"مقتل" القاضي الهارب.. والبحث عن جناة خلف الكواليس
بعد مصرع القاضي الهارب غلام رضا منصوري في رومانيا، لا يمكن العثور على شخص واحد تقريبًا لا يعتبر هذه الوفاة "مشبوهة". بل إن كبار المسؤولين في النظام الإيراني لم يعتبروا موته المفاجئ- بعد ملاحقة الشرطة الدولية له- انتحارًا.
وحتى الآن، كانت هناك ثلاث فرضيات حول المصير المشؤوم الذي تحقق للقاضي منصوري. هذه الفرضيات الثلاث هي: الانتحار طواعيةً، أو قتله، أو افتعال الموقف من أجل إخفائه.
في الحالتين الأخيرتين، يبدو أن أصابع الاتهام تُوجَّه إلى النظام الإيراني أكثر من أي جهة أخرى. فلو أن محاکمة القاضي منصوري تمت في المحكمة، لكان أول مسؤول قضائي بلباس ديني يجيب عن أسئلة مهمة حول قضية اختلاس داخل السلطة القضائية. ولو تمت محاکمته في محكمة رجال الدين الخاصة (مثلما يجري طوال هذه السنوات)، لزادت الشكوك حول قضية فساده، وذلك لأن جلسات هذه المحكمة غير علنية، ولو تمت محاكمته بشكل علني مثل محاكمة أكبر طبري، فإن لديه كنزًا من أسرار الفساد بالسلطة القضائية، وقد يورط معه أسماء کبيرة في هذا المستنقع.
ومع ذلك، فإن إزالة هذا المخزن من الأسرار (كما حدث مع سعيد إمامي) من قِبل أولئك المتضررين من عودته إلى إيران- تبدو منطقية. ولذا، فإن أصابع الاتهام تُوجَّه إلى داخل البلاد أكثر من أي جهة أخرى.
في الوقت نفسه، زاد على وسائل التواصل الاجتماعي، الحديث عن احتمال اختبائه وعدم وفاته. وكان عدم وجود صورة لجثته بداية هذا الشك. والصورة الوحيدة له، وهو ملفوف بكيس أبيض، أثناء نقله، زادت من الشكوك.
وفقًا لهذا الشك، وبما أنه لم يتم تقديم أدلة يقينية على موته، فقد تم تعزيز فرضية "افتعال الموقف" لإخفائه. ووفقًا لفرضية قتله أو إخفائه، يحكم مبدأ بوليسي هاتين الفرضيتين: المتهم الرئيسي يحاول عن طريق الحيلة "إلصاق" الاتهام بشخص آخر.. وفيما يلي بعض الأمثلة التي تدل على هذه الحيلة:
أولاً، وجَّه محسن رضائي، سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام، أصابع الاتهام إلى الحكومة الرومانية وکتب في حسابه على "تويتر": "يجب على الحكومة الرومانية تحمل المسؤولية عن مقتل منصوري، وإحضار الجناة المباشرين، ومَن هم خلف الكواليس إلى إيران؟".
إن حقيقة وجود "جناة مباشرين وجناة خلف الكواليس"، في "مقتل" منصوري، حسب رأي محسن رضائي، ينفي فرضية الانتحار.
السؤال الآن: وفقًا لرأي رضائي: من يمكن أن يكون الجاني المباشر، والجاني خلف الكواليس في بلد مثل رومانيا؟
لماذا استبعد رضائي فرضية الانتحار؟ ولماذا يتصور وجود جناة خلف الكواليس في جريمة قتل منصوري؟ وفي رأيه، من يمكن أن يكونوا الجناة الموجودين خلف الكواليس؟
ثانيًا: الأمر الذي يعد أكثر إثارة من ادعاء محسن رضائي، الذي أشار إلى جناة مجهولين في قتل منصوري، هو التصريح الذي أدلى به روح الله حسينيان، رئيس مركز توثيق الثورة الإسلامية والبرلماني السابق، في مقابلة مع صحيفة "اعتماد أونلاين"، في اليوم التالي لوفاة منصوري، حيث وجه الاتهام إلى الشرطة الدولية، قائلاً: إن المتهم الرئيسي هو الإنتربول. وادعى أن إيران ليس لديها سبب لقتل منصوري. ومع ذلك، فإن السبب الذي قدمه غير متسق مع هذا الادعاء، حيث قال: "ربما لو حوكم منصوري لتم اكتشاف العديد من الزوايا الخفية للقضية الاقتصادية الأخيرة".
ومن المثير للاهتمام، أن ادعاء حسينيان أيضًا، استبعد فرضية الانتحار. ومع ذلك، بعد أن تبنى فرضية قتل منصوري، اضطر إلى أن يحيل جريمة القتل إلى خارج النظام، دون أن يدرك أنه عندما يقول: "لو حوكم منصوري، لتم اكتشاف الزوايا الخفية للقضية الاقتصادية". فإنه بذلك يشير إلى أن أفضل مكان للبحث عن سبب القتل داخل النظام، وليس توجيه أصابع الاتهام إلى شرطة الإنتربول، التي تعتبر محايدة في الملاحقات الدولية.
