أميركا و"محور الشر".. تهديد قديم ودبلوماسية جديدة
أُدرجت إيران مرة أخرى في "محور الشر"، ولكن هذه المرة بأساليب حديثة وبأشكال مختلفة. وبرر جون بولتون، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، يوم الخميس الماضي، هدف أميركا، بالضغط لإخراج جميع القوات الإيرانية من سوريا، ولكنه أضاف بتحفظ، قائلا: "طبعًا هو هدف لا يمكن تحقيقه بسهولة".
وقد تم تداول مصطلح "محور الشر" أول مرة يوم 29 يناير (كانون الثاني) 2002 في خطاب مشهور للرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش، يخاطب تلك الدول التي شكلت، حسب قوله، "محورًا للشر، ويهددون السلام العالمي". وكان يقصد بذلك كلا من العراق، وإيران، وكوريا الشمالية.
كان بوش قد اتهم هذه الدول الثلاث بتسليح نفسها بأسلحة الدمار الشامل، وتشكيل ما عُرف بـ"محور الشر"، وكان يطالب بنزع سلاح هذه البلدان، سواء عبر الهجوم العسكري أو أي وسيلة أخرى.
وقد تم هذا تمامًا بعد الهجوم العسكري على أفغانستان، من أجل التصدي لتنظيم القاعدة وطالبان، في المناطق التي كانوا يوجدون فيها، حيث تم القضاء على المخططين الأساسيين للهجوم على الأراضي الأميركية وعلى مركز التجارة العالمي، يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وفي الوقت نفسه تم إسقاط نظام طالبان.
لقد تم الهجوم على أفغانستان، بهدف ملاحقة الإرهابيين، ومحاربة الإرهاب، ولا تزال منطقة الشرق الأوسط متضررة منه بعد مرور 17 عامًا على هذا الهجوم، لكن المنطقة كانت تشهد دبلوماسية جديدة.
وانطلاقًا من ذلك، اختير العراق ليكون هدفًا آخر. ودون الخوض في أسباب بوش وغاياته من ذلك الهجوم، يمكننا الحديث حول إيران وكوريا الشمالية، فقد ظل كل من هذين البلدين بمنأى عن الشر، ولكنهما لم يغيرا سلوكهما.
وخلال الـ17 عامًا الماضية، ومنذ هجوم بوش على أفغانستان، وصل إلى السلطة رئيسان أميركيان. وفي المرحلة الثانية من رئاسة أوباما، تم في نهاية المطاف اتفاق بين الغرب وإيران، استطاعت من خلاله أن تطيل أمد اختلافاتها حول إشكالية الملف النووي، إلى أن تم التوصل في النهاية إلى اتفاق 14 يونيو (حزيران) 2015.
أُجبرت الحكومة الإيرانية- عبر التهديد بالهجوم العسكري والعقوبات- على أن تتوصل في النهاية إلى الاتفاق، وأن تقبل بالجلوس إلى طاولة المباحثات، حيث كان الإيرانيون يريدون أن يكون الاتفاق حول البرنامج النووي فقط، وأن يساعد على رفع العقوبات الأميركية وعقوبات الأمم المتحدة، وأن يتم تطبيع علاقات إيران مع المجتمع الدولي.
إلا أن هذه الورقة سرعان ما عادت بسرعة، مع دخول ترمب إلى البيت الأبيض عام 2016، حيث قرر أنه لا بد أن يحل المشكلات مع إيران أيضًا.
دائما ما كان ترمب ينتقد السلوك الإيراني إقليميا، بسبب تدخلاتها في دول المنطقة ومشاركتها في حروب عصابات في العراق وسوريا، لكنه كان دائما أيضا ما يرغب في التواصل معها.
ترى هل يريد ترمب استخدام الوسائل الموجودة بحوزته من أجل التغيير النهائي، وهو العمل الذي كان بوش قد عجز عن إنجازه، لم يعد التهديد العسكري جزءا من البدائل، التهديد الذي كان في عهد أوباما على الدوام موجودًا على طاولة المباحثات هو اللعنة الشيطانية التي استخدمت من قبل بوش، أما الآن فالعقوبات التي يريد ترمب تفعيلها، تبدو من وجهة نظره أنها قد استخدمت أكثر من البدائل الأخرى.
أما مستشار الأمن القومي الجديد لترمب، فهو شخص لا يستطيع الإيرانيون إخفاء انزعاجهم منه، فهو رجل أعلن عداءه للجمهورية الإسلامية الإيرانية علنًا، عندما كان سفيرًا لأميركا في هيئة الأمم المتحدة، في الفترة الواقعة بين عامي (2005–2006).
إن رؤية الصورة العابسة لجون بولتون، بوصفه مستشارًا للأمن القومي الأميركي، تثير الفزع والخوف بين صفوف متطرفي طهران، وهذا يعني أن هذه الوجوه انتبهت إلى جدية عواقب رفض التفاوض مع أميركا.
إن مشاركة بولتون في إدارة ترمب، تعد إحدى وسائل الضغط التي يسعى إليها الرئيس الأميركي، وبعد المرحلة الأولى من العقوبات (تسمى العقوبات البسيطة والناعمة) التي أوجدت الكثير من الأزمات الاقتصادية، يرجح أن تكون المرحلة الثانية من العقوبات أشد وطأة، وهي المرحلة التي سوف يبدأ العمل بها في 4 نوفمبر (تشرين الثاني)، وعندها ربما يشعر الإيرانيون بمدى تأثيرها المدمر على الاقتصاد الإيراني المنهار.
آية الله خامنئي، مرشد نظام الجمهورية الإسلامية، أعلن معارضته لأي نوع من المفاوضات مع الحكومة الأميركية الحالية، وصرح لشعبه بعدم وقوع أي حرب أو مجابهة عسكرية معها.
لقد كان خامنئي صادقًا، عندما قال "ليست هناك حرب"، لماذا؟ اليوم لن يفكر أي شخص بمهاجمة إيران، لأن الدبلوماسية الأميركية اليوم تختلف عما كانت عليه في عهد بوش، كما أن العقوبات من شأنها أن تمارس الضغط على المواطنين بحيث يضطرون راغبين وهم فقراء، للوقوف بوجه حكامهم.
ومن أجل الحيلولة دون وقوع مثل هذه المجابهة الداخلية، فإن طهران مضطرة للتفاوض مع واشنطن، لكن هذا ما يرفضه مرشدها في الوقت الراهن.
لقد خاطب جون بولتون الصحافيين، لكنه في الحقيقة كان يخاطب حكام إيران، قائلاً: "بات واضحًا أن العقوبات في طريقها إلى العودة وهي ذات تأثير".