لماذا انكمشت موائد الإيرانيين؟
أظهرت آخر الأرقام الصادرة عن صندوق النقد الدولي انهیارًا کبیرًا في الناتج المحلي الإجمالي لإيران في عقد التسعينيات الشمسي. وفي الواقع، مرت نصف سنوات هذا العقد بالنمو الاقتصادي السلبي، وبشكل عام، تقلص الاقتصاد الإيراني بأكمله على مدى السنوات العشر الماضية. ويعد هذا الأمر هو المصدر الرئيسي للفقر المتزايد في المجتمع الإيراني، والذي تزداد کثافته ونطاقه بشکل ملحوظ، خاصة في النصف الثاني من عقد التسعينيات الشمسي.
القطار الذي تهالك
مرّ الاقتصاد العالمي بتغيرات كبيرة على مدى العقود الأربعة الماضية، كان أهمها ظهور القوى الاقتصادية الناشئة، خاصة في آسيا. في هذه السنوات الأربعين، تغيرت التجارة الدولية، وانضم عدد من دول العالم الثالث الفقيرة إلى صفوف مصدري السلع الصناعية، والأهم من ذلك أن مئات الملايين خرجوا من هاوية الفقر وأصبحوا ضمن الطبقة الوسطى.
وقد فشلت إيران في مواكبة الاتجاه العالمي لعدة أسباب، وعلى الرغم من الجهود المختلفة، فقد فشلت في التكيف مع عملية التحول الاقتصادي وتوفیر الظروف التي من شأنها أن تسمح للبلد، مثل العديد من البلدان النامية، بتوفير الأرضیة اللازمة لنمو اقتصادي مستدام، من خلال الاستثمار والتجارة وتسخير التكنولوجيا ونمو الإنتاجية. بمعنى آخر، سبحت إيران ضد التیار وفشلت في مواكبة "عولمة" الاقتصاد.
قبل الثورة الإسلامية، بین عامي 1961 و1976 میلادية، نما الاقتصاد الإيراني، بمعدل نمو سنوي قدره نحو 10 في المائة، وبالنظر إلی النمو السکاني، زاد نصيب الفرد الإیراني من الناتج المحلي بأكثر من ثلاثة أضعاف، مما جعل رفاهية الإيرانيين غير مسبوقة، وسجل "عصرًا ذهبیًا" في تاريخ البلاد الاقتصادي.
وبعد ثورة 1979، وإنشاء الجمهورية الإسلامية، تباطأ قطار النمو الاقتصادي في إیران، وأخذ یسیر بسرعة السلحفاة لسنوات عديدة، وتراجع بدلاً من المضي قدمًا، حيث انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إيران إلى النصف بنحو 50 في المائة بين عامي 1976 و1988 میلادية. وقد حدث هذا الانخفاض، بنسبة 50 في المائة، خلال 12 عامًا، في بلد مر بظروف الثورة والحرب.
في العقدين الثاني والثالث من الجمهورية الإسلامية، استمر الاقتصاد الإيراني في النمو بمعدل بطيء للغاية، وذلك قبل أن ينخفض إلى معدلات النمو السلبية مرة أخرى في العقد الرابع بعد الثورة.
وبشكل عام، يتقلب متوسط النمو في إيران، بعد أربعين عامًا من الثورة، وفي أحسن الأحوال، أقل من 2 في المائة سنويًا، (وذلك استنادًا إلى الإحصاءات الرسمية لجمهورية إيران الإسلامية)، في حين أن خطط إيران الخمسية للتنمية تستهدف معدل نمو بنسبة 8 في المائة سنویًا.
العقد الأسود في تاريخ الاقتصاد الإيراني المعاصر
سيتم تسجيل السنوات السبع منذ عام 2011 فصاعدًا، كعقد أسود في تاريخ الاقتصاد الإيراني المعاصر. فعند تقدير السجل الاقتصادي لهذه السنوات، فإننا نرصد فقط الناتج المحلي الإجمالي لإيران ومعدل نموها السلبي أو الإيجابي، حيث يعتمد تقييمنا على الإحصاءات الرسمية لصندوق النقد الدولي.
ووفقًا لهذه الإحصاءات، في الفترة الواقعة بین عامي 2011 و2019، مرت خمس سنوات منها بمعدلات نمو سلبية. بالطبع، الإحصائيات المتعلقة بعام 2019، تعتمد علی التوقعات، في الغالب، ولكن بناءً على ما يجري في البلد، فإنها ليس مبالغًا فيها، علی الإطلاق، بل تبدو متفائلةً:
عام 2012: سلبي 7.7 في المائة
عام 2013: سلبي 0.3 في المائة
عام 2015: سلبي 1.6 في المائة
عام 2018: سلبي 3.9 في المائة
عام 2019: سلبي 6 في المائة
وقد تراوحت معدلات النمو الإيجابي للاقتصاد الإيراني في السنوات الأخرى من هذه الفترة الزمنیة، بين 2 في المائة و5 في المائة، باستثناء عام 2016، حيث حققت إيران نموًا اقتصاديًا بنسبة 2.5 في المائة، وذلك ببساطة، بسبب إبرام الاتفاق النووي، حیث تمکنت البلاد من تصدير النفط، وتحقیق قفزة في عائدات التصدير، ورفع معدل النمو، بشکل مصطنع مقارنةً بالعام السابق.