علاوة على ذلك، إذا كان هناك اتهام موجه إلى الشرطة الدولية، فلماذا لم تعلن إيران رسميًا عن مسألة إهمال أو خطأ الشرطة الدولية؟
ثالثًا: الأهم من ذلك هو استدعاء السفير الروماني لدى طهران إلى وزارة الخارجية، لمطالبة حكومته بتسريع الإعلان عن سبب وفاة منصوري. وخلال استدعاء السفير الروماني، قال المدير القنصلي بوزارة الخارجية الإيرانية للسفير الروماني إن رومانيا "مسؤولة عن ضمان سلامة حياة غلام رضا منصوري".
يدل هذا التصريح على تنصل النظام من مسؤولية منصوري، لأنه إذا كانت وزارة الخارجية تخشى على حياة منصوري، فإن السفارة الإيرانية في بوخارست كان يمكنها أن تضعه بسهولة في مكان آمن من السفارة أو منزل السفير.
ووفقًا للأنباء المنشورة، فإن القاضي منصوري زار السفارة من قبل. وبالنظر إلى أنه معرض للملاحقة من قبل نشطاء حقوق الإنسان الإيرانيين وأن وقوع قاض سيئ السمعة مثل منصوري في أيدي محاكم حقوق الإنسان، يعتبر فضيحة كبرى للنظام الإيراني، فمن المؤكد أن السفارة الإيرانية في بوخارست كانت على علم بحالته. وبالتالي كانت مهمة تأمين حياة القاضي منصوري في المقام الأول هي مسؤولية حكومته، التي كان بإمكانها إعداد الترتيبات اللازمة من خلال السفارة الإيرانية في بوخارست.
وعلى الرغم من وضوح هذه القضية، فإن الأمر المشكوك فيه هو: لماذا تجاهلت وزارة الخارجية الإيرانية أولاً واجبها، وثانيًا حولته إلى الحكومة الرومانية؟
وبعبارة أخرى، فإن وزارة الخارجية ملزمة بتوضيح المعلومات المتعلقة بيوم وساعة وعدد الزيارات والمحادثات التي أجرتها مع منصوري وتقديم التفاصيل للجمهور.
وبعد نشر هذه المعلومات، سيتضح ما إذا كانت السفارة الإيرانية قد وجهت التحذيرات اللازمة للقاضي منصوري، وما إذا كانت قد مهدت الترتيبات اللازمة لعودته فورًا إلى إيران؟
رد فعل روماني
يوضح رد الحكومة الرومانية على استدعاء سفيرها في طهران أن رومانيا تدرك جيدًا "سياسة التنصل" لدى طهران، كما أن بوخارست لا تريد تحمل أي مسؤولية خارج "البروتوكولات". هذا لأن وزارة الخارجية الرومانية، بعد استدعاء سفير بلادها في طهران، أعلنت في بيان أن مرتضى أبو طالبي، السفير الإيراني في بوخارست، تم استدعاؤه أيضًا إلى الخارجية الرومانية، وتم تذكيره بأن التحقيق في وفاة منصوري سيتم إبلاغه لإيران عبر القنوات الرسمية. والنقطة المهمة في البيان هي أنه يقول إن خطوة وزارة الخارجية الإيرانية بإرسال مذكرة في 20 يونيو (حزيران) الماضي، وكذلك تصريحات بعض المسؤولين الرسميين حول التحقيق في وفاة منصوري، تبعث على الاستغراب.
هذه اللهجة الصريحة في بيان وزارة الخارجية الرومانية تعكس السلوك المنافق لوزارة الخارجية الإيرانية، الذي يحمّل رومانيا مسؤولية حياة منصوري، الأمر الذي يبعث على الاستغراب وترفضه الحكومة الرومانية .
النتيجة
كما ذكرنا، فإن احتمال انتحار القاضي منصوري منخفض للغاية، ولم يتم العثور على سبب لذلك. وفي المقابل، فإن إمكانية قتله أو افتعال موقف من أجل إخفائه خياران ممكنان. وفي كلتا الحالتين، فإن أصابع الاتهام، في المقام الأول، موجهة نحو النظام الإيراني.
ومن الحالات الثلاث المذكورة أعلاه، وكذلك بيان وزارة الخارجية الرومانية، يمكن استنتاج أن طهران تريد تبرئة نفسها من مسؤولية مقتل القاضي منصوري وتحميلها لأشخاص آخرين. كما اتهم روح الله حسينيان الشرطة الدولية، ووجه محسن رضائي، والمدير القنصلي بوزارة الخارجية الإيرانية، أصابع الاتهام إلى رومانيا.
إن هذا "التنصل" من المسؤولية دليل على أن النظام الإيراني يريد التهرب من الاتهام الواضح الموجه إليه، وإلقاء اللوم على متهم آخر (الشرطة الدولية أو الحكومة الرومانية) في عدم حماية حياة منصوري.