيديولوجي عند اليمين، والتيار الشعبوي المتمظهر بالدفاع عن العدالة، وحتى عن القومية..
المرشح الرئاسي السابق إبراهيم رئيسي ومن يحمونه من العسكريين والأمنيين، وبعض الجماعات المحافظة، كلهم رفعوا مثل هذا العلم، وصاروا ينتظرون الانتفاع وتحقيق مشروعهم السياسي.
تيار أحمدي نجاد، أيضًا، بغض النظر عن بضاعته وإمكانياته من التربح، كان أحد المؤشرات الرئيسية على مثل هذا النهج.
بمعنى آخر، فی ظل الظروف الاقتصادیة والاجتماعیة المستقرة، وفي الوقت الذي تفتقد فيه القوى الاجتماعية المطالبة بالديمقراطية إلى القوة الكافية لفرض مطالباتها على مركز القوة الرئيسي في الجمهورية الإسلامية، فإن خطر وجود نوع من الفاشية أو من الاستبداد يبدو خطرًا جديًا. وهو الخيار الخطير الذي يسبب اتساع الأزمات، وكذلك افتقار القوى الديمقراطية لطرح حلول للأزمات الحالية (خاصة الأزمة الاقتصادية وزيادة الفجوة الطبقية)، الذي لم يكن وقوعه خيارًا مستبعدًا.
إن التساؤل عن مدى تمتع القوى الديمقراطية بالقدرة على توجيه عدم الرضا الاقتصادي ضمن إطار الاحتجاجات المدنية السلمية (التجمع والاعتصام والمسيرات السلمية) هو تساؤل هام.. تساؤل لم تكن إجابته واضحة في ظل هذه الأوضاع المتأزمة، خاصة أمام قمع الحكومة.
ما هو موجود ويحدث، أن الفجوة الطبقية المتزايدة تحولت إلى أمر لا يمكن تجنبه في سماء إيران السياسية.