في هذه السنوات، مع معدلات النمو المذكورة أعلاه، انخفض الناتج المحلي الإجمالي لإيران من 577 مليار دولار في عام 2011 إلى 495 مليار دولار في عام 2019. بمعنى آخر، في نهاية هذه الفترة، انخفض إجمالي الإنتاج السنوي للسلع والخدمات، والذي يمكن اعتباره ثروة مولدة في البلاد، خلال فترة عام واحد، إلى 82 مليار دولار، مقارنةً ببداية هذه الفترة. خلال هذه الفترة، أي من عام 2011 إلى عام 2019، تضاعف الناتج المحلي الإجمالي لفيتنام تقريبًا وزاد من 135 مليار دولار إلى 260 ملیار دولار سنويًا. وفي نفس الفترة، رفع الصينيون ناتجهم المحلي الإجمالي من 7 آلاف ملیار و520 مليار دولار إلى نحو 15 ألف مليار دولار. وحققت بلدان أخرى، مثل كوريا الجنوبية والهند وإندونيسيا، من خلال معدلات نمو عالية، حققت نتائج رائعة من حيث نمو إجمالي الناتج المحلي.
ولكن هذا ليس كل شيء؛ فإذا قسمنا الناتج المحلي الإجمالي علی السكان الإيرانيين، فإن مصدر انكماش مائدة الشعب يصبح أكثر وضوحًا في السنوات الأخيرة. فخلال هذه الفترة، كما قيل، انخفض إجمالي الناتج المحلي لإيران بمقدار 82 ملیار دولار، ولكن في الوقت نفسه، ووفقًا لآخر إحصائيات الأمم المتحدة، زاد عدد سكان البلاد من 74 ملیونًا و365 ألفًا إلى 83 ملیون نسمة. بمعنى آخر، في الفترة ما بين عامي 2011 و2019، تمت إضافة 9 ملايين و358 ألف نسمة إلى السكان الإيرانيين.
وإذا شبهنا الناتج المحلي الإجمالي بالمائدة، فيمكننا القول إنه خلال هذا العقد، تقلصت مائدة الإيرانيين، لكن عدد الأشخاص الذين يجلسون على المائدة زاد بأكثر من 9 ملايين نسمة، مما أدى إلى انخفاض حصصهم. بالطبع، هذا في حال كان الجميع يحصلون علی حصص متساویة من هذه المائدة. ونحن نعلم أن هذا ليس هو الحال. وعندما تصبح المائدة أصغر، فإن أول ضحاياها هم الفئات المحرومة في المجتمع. وعلى افتراض المساواة المطلقة، فقد انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إيران من 7730 دولار في عام 2011 إلی 5762 دولار في عام 2019، أي: ازداد الفقر لدی کل إیراني بمعدل 1968 دولار سنویًا.
وبالنظر إلى الفوارق الاجتماعية الحادة في إيران، فمن نافلة القول إن انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من المرجح أن يثقل كاهل الفئات ذات الدخل المنخفض، بل ويدفع جزءًا كبيرًا من الطبقة الوسطى إلى ما دون خط الفقر، ففي تقرير بعنوان "سياسة الحماية، بدلاً من العملة التفضيلیة" الذي صدر في مايو (أيار) الماضي، كتب مركز أبحاث البرلمان: "بينما في عام 2017، كان نحو 2 في المائة من سكان البلاد تحت خط الفقر المطلق، فإنه بحلول نهاية عام 2018، كان نحو 2 إلى 5 في المائة تحت خط الفقر". وإذا اعتمدنا تقییم مرکز أبحاث البرلمان، ففي العام الحالي، وبالنظر إلى تفاقم الركود، قد تتجاوز نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر في البلاد 5 في المائة.
كما أن صندوق النقد الدولي، في أحدث إحصائياته، غير متفائل بشأن النظرة الاقتصادية لإيران، ويتوقع أن يتراوح النمو الاقتصادي في البلاد بين 0.2 في المائة إلی 1.1 في المائة، في الفترة من 2020 إلى 2024. حيث سيتم تعويض معدلات النمو المنخفضة هذه بالنمو السكاني، وإذا لم تتغير الأمور، فستنکمش مائدة الإیرانیین أکثر من ذي قبل.