خمس ملاحظات حول تغيير قائد الحرس الثوري الإيراني
في حدث غير متوقع وغير مرتقب، أمر المرشد الأعلى بتغيير قائد الحرس الثوري، حيث ترك محمد علي جعفري قيادة الحرس الثوري لنائبه حسين سلامي، بعد نحو اثني عشر عامًا.
جاء تغيير أعلى مسؤول في أهم مؤسسة عسكرية في الجمهورية الإسلامية، في الوقت الذي صنفت فيه الولايات المتحدة الحرس الثوري منظمة إرهابية، وتزايدت الضغوط السياسية والإعلامية والعقوبات ضد الجمهورية الإسلامية ووصلت إلى ذروتها.
عند تحليل مرسوم آية الله خامنئي غير المتوقع، يُمكن الإشارة إلى النقاط الخمس التالية:
أولاً: اللاعب الرئيسي في الجمهورية الإسلامية هو مرشد النظام
في التقييم العام للوضع السياسي في إيران اليوم، كان هناك سؤال مطروح دائمًا: هل مرشد النظام هو الذي يُحدد الموقف النهائي لانحيازات الحرس الثوري الأمنية والعسكرية، أم أن الحرس الثوري هو الذي يحدد الموقف النهائي للشخص الأول (المُرشد) في النظام؟
وعلى الرغم من التعاطي والأخذ والرد بين آية الله خامنئي والتيار الأمني الحاكم داخل الحرس الثوري، لكن يبدو أن صانع القرار النهائي لا يزال هو رأس النظام السياسي. ويعد التغيير غير المتوقع لقائد الحرس الثوري هو أحدث وأهم شاهد على هذا الادعاء.
ويعتبر تغيير أعلى مسؤول في الحرس الثوري الإيراني، باعتباره المؤسسة الأكثر أهمية، والتي تدعم النظام القائم على ولاية الفقيه، تأكيدًا مجددًا بأنه لا يوجد "لاعب" سياسي أكثر فاعلية من المرشد الأعلى في الجمهورية الإسلامية.
بمعنى آخر، هذا العمل هو كشف للستار عن إعادة ترتيب مراكز القوى في السلطة، وإيضاح آخر للمكانة الفريدة للمرشد الأعلى في النظام السياسي الإيراني.
ثانيًا: تعتبر إيران أن التهديدات والعقوبات الأميركية غير مسبوقة
على الرغم مما يقوله آية الله خامنئي في خطبه، وعلى الرغم من جهوده التي يبذلها لإشاعة الهدوء في القوات العسكرية، فإن هذا المرسوم غير المتوقع، والإطاحة بقائد الحرس الثوري الإيراني واختيار شخص جديد، يوضح أن المواجهة بين واشنطن وطهران جادة وحيوية إلى حد بعيد، بالنسبة له ولمركز القوة في إيران.
ويصبح هذا التغيير ذا مغزى عندما نعلم أن هذا التغيير حدث قبل عام من انتهاء فترة جعفري الرسمية في قيادة الحرس الثوري.
وهكذا، فإن الشخص الأوَّل في النظام، بمرسومه الأخير، بدلاً من نشر روح الأمل والهدوء في المجتمع، وخاصة للهيکل الاجتماعي والسياسي المؤيد النظام، ولا سيما قوات الحرس الثوري، فإنه يشيع عدم الاستقرار وانعدام الأمن والقلق.
ثالثًا: أفضل دفاع هو الهجوم حتى لو كان تمثيليًا
نصّب مرشد الجمهورية الإسلامية شخصًا معروفًا بتوجيه التهديدات إلى الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما على رأس الحرس الثوري الإيراني، خليفةً لجعفري.
القائد الجديد للحرس الثوري لغته حادة ومواقفه أكثر عدوانية. تُقيم هذه الخصائص- في الوقت الذي تكون فيه سهام العقوبات والتهديدات السياسية والأمنية والإعلامية الأميركية موجهة إلى الحرس الثوري- من وجهة نظر أول شخص في النظام بأنها مهمة وموثوق بها.
من هذه الزاوية، تحاول نواة النظام الصلبة في الجمهورية الإسلامية، على الأقل على مستوى الدعاية والحكومة، إظهار أن التهديد الأميركي تجاهها وتجاه الحرس الثوري قد استجيب له بنهج عدواني.
من خلال البيانات المتاحة، يبدو من غير المرجح أن يؤدي تغيير قائد الحرس الثوري، عمليًا إلى تغيير كبير في الانحيازات الأساسية لهذه المؤسسة، فليس الأمر أكثر من توجيه "رسالة" إلى البيت الأبيض.
رابعًا: أساس سلطة النظام هو الصواريخ والسلاح وليس الديمقراطية
مع انتخاب العميد سلامي، وهو شخص معروف بدعم أنشطة صواريخ الحرس الثوري، وفي الوقت نفسه، معروف بتهديد المنتقدين والمخالفين والمعارضين السياسيين،، فإن سياسات الجمهورية الإسلامية قصيرة الأجل، ومتوسطة الأجل، تصبح واضحة وملموسة مرة أخرى، وهي: الاعتماد على القدرات العسكرية (وخاصة الصواريخ) والقمع، بدلاً من التركيز على الحاجات الاجتماعية والاقتصادية للتنمية البشرية، وكذلك بدلا من الاعتماد على متطلبات الديمقراطية والمشاركة الواسعة للطبقات الاجتماعية.
يبدو مرشد الجمهورية الإسلامية كمن لا يرى ضرورة لتغيير توجهاته الأساسية في إدارة الاقتصاد الكلي للبلاد.
بمعنى آخر، هو يخبر الجهات الفاعلة في المجتمع المدني بشكل مباشر وغير مباشر بأن لا يكون لديهم أمل في إصلاح القاعدة السائدة والمستمرة.
خامسًا: التغيير الذي لا يغير شيئًا
إن تغيير القائد الأعلى للحرس الثوري ليس حدثًا بسيطًا وصغيرًا، لا سيما عند النظر إليه في سياق الظروف الحالية للجمهورية الإسلامية، والعلاقات بين طهران وواشنطن، خاصة أن ذلك يحدث قبل عام واحد من الموعد الرسمي لانتهاء مهمة جعفري على رأس هذه المنظمة الأمنية والعسكرية.
ومع ذلك، هناك حقيقة أرسخ من هذا، وهي أن الهيكل السياسي المحدد والمستقر في إيران اليوم، أصبح أكثر وضوحًا فيما يتعلق برجوع القرارات والسياسات للمرشد الأعلى.
"اللاعبون السياسيون" فعالون داخل إطار "الهيكل"، لكن ليس هناك فرق كبير بين سلامي وجعفري بالشكل الذي يمكن أن يؤثر على الهيكل السياسي من حيث وجوده ونهجه الأمني والعسكري.
من هذا المنظور، فإن تغيير القائد الأعلى للحرس الثوري، على الرغم من أهمية هذه المكانة، فضلاً عن خصائص الحرس الثوري- الذي لا منافس له- لا يعني تغييرًا أساسيًا ذا معنى في الحرس الثوري الإيراني ولا في الجمهورية الإسلامية.