نهب الممتلكات العامة وبيعها في المزاد.. أهم أولويات النظام الإيراني
ما زال المسؤولون الإيرانيون منذ أربعين عامًا يعيدون مواعظهم على الشعب الإيراني والعالم حول الاستقلال والروحانیة والعدالة والقيم الإنسانية الأخرى؛ حيث يعرّفون أنفسهم ومدرستهم الفكرية بأنهم النموذج الحق للأخلاق، غير أن الواقع مختلف تمامًا.
الفصائل السياسية في البلاد مختلفة فيما بينها في الرأي والعمل، لكنها تتقاطع جميعًا حول قضية واحدة؛ هي: الحصول على مكاسب أكثر بأي قيمة، وسرقة الأموال العامة وإنفاقها في مخططات التوسع أو منحها على شكل امتيازات خاصة لا يمكن تسميتها سوى الفساد وإهدار المال العام.
الحكومة الإيرانية تحاول الحصول على مصادر مالية بأي طريقة بسبب العقوبات وتراجع الإيرادات، واليوم بدأت بسرقة الموارد العامة وإنفاقها في أماكن أخرى ذات أولوية بالنسبة لنظام إيران، مثل إرسال العملة الأميركية والأوروبية إلى حماس، وحزب الله، والحوثيين، والحشد الشعبي، وحكومة بشار الأسد، بالإضافة إلى شراء السياسيين الفاسدين في لبنان والعراق وسوريا واليمن. حتى في الوقت الذي تضغط فيه العقوبات على الميزانية، لم تتراجع امتيازات الطبقة الحاكمة في إيران، بل زادت. والنموذج الأوضح هو تمويل المؤسسات الدينية في ميزانية السنة المقبلة، كما يلي:
سنذكر بعض النقاط التي تشير إلى أين يمضي المسؤولون في النظام الإيراني لكسب المزيد من الأموال، من تجاوز مزاعمهم حول البرنامج النووي، إلى اختفاء أموال الشركات الحكومية، ونهب الإعانات التي وعدوا بها الفقراء، وانتهاءً بسرقة المتقاعدين وبيع الممتلكات العامة في المزاد العلني.
أين هي المياه الثقيلة؟
أعلن حسن روحاني في اجتماع مجلس الوزراء يوم 8 مايو (أيار) الماضي أن إيران لن تلتزم مستقبلاً بتنفيذ تعهدين لها ضمن الاتفاق النووي؛ الأول هو بيع الماء الثقيل، والثاني هو بيع اليورانيوم المخصب إلى دول أخرى. وصرح روحاني وقتها: "سنوقف إجراءين من التزامات إيران في الاتفاق النووي، وهذا يعني عدم التزامنا ببيع اليورانيوم المخصب أو الماء الثقيل، منذ اليوم".
ورغم فرض أميركا لعقوبات جديدة في ديسمبر (كانون الأول) 2019 على عملاء المياه الثقيلة في إيران إلا أن المفتشين الدوليين كشفوا عن بيع إيران للمياه الثقيلة 4 مرات منذ مايو (أيار) حتى الآن، لعملاء مجهولين.
وقد رفضت إيران بيع الماء الثقيل كخطوة في خفض مستوى التزامها بالاتفاق النووي، بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق وعجز الأوروبيين عن إنشاء آلية تعويضية للتبادل التجاري مع إيران. کما أن مصير اليورانيوم المخصب الذي كان من المفترض أن يبقى في إيران أصبح مجهولاً.
ما سبب الخسائر ومن يدفعها؟
أعلن رئيس المحكمة العليا لمراجعة الحسابات أن الشركات المملوكة للدولة أصبحت خاسرة، وبدأت تنفق من أصولها المتداولة، موضحًا: "في السنة الماضية، توقع المراقبون تسجيل خسارات للشركات الحكومية بمقدار 3.304 مليارات، وفي الواقع تم تسجيل خسائر بمقدر 53.746 مليار تومان".
والسؤال هنا: ما سبب هذه الخسائر (نحو 12 مليار دولار بسعر الصرف المركزي و4.5 مليار
دولار بسعر السوق الحرة)، كيف حدثت هذه الخسائر؟ ولو أن الشركات الحكومية توقفت عن العمل ودفعت فقط رواتب موظفيها لا يمكن أن تسجل كل هذه الخسائر، إلا إذا دمرت مرافقها وأملاكها.
يقدر عدد العاملين في الشركات الحكومية بنحو 436 ألف موظف، إذا تقاضى هؤلاء الأفراد ما يعادل 5 ملايين تومان شهريًا أي 60 مليونا سنويًا، فعندها يتوجب على الحكومة دفع كل رواتبهم بما يقارب 26 ألف مليار تومان سنويًا، وهو أقل من نصف الخسائر المعلن عنها في الشركات الحكومية، وعلى افتراض أن جميع العاملين في هذا القطاع ظلوا في منازلهم يشربون الشاي طوال العام، فإن خسارة الشركات الحكومية لن تصل إلى 53 مليار تومان.
وفي العامين الماضيين أيضًا سجلت الشركات الحكومية خسارات وصلت إلى 36 ألف مليار تومان نهبتها الحكومة.
أين ذهبت عائدات رفع سعر البنزين؟
وعدت حكومة روحاني، أثناء الإعلان عن مضاعفة سعر البنزين الحر ثلاث مرات، وزيادة سعر البنزين المقنن 50 في المائة، بأن تخصص كل هذه الإيرادات الناتجة عن رفع الأسعار، إلى الفئات ذات الدخل المنخفض، لكنها لم تفعل.
ووفقًا لمصادر داخلية فإن نصف هذه الإيرادات من إجمالي حصص البنزين خصصت لفئة ضعيفي الدخل، أي بمقدار 29 ألف مليار تومان. ومن الواضح أن سعر البنزين كان لتعويض العجز الحكومي، وليس الترشید في استهلاك البنزين أو زيادة دعم الفقراء.
السرقة العلنية من المتقاعدين
تقدر ديون الحكومة للمعاشات التقاعدية 220 إلى 250 ألف مليار تومان (20 مليار دولار بسعر السوق الحرة، وأكثر من 50 مليار دولار بسعر الصرف الحكومي).
وبالنظر إلى الزيادة غير المسبوقة في الدين الحكومي لصندوق المعاشات التقاعدية، فقد وصلت الأوضاع إلى ظروف حرجة جدًا.
استمرار وضع الممتلكات العامة في المزاد العلني
عملیة خصخصة الممتلكات الحكومية تكون كالتالي: تقوم الحكومة بمنح الممتلكات العامة بسعر منخفض جدًا لبعض أعضاء الطبقة الحاكمة وأقاربهم من أجل الحفاظ على ولائهم (حيث يمنح قسم منها لرجال الدين والاحتفالات الدینیة، وبيت المرشد الإيراني).
لكن هؤلاء لا يرغبون في دفع الضرائب، ودفع رواتب العمال، ومحاولة تسويق المنتجات محليًا ودوليًا، وعليه يبدأون في بيع ممتلكات الشركة، وفي النهاية، بعد الإفلاس، يبيعون أرض الشرکة أيضًا. في غضون ذلك، لا تدفع مستحقات العمال لمدة ثلاث إلى خمس سنوات، وفي نهاية المطاف يتم تسريحهم، وهناك أمثلة كثيرة مشهورة على هذه العملية كشركة "همراه أول"، و"إيران إيرتور"، ومصنع "هفت تبه" لتكرير السكر، وسهل "مغان"، وأيضًا مصنع "هيبكو"؛ حيث تصدرت هذه الأسماء الأخبار في إيران.
أيضا في العام القادم، من المتوقع أن تباع مجموعة من الممتلكات العامة بسعر بخس يصل إلى 50 ألف مليار تومان.
وقد استمرت هذه العملية خلال السنوات الأخيرة، وفقًا للمحكمة العلیا لمراجعة الحسابات فقد تم بيع شركة نفط "كرمانشاه" التي تبلغ قيمتها الحقيقية 617 مليار تومان مقابل مبلغ قدره 199 مليار تومان فقط، أي أقل من ثلث قيمتها الحقيقية. كما تم بيع شركات "المهدي"، و"هرمزال للألومنيوم" بمبلغ 914 مليار تومان، بينما تم اكتشاف أصول جديدة لها بعد الخصصة بقيمة 346 مليار تومان لم يتم تضمينها في عملية الخصخصة. كما بلغت القيمة الحقيقية لشركة "مغان" للأعمال الزراعية 4 آلاف مليار تومان، في حين تم بيعها بمبلغ 1850 مليار تومان. فيما تم تسعیر شركة "تبريز لتصنيع السيارات" بمبلغ 611 مليار تومان في عام 2017. ولكنها بيعت حسب تقييمها قبل عامين.
من خلال النماذج الواضحة أعلاه، يمكن استنتاج أن الطبقة الحاکمة فقدت كل مصادر تمويلها، ولملء هذا الفراغ تتخذ كل إجراء ممكن للحصول على إيرادات دون أن تقلص من نفقات الحكومة.
يبدو أن برامج النظام غير قابلة للتغيير، وعليه فإن النظام سيمارس ضغوطه على الشعب أكثر ليحافظ على وجوده، وهذه الضغوط تقع على الطبقات المسحوقة مثل المتقاعدين، والعمال، وأصحاب المعاشات، والعاملين في القطاع الحكومي.