دبلوماسية روحاني.. ونقّاده
واجه خطاب حسن روحاني، في الأمم المتحدة، كثيرًا من ردود الفعل المختلفة، من المؤيدين والمعارضين. وقد تمثلت انتقادات الأطياف المعارضة لروحاني في عدة نقاط:
أ- عدم جدوى السياسة الناعمة
يعتقد الأصوليون المتطرفون أن ردة الفعل المعتدلة والسلمية، في الأمم المتحدة، على السياسات العدوانية التي يتبعها ترامب، تؤدي إلى نتائج معاكسة. ففي مقابل نبرة ترامب العدوانية، تبنّى روحاني سياسة ناعمة، تُوهم حكومة ترامب بأن إيران قد خافت، فتزيد بالتالي من سياساتها العدوانية.
ويتخذ التيّار الأصولي تصريحات بولتون غير المسبوقة والحادة ضد إيران، بعد ظهر يوم الثلاثاء 25 سبتمبر (أيلول) الماضي، عقب خطاب روحاني، دليلاً على صحة موقفهم؛ إنهم يؤمنون بأن القوة لا توقفها إلا القوة فقط. أما بالابتسامات وإرسال إشارات بالموافقة على الانخراط في محادثات، فسيتجرأون ويتخذون مواقف أكثر حزمًا وقوة. بالإضافة إلى أنهم يعتمدون طريقة إدارة رونالد ريغان، الذي أراد في البداية قلب نظام الحكم في إيران، لكنه اضطر في النهاية إلى إرسال مك فارلین إلى طهران، رضوخًا للموقف الثوري لآية الله الخميني.
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد الأصوليون أن تقلص قدرة إدارة روحاني، على كل المستويات، وصل بالبلاد إلى حد من سوء الأحوال الاقتصادية، بحيث لا يكون للتصريحات الإيجابية أو السلبية، تأثير نفسي إيجابي أو سلبي، على السوق والاقتصاد الإيرانيين.
كما يعتقد الأصوليون كذلك أن ارتفاع سعر العملة الأجنبية، في الأيام الأخيرة، بعد كلام روحاني ودونالد ترامب، بالإضافة إلى تصاعد وتيرة المواقف الأميركية العدوانية المثيرة للجدل، يعكس عدم ملاءمة تصريحات روحاني ودبلوماسيته.
ويعتقد هذا التيار الأصولي أن الاقتصاد الإيراني يتجه نحو التفكك، لذا فقد آن أوان انتخابات رئاسية مبكرة، فيما يجهز هذا التيار نفسه لإعلان مرشحه المحتمل لرئاسة إيران، بشعارات ثورية.
ب- روحاني صوت للسلام يکسب مناصرين جددًا
يؤكد مؤيدو روحاني، في وسائل الإعلام، أنه يجب تقييم خطاب روحاني، بوصفه خطابًا مناوئًا للحرب، ويرون أن روحاني، بهذا الخطاب، الذي وصل بصوت إيران السلمي إلى العالم، أدى إلى اكتساب مناصرين جدد، لا سيما في أوروبا.
ج- الانتقادات المتطرفة لمعارضي روحاني
بصرف النظر عن الأصوليين، فإن أطيافًا من منتقدي النظام، وحتى من بعض الإصلاحيين الراديكاليين، يقيّمون تصريحات روحاني بوصفها شعارات وخيالات، وبعيدة عن واقع الدبلوماسية الحقيقية للنظام. كما يقولون إن كثيرًا من انتقادات روحاني للولايات المتحدة، سببها النظام الإيراني نفسه.
وقد انتقد روحاني الولايات المتحدة على خلفيات آيديولوجية، كما انتقد السياسيون الأميركيون سياسة طهران، وقالوا إن تاريخ الجمهورية الإسلامية أظهر أن إيران- على مدى أربعين عامًا- تعد واحدة من أكثر حكومات العالم آيديولوجية واستبدادًا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إيران تهاجم حكومة ترامب بوصفها تمارس انتهاكات ولا تحترم الالتزامات الدولية، في حين كانت جمهورية إيران الإسلامية، من الناحية الدبلوماسية، تنتهك- منذ زمن طويل- الأعراف الدبلوماسية، وقد بدأت ذلك مع أكبر عملية اختطاف دبلوماسي بعد عملية 1958، حيث بدأت الثورة الإيرانية الثانية بمثل هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان عندما كان المساعد السياسي لروحاني (أبو طالبي)، أحد الطلاب الذين هاجموا السفارة الأميركية، وحدث الأمر نفسه في حكومة روحاني بمهاجمة السفارة السعودية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الالتزامات الدولية، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والاجتماعية، الذي وقعت عليه الحكومة الإيرانية عام 1975، واعترفت به الجمهورية الإسلامية بعد الثورة، لا يتم تنفيذه عمليًا في كثير من الحالات، ويتم انتهاك كثير من الالتزامات فيه بشكل متكرر.
وترفض إيران منذ سنين، قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن التخصيب النووي، وبشكل أساسي، اعتبرت إيران أن هذه المؤسسات ألعوبة في يد القوى العظمى، وخاصة أميركا. كما رفضت إيران الانضمام إلى بعض الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية القضاء على التمييز ضد المرأة.
ويعد أحد الأخطاء الرئيسية التي ارتكبها مؤيدو الرئيس روحاني هو تأييد وتقدير خطاباته بسبب الدعوة للسلام. وبدلاً من معالجة أخطاء الرئيس وتحليلها وانتقاد خطاباته، فإنهم- رغم مرور خمس سنوات على انتهاء رئاسة محمود أحمدي نجاد- يقارنون رئاسة روحاني برئاسة نجاد. ومعيار أداء روحاني الصحيح عندهم يقيسونه بمدى بعده أو دنوه من سياسات نجاد.
النتيجة:
رغم أنه لا يمكن إنكار أن خطاب روحاني في الأمم المتحدة كان مختلفًا، حيث يستند إلى القانون الدولي، ويؤكد النهج السلمي للدولة، لكن لا يمكن أن نتجاهل أن تصريحاته، في كثير من الحالات، لا يمكن تجاهل ما بينها وبين سياسات وأداء نظام الجمهورية الإسلامية من فجوات، على الصعيدين الداخلي والدولي.
في الواقع، انتقد روحاني في الأمم المتحدة تصرفات كانت من أهم التوجهات الاستراتيجية والعملياتية للجمهورية الإسلامية.. إن وضع معايير لانتقاد الآخرين، وعدم وجود رغبة في اتباعها، من أهم أسباب ضعف الدبلوماسية الإيرانية التي لم يتم حلها حتى الآن.