لماذا تبدو الحرب بين واشنطن وطهران مستبعدة؟
زاد مستوى التوتر في علاقات واشنطن مع طهران بشكل مطرد، منذ العام الماضي. وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، زاد البيت الأبيض من حدة ضغوطه الاقتصادية والسياسية ضد إيران، ومع إرسال سفن حربية إلى المنطقة، أصبح الوضع- لا سيما بالنسبة لإيران- أكثر توترًا وإثارة للقلق عنه في الشهور الماضية.
في هذا السياق، ربما يكون أهم التساؤلات المطروحة هو: هل ستنخرط إيران في حرب؟
في الأسبوع الماضي، علق المرشد الأعلى على بعض ما يتم تداوله من تقييمات تفترض وقوع الحرب، قائلا: "لن تقع الحرب، نحن لا نسعى إليها، ولا الأميركيون؛ لأنهم يدركون أنها ليست في مصلحتهم".
لكن آية الله خامنئي يعرف جيدًا أنه لا يمتلك جميع العناصر الفعالة للدخول في حرب. وبعیدًا عن صقور البيت الأبيض أو بعض حلفاء الولايات المتحدة المناهضين لإيران، فإن هناك من یرحب بنزاع عسكري محدود أو یفکر فيه، لأسباب مختلفة، حتى في الجمهورية الإسلامية، وعلى وجه التحديد في الحرس الثوري.
هكذا، ومع البيانات المتوفرة حاليًا، لا يمكن لأحد أن يقول باستحالة وقوع الحرب، لكنني أعتقد أيضًا أن احتمال نشوبها أمر مستبعد للغاية، لأن:الهدف الرئيسي لترامب هو إجبار الحكومة الإيرانية على الوصول إلى اتفاق مع البيت الأبيض، إثر تصعيد الضغوط الاقتصادية، وتفاقم آثارها الاجتماعية والسياسية. وقد فرض ترامب أصعب القيود الاقتصادية على إيران؛ وهو نهج يستهدف تصفیر صادرات النفط الإيراني وعائداتها من النقد الأجنبي، وشل النظام الاقتصادي الذي يعتمد على عائدات النفط.
وكان مسؤولون أميركيون كبار قد قالوا إن العقوبات التي تفرضها واشنطن على إيران لا مثيل لها، ویری ترامب أن إجراءات حكومته الأخيرة دفعت بالاقتصاد الإيراني إلى "جمود غير مسبوق"، والنتيجة هي انخفاض متزايد في الإيرادات الحكومية وارتفاع في معدلات التضخم.
من الواضح، مع مثل هذه النظرة، أن البيت الأبيض سينتظر نتائج العقوبات ولن يسارع إلى التغيير.
في هذا السياق، يمكن فهم تصريحات روحاني، الأسبوع الماضي، التي وصف فيها الضغوط الاقتصادية والسياسية ضد إيران بأنها "حرب كاملة"، و"غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية الإسلامية".
وبالتالي، يبدو أن ترامب ورفاقه سينتظرون، حتى إشعار آخر، رد فعل الحكومة والمجتمع الإيراني على الضغوط الاقتصادية:
هل ستؤدي الأزمة الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة، والتضخم، والركود المتزايد، إلى احتجاجات اجتماعية وأزمات سياسية أم لا؟
وهل ستغير نواة الحكم الصلبة في الجمهورية الإسلامية من سياساتها الأساسية؟
وهل ستُحدث "مرونة بطولية" أخرى، أم لا؟
بعد أن تصبح الإجابات واضحة، قد ينظر البيت الأبيض في خيارات أخرى؛ بما في ذلك توجيه ضربة عسكرية محدودة لأهداف محددة.
ومن ناحية أخرى، يبدو أن مركز القوة في الجمهورية الإسلامية، ليس لديه أي حافز- ولو محدود- للحرب، في الظروف الحالية. ويبدو كذلك أنه يرى الحرب ضارة.
ورغم ذلك يجب التأكيد على أن التيار المتطرف، بتقييماته السياسية والأمنية الخاصة في الجمهورية الإسلامية، يعتقد أن "فوائد" مواجهة عسكرية محدودة مع الولايات المتحدة يمكن أن تكون أكثر من خسائرها. لكن یبدو أن التقييم السياسي والأمني لأصحاب المصالح والواقعيين والمعتدلين هو الذي يحكم الهيكل السياسي للسلطة في إيران حاليًا.
بعبارة أخرى، تدرك نواة الحكم الصلبة في إيران أنه حتى الصراع العسكري المحدود يمكن أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، وهو ما يمكن أن يهدد مصالح الكتلة الحاكمة؛ فأقل صراع عسكري بين إيران والولايات المتحدة، بغض النظر عن المخاطر الضارة للغاية من استمراره فترة طويلة، يمكن أن يؤدي بسرعة إلى تضخم بنسبة 100 في المائة، وبالتالي اختفاء السلع من المتاجر بشكل مفاجئ، وانخفاض حاد في قيمة العملة الوطنية، ونقص في السلع الأساسية، وإفلاس معظم البنوك، ومصاعب في دفع الرواتب، وعدم توفر تكاليف إدارة الدولة الحالية. وفي مثل هذه الحالة، لن يكون من الصعب التنبؤ بظهور احتجاجات اقتصادية واضطرابات وتمردات اجتماعية.
يحاول النظام الحاكم في إيران الاعتماد على احتياطيات النقد الأجنبي، وبيع النفط بأسعار أقل من السوق، والدعم المالي والتجاري الأوروبي، وتهريب البضائع عبر حدود طويلة وجغرافيا واسعة، والعلاقات السرية، خاصة مع روسيا والصين، وإدارة الآثار الاقتصادية للعقوبات الحالية واحتواءها، حتى نهاية حكومة ترامب، والتحايل على العقوبات؛ وهو الأمر الذي يرى ظريف أن بلاده حاصلة فيه على شهادة "الدكتوراه"، حسب تعبيره.
أخيرًا، ما يرفع من احتمال نشوب حرب بين واشنطن وطهران، هو عدم فاعلیة العقوبات في تغيير سلوك الجمهورية الإسلامية، وغياب انعكاساتها الاجتماعية والسياسية في المجتمع الإيراني.
وفي هذه الحالة، إذا لم يكن ترامب ورفاقه متأكدين من الفوز في الانتخابات القادمة واستمرار وجودهم في البيت الأبيض لمدة أربع سنوات أخرى، ربما وضعوا الخيار العسكري ضد إيران على جدول أعمالهم، في العام المقبل، وذلك في حال لم يتضاءل مستوى التوترات بين الولايات المتحدة وإيران بأي طريقة، بما في ذلك المحادثات غير المباشرة، أو المحادثات السرية، أو بعض الاتفاقات السياسية.
وحتى ذلك الحين، سيظل الوجود العسكري الأميركي المكثف في منطقة الخليج لمجرد التحذير واستعراض القوة. ومع ذلك، فإن حَشد الجيوش نفسه، سيؤدي إلى تفاقم حالة عدم الأمان النفسي والعقلي في إيران، وينشر حالة من عدم الاستقرار، ويزيد من أزمة الاقتصاد الإيراني، بالإضافة إلى ما سوف يفجره من اضطرابات في السوق، وجمود في الإنتاج، وزيادة في أعباء العقوبات.