عودة إيران إلى القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي.. تبعات ورسائل
بعد ما يقرب من 4 سنوات من الصراع الممل بين الفصائل المتناحرة داخل نظام الجمهورية الإسلامية، حول قبول أو عدم قبول طلبات مجموعة العمل المالي (FATF)، توصلت هذه المؤسسة الدولية القوية أخيرًا إلى أن إيران لا ترغب حاليًا في الامتثال للقوانين الدولية المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والجريمة المنظمة الدولية.
والنتيجة المنطقية لهذا الموقف هي عودة الجمهورية الإسلامية إلى القائمة السوداء لـ"مجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية" والتي ستُخضع إيران لسلسلة من التدابير المضادة من جانب الدول الأعضاء والدول الشريكة في هذه المؤسسة.
وعليه ستتعرض الأجواء الدولية لإيران إلى توترات مختلفة، وخاصة العقوبات الأميركية، وبالتالي ستؤثر التحديات الجديدة على جميع مؤشرات الاقتصاد العام والحياة المعيشية للمواطنين.
القلقون والعمليون
"مجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية" هي منظمة دولية أنشئت عام 1989 في اجتماع للدول الصناعية السبع الكبرى الغربية، لمكافحة غسل الأموال (تحويل العائدات لصالح أنشطة إجرامية بظاهر قانوني) ثم توسع نطاق عملها ليشمل مكافحة تمويل الإرهاب.
تضع هذه المنظمة الدول من حيث صياغة وإنفاذ القوانين المقبولة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، في أربع قوائم، هي:
- خضراء (ليس لها مشاكل)
- رمادية (متعاونة لكن لديها مشاكل)
- حمراء (غير متعاونة)
- سوداء (غير متعاون وتخضع لتدابير مضادة)
لا يتم حرمان أي بلد مدرج في القائمة السوداء من خدمات جزء كبير من البنوك والمؤسسات المالية الأجنبية فقط، بل يتعرض هذا البلد أيضًا لسلسلة من التدابير العقابية التي أوصت بها "مجموعة العمل المعنية بالإجراءات المالية" في الدول الأعضاء، والمتعاونة مع المنظمة.
في عام 2007، تم إدراج إيران في القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي إلى جانب كوريا الشمالية. ولكن في عام 2016، وفي ضوء المبادرات الإيجابية التي اتخذتها الجمهورية الإسلامية، أبدت المنظمة أيضًا مرونة ودعت الدول الأعضاء فيها والمنظمات الشريكة إلى اتخاذ تدابير بالمثل مع إيران، وأوقفت إدراجها في القائمة السوداء لمدة اثني عشر شهرًا. بمعنى آخر، تم حذف إيران مؤقتًا، في انتظار مزيد من المستجدات.
من وجهة نظر "FATF"، فإن حذف إيران نهائيًا من القائمة السوداء يتطلب تعديل قانونين، والانضمام إلى اتفاقيتين: قانون مكافحة غسل الأموال، وقانون تمويل مكافحة الإرهاب، واتفاقية الجريمة المنظمة عبر الوطنية (باليرمو)، والانضمام إلى اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب (CFT). مر النصان الأولان بمراحل مختلفة وأصبحا قانونين. ولكن لم تنجح إيران بتوقيع الاتفاقيتين (باليرمو، وCFT)، بعد أن وقعتا في متاهة من النزاعات والمنافسات بين التيارات، وفي نهاية المطاف رفضها مجلس تشخيص مصلحة النظام، بسبب شلل جهاز صنع القرار في إيران.
على مدى ما يقرب من أربع سنوات، تنوع النزاع حول هاتين الاتفاقيتين تحت نظر مجموعة العمل المالي، وشهد الكثير من الصعود والهبوط.
ولتبسيط ما حدث، يمكن تقسيم طرفي الاشتباك إلى اتجاهين:
الأول: توجه عملي، ويشمل عددًا كبيرًا من مسؤولي حكومة روحاني، لا سيما في وزارة الخارجية والبنك المركزي ومنظمة الشؤون الاقتصادية والمالية.. من وجهة نظرهم، فإن قبول طلبات مجموعة العمل المالي لا يحل بالطبع جميع المشكلات الاقتصادية في البلاد، ولكن عدم قبولها سيجعل الوضع الإيراني أسوأ مما هو عليه، ولا سيما إضعاف موقف إيران أمام العقوبات الأميركية.
الثاني: يتمثل في أولئك المقربين من مركز السلطة في الجمهورية الإسلامية، والحريصين عليها، وقد عارضوا بشدة مطالب مجموعة العمل المالي باسم حماية الثورة والحفاظ على الجمهورية الإسلامية.
من وجهة نظر هذا الاتجاه، إذا انضمت إيران إلى الاتفاقيتين الخاصتين بمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية (باليرمو) ومكافحة تمويل الإرهاب (CFT)، فسيؤدي ذلك إلى "عقوبات ذاتية"، وستكون جميع الشبكات المالية داخل البلاد تحت إشراف دولي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الانضمام إلى اتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب سيمنع الجمهورية الإسلامية من مساعدة المنظمات والجماعات المتحالفة معها في الشرق الأوسط، من حزب الله، إلى حماس الفلسطينية، وغيرهما من المنظمات التابعة لها في العراق وغيره.
تشاهد مجموعة العمل المالي هذا الصراع منذ ما يقرب من أربع سنوات، وفي انتظار القرار النهائي مددت تعليق إدراج إيران على قائمتها السوداء ست مرات. وفي النهاية وصلت هذه المرونة إلى اللحظة الأخيرة عندما تبين أن العمليين خسروا، وربح الحريصون على نظام الجمهورية الإسلامية. وصدر القرار النهائي لمجموعة العمل المالي، أول من أمس الجمعة، 21 فبراير (شباط).
کابوس جدید على الاقتصاد الإيراني
تُبين جميع الأدلة أن الموعد النهائي السادس لإيران للامتثال لمتطلبات اتفاقية التجارة الحرة لن يتم تمديده بعد الآن. ومع ذلك، کان بعض كبار المسؤولين في إیران يأملون في أن تؤدي جهودهم للضغط علی أعضاء مجموعة العمل المالي، وخاصة بالاعتماد على الصين وروسيا، مرة أخرى؛ إلى منع إدراج إیران في القائمة السوداء لهذه المؤسسة.
لقد تبدد هذا الأمل، وقامت "FATF" بإدراج إيران في قائمتها السوداء، إلى جانب كوريا الشمالية.
ومع ذلك، هناك العديد من الاختلافات بين إيران وكوريا الشمالية، فالهياكل الاقتصادية لكوريا الشمالية وتفاعلاتها الاقتصادية الداخلية جعلت هذا البلد مقاومًا، إلی حد کبیر، في مواجهة العقوبات الدولية.
وفي الواقع، يعتمد النظام السياسي لبيونغ يانغ على اقتصاد منغلق للغاية، مع تركيز نحو 90 في المائة من تجارتها الدولية على الصين. بمعنى آخر، لا يمكن أن يكون للعقوبات الدولية تأثير كبير على كوريا الشمالية.
لکن إيران تعتمد اعتمادًا كبيرًا على التجارة الدولية، حيث إن معظم مواردها من العملات الأجنبية (في غیاب العقوبات) مستمدة من بيع النفط في السوق الدولية، وتوفر حصة كبيرة من السلع المطلوبة، (بما في ذلك الطعام) من الخارج.
وفي هذا السياق، يعتمد الاقتصاد الإيراني اعتمادًا كبيرًا على البيئة الدولية ويتأثر بالضغط الخارجي.
كيف يمكن لمجموعة العمل المالي أن تمارس ضغوطًا على إيران لعدم قبولها لوائح غسل الأموال وتمويل الإرهاب؟
توصي هذه المنظمة الدول الأعضاء والدول الشريكة باتخاذ سلسلة من الإجراءات العقابية ضد إيران، ويتركز الكثير من الإجراءات المضادة على العملية المعروفة باسم "التحقق".
كما تجدر الإشارة إلی أن جميع البلدان تتم مراقبتها في التبادلات الدولية، وتتضاعف عملية الرصد هذه بالنسبة للبلدان الشاذة (المدرجة في القائمة السوداء). وهذا يعني أنه من الآن فصاعدًا، سيخضع أي تبادل تجاري مع إيران لرقابة أشد وأوسع من المعتاد.
من ناحية أخرى، ستكون هناك رقابة أكبر على الشركات المالية الأجنبية العاملة فيما یتعلق بإيران أو داخل إيران. وستتعرض الشركات والبنوك القليلة التي ما زالت موجودة في إيران لضغوط أكبر.
بالنظر إلى هذه الضوابط الصارمة، فإن العديد من الشركات والبنوك، حتى تلك التي لم تتأثر بشدة بالعقوبات الاقتصادية الأميركية، قد تمتنع من الآن فصاعدًا عن التجارة مع إيران.
وبعبارة أخرى، فإن المنافذ في آسيا أو المجاورة لإيران (مثل العراق وتركيا) التي سمحت لإیران حتى الآن بإبطال مفعول بعض العقوبات الأميركية، سيتم إغلاقها الآن تحت ضغط اتفاقية التجارة الحرة.
ولكن الاجتماع الذي انعقد يوم 21 فبراير (شباط) الحالي، لمجموعة العمل المالي، بالإضافة إلى تبعات قرار الاجتماع على إيران، كانت له رسالتان رئيسيتان لطهران:
الرسالة الأولى تدور حول القوى التي كانت تعول علیها إیران في السياسة الدولية، حيث ترأس جمهورية الصين الشعبية الجولة الأخیرة من اجتماع "FATF" في باريس، وکانت طهران تأمل في الحصول علی مهلة جدیدة، وعدم الإدراج في القائمة السوداء، من خلال الاعتماد على هذه القوة، وكذلك روسيا.
لقد تبدد هذا الأمل واتخذ بالإجماع قرار إعادة إدراج إيران في القائمة السوداء. ونقل المجتمع الدولي، مرة أخرى، هذه الرسالة إلى قادة الجمهورية الإسلامية بأن الدول تدافع عن مصالحها وتنتهك في أي وقت تحالفها مع إيران، إذا لزم الأمر.
لكن الرسالة الثانیة التي أرسلتها "FATF" إلى إيران في بيان اجتماع باريس تفتح الباب أمام المستقبل، ففي الواقع، أعاد اجتماع 21 فبراير (شباط) إيران إلى القائمة السوداء، لكنه وفر بعض المرونة لإیران. وبالتالي سوف يتمتع أعضاء "FATF" ببعض حرية الاختيار في هجومهم المضاد على إیران وقد يُسمح لهم بتنفيذ هذه الإجراءات وفقًا لمصالحهم ومتطلباتهم الاقتصادية.
من ناحية أخرى، تقوم "FATF"- بالإضافة إلی إعادة إیران إلى القائمة السوداء- بإرسال رسالة إلى طهران بأنه يمكنها الخروج من القائمة السوداء، من خلال تغيير سلوكها وقبول متطلبات هذه المنظمة، بما في ذلك اتفاقيات "باليرمو"، و"CFT".