لم تنجح زيارة حسن روحاني إلى طوكيو ومحادثاته المنفصلة مع المسؤولين الحكوميين وممثلي القطاع الخاص الياباني، على الرغم من توقع رئيس حكومة طهران ومحادثة آبي الهاتفية مع ترامب بعد انتهاء لقائه مع الجانب الإيراني، يمكن اعتبار صمت مسؤولي البلد المضيف، في هذا الصدد، علامة فشل نسبي للمحاولة التي تمت في أجواء ملتهبة.

ألقت أخبار القمع الدموي للاحتجاجات الواسعة من قبل قوات الأمن في نوفمبر (تشرين الثاني) بظلالها الثقيلة على أجواء المحادثات مع رئيس حكومة طهران في طوكيو، بالإضافة إلى تبعات قرار طهران في خطوات خفض مستوى الالتزام بالاتفاق النووي، الأمر الذي تمت مناقشته في اجتماع آبي مع روحاني.

وبصرف النظر عن زیادة إلقاء اللوم على الجمهوریة الإسلامية الإيرانية في المجتمع الدولي، وصيتها الواسع في انتهاك حقوق الإنسان، واستمرارها في سلوكها المرفوض على مستوى العالم من حيث إصرارها على تطوير برامجها النووية، إلى هجماتها الإرهابية في مياه الخليج التي تعتبر تهديدًا جادًا للأمن الإقليمي والسلام العالمي، فإن التركيبة المعادية للغرب للجزء المؤثر من الهيئة الحاكمة في إيران، خلال الأشهر الأربعة الماضیة، أدت في نهاية الأمر إلى فشل محاولتي الوساطة الفرنسية واليابانية.

وعلى الرغم من معرفة حسن روحاني بالصعوبات السياسية الداخلية التي تعوق الدخول في مفاوضات في أي موضوع أكثر جدية من تبادل السجناء بين إيران وأميركا، فقد أصر على الذهاب إلى اليابان في محاولة للخروج ولو مرحليًا من الوضع المالي السيئ جدًا في البلاد.

الأزمة المالية الحكومية الناشئة، التي نتجت عن تراجع إيرادات العملة بسبب العقوبات الأميركية، وزيادة إنفاق النظام خارج الحدود، ظهرت بشكل واضح في ميزانية العام المقبل.

وعلى الرغم من اقتراض 5 مليارات دولار من روسيا، فقد أغلقت المیزانیة بعجز غير مسبوق قدره 360 ملیار تومان، وفقًا لما ذکره نائب رئيس لجنة التخطیط والميزانية في البرلمان.

سببان رئيسيان لمهمة روحاني في اليابان

الهدف الأول لروحاني من زيارة اليابان هو حث حكومة آبي للإفراج عن أموال إيران المجمدة بسبب العقوبات الأميركية، والتي تبلغ 5 مليارات دولار. ولو تم الإفراج عن هذا المبلغ- وهو ما لا يمكن أن یتحقق إلا