مقصلة السلطة القضائية ضد نشطاء البيئة
كان الإعلان غير الرسمي الأخير للمحامين عن سجناء نشطاء البيئة، بتوجيه تهمة "الإفساد في الأرض" لموكليهم، مثار دهشة لدى الجميع، خاصة عندما أشار عباس جعفري دولت آبادي، مدعي عام طهران، بأنه يؤيد ذلك الاتهام، وذلك يوم الأربعاء الماضي 24 أكتوبر (تشرين الأول)، وهكذا يكون قد فتح فصلاً جديدًا من تلك التهم الموجهة من داخل السلطة القضائية.
أضف إلى ذلك، الغموض الذي يلف مقتل الناشط البيئي، فرشيد هكي، واشتعال النيران داخل سيارته، مما فتح أبعادًا جديدة للتهم الموجهة ضد نشطاء البيئة.
والآن يجب أن نرى لماذا وجهت السلطة القضائية مثل هذا الاتهام غير المسبوق ضد نشطاء البيئة؟
أ- الاتهامات الجديدة للسلطة القضائية
أشار عباس جعفري دولت آبادي، مدعي عام طهران، في حديثه حول هذا الموضوع، إلى أن التحقيقات في قضية نشطاء البيئة، انتهت قبل نحو عشرين يومًا، وأن من أُلقي القبض عليهم، تستروا بغطاء النشاط البيئي، وأنهم ذهبوا بالقرب من مواقع عسكرية، بهدف الحصول على معلومات استخبارية.
وقال مدعي عام طهران إنه بعد الانتهاء من التحقيقات توفرت معلومات جديدة لدى جهات التحقيق حول بعض هؤلاء المعتقلين، وباستكمال التحقيق تغيرت مواضيع التهم الموجهة إلى أربعة من المتهمين. كما أضاف أن تحديد نوع الاتهام هو من صلاحيات الأجهزة القضائية وجهات التحقيق، بمعنى أنه لا يمكن الاعتراض على المدعي العام ولا على المحقق.
كما أوضح المدعي العام لماذا تم توجيه تهمة الإفساد في الأرض لنشطاء البيئة المعتقلين، والذين كانوا قبل ذلك متهمين بالتجسس، مؤكدًا أنهم أضروا بحياة المواطنين، وارتكبوا جرائم ضد أمن البلاد داخليًا وخارجيًا، ونشروا الأكاذيب، وأخلوا بالنظام الاقتصادي، ونشروا مواد سامة، وأشاعوا الفوضى والفاحشة على نطاق واسع، وألحقوا الخسائر بالممتلكات العامة والخاصة.
ب: تناقض الاتهامات
خلافًا لادعاءات مدعي عام طهران، فقد وجهت تهمة الإفساد في الأرض، في السنوات الأخيرة، لنشطاء معروفين في مجال البيئة، وهي في الحقيقة من أكثر الاتهامات سخافة.
كما أن هؤلاء المتهمين ليسوا نشطاء بيئيين فحسب، بل إنهم- جميعًا- من أكثر النشطاء، في البلاد، في مجال البيئة، كما أن نشاطهم يحظى بتأييد منظمات المجتمع الدولي ذات الصلة، بالإضافة إلى التنسيق الكامل بينهم وبين منظمة الحفاظ على البيئة الحكومية، وهنا يبرز تناقض لافت، إذا ما تذكرنا الاتهامات التي وجهت خلال السنوات الأخيرة في مجال التواصل الاجتماعي من بعض المنتقدين والمعارضين- وحتى من صحيفة "كيهان"- لهؤلاء النشطاء، من أنهم يتربحون بحجة النشاط البيئي، وأنهم ليسوا نشطاء في مجال البيئة. رغم ما تراه وزارة استخبارات الجمهورية الإسلامية الإيرانية من أن أي تهمة بالتجسس لنشطاء البيئة لا أساس لها من الصحة.
إن التصريحات التي أدلى بها المدعي العام، بأن هؤلاء النشطاء اقتربوا، من مواقع عسكرية، تحت ستار النشاط البيئي، هي تصريحات عجيبة، فالمكان الطبيعي لهؤلاء النشطاء- سواء كانوا يهتمون بالحدائق الوطنية أو بالمحميات الطبيعية- هو الحياة البرية، خاصة وأن من أهم مجالات النشاط البيئي لهؤلاء المتهمين هو الحفاظ على حياة الحيوانات البرية، وبخاصة مشروع الحفاظ على الفهد الإيراني من الانقراض، لذلك من الطبيعي أن يكونوا موجودين في المحميات الطبيعية، وليس في المواقع العسكرية، أي أن على مدعي عام طهران أن يوضح: كيف وضعت الأجهزة الأمنية والعسكرية مؤسساتها داخل المحميات الوطنية؟
لقد تم تداول أخبار غير مؤكدة في مواقع التواصل الاجتماعي، عقب اعتقال هؤلاء النشطاء، من أن الجمهورية الإسلامية كانت قد استغلت المحميات الطبيعية لإخفاء مواقع عسكرية وأمنية ونووية، وأن ما عرّض هؤلاء النشطاء للاعتقال هو كشفهم لهذا، مما شكل تحديًا أمنيًا جديًا للقوى العسكرية، ولهذا السبب تم اعتقالهم، في حين كان رد فعل وزارة الاستخبارات وأيضًا مساعد رئيس الجمهورية يدل على أن هذا الأمر بعيد عن الحقيقة، كما أن وجود المؤسسات العسكرية والنووية داخل محميات طبيعية يرتب على طهران مسؤوليات دولية.
واللافت هنا أن تهمة الإفساد في الأرض بخصوص نشطاء البيئة، تم إعلانها في وقت قال فيه عيسى كلانتري رئيس منظمة الحفاظ على البيئة إن السلطة القضائية، لم تعط أية معلومات للمنظمة، بخصوص قضية النشطاء، كما أن الحكومة سبق وأن أعلنت أنها لم تؤيد اتهامات نشطاء البيئة بالتجسس.
ج: القضية الباقية بيد الأمن الموازي
تزامن الإعلان العلني عن اعتقال الحرس الثوري لنشطاء البيئة، مع إعلان مقتل كاووس سيد إمامي، الأكاديمي بجامعة الإمام الصادق، وهو إيراني- كندي، مات في زنزانة انفرادية داخل السجن، ما أثار ضجة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي شكلت مفاجأة للحرس والسلطة القضائية على حد سواء.
لقد بث أمن الحرس الثوري تقريرًا متلفزًا عن متهمين بالتجسس، بينهم أميركي مسن (85 عامًا)، دخل إيران قبل عشر سنوات، إبان حكم أحمدي نجاد، لرؤية شقيقته المسنة المقيمة في إيران، لوئيز فيروز، مربية خيول الخزر. تم تعريف الرجل بأنه ضابط عمليات، وخوفًا من تسريب الموضوع، رفضوا الإعلان عن اسم الموظف الأميركي، أما الجزء الكوميدي في الموضوع فهو أنه حتى السلطة القضائية لم تكن مستعدة للإقرار برأي وزير الاستخبارات، فيما يخص انتفاء تهمة التجسس في ملف القضية، ورغم ذلك قالوا إن وزارة الاستخبارات هي المسؤولة قانونيًا عن الأمور التي تخص التجسس في البلاد، في الوقت الذي يعلن فيه عيسى كلانتري، رئيس منظمة الحفاظ على البيئة، أنه ليست لديه أي معلومات عن هذه القضية.
يدل هذا السلوك المتناقض على أن القائمين على هذه الملفات يواجهون الآن قضية قتل فرشيد هكي، وسجن عدد من الأشخاص، وأنهم ليسوا قادرين على تقديم توضيحات مقنعة للمواطنين.
الاستنتاج:
يبدو جليًا أن الجهاز الأمني الموازي، كان يسعى لتحقيق أهداف من وراء هذا الموضوع، لكنه الآن يواجه مشاكل في إقناع الرأي العام، كما أن المتهمين حتى الآن لم يتمكنوا من الحديث بحرية مع محاميهم، في الوقت الذي يحاول فيه جهاز الاستخبارات الموازي إعطاء الموضوع طابعًا سياسيًا وأمنيًا، ليُظهر أن نشاط البيئة، كان مجرد ستار لنشاطات أمنية وسياسية، للتهرب من مراقبة الأجهزة الأمنية، غير أن تفاصيل القضية تؤكد صعوبة إقناع الرأي العام بهذا الأمر.
ويدل الفارق بين تفاصيل القضية والاتهامات الدعائية التي يطرحها أمن الحرس الثوري والسلطة القضائية، على فضيحة قضائية أخرى، تضاف إلى كثير من فضائح سابقة، مما يعيدنا إلى أحداث السبعينيات والثمانينيات. لكن الفارق الآن هو انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، مما عرقل تسويق مثل هذه الأفلام الدعائية التي لم تعد تجد أي مشترٍ، لا في الرأي العام، ولا حتى في مؤسسات النظام، ومن بينها المؤسسات الحكومية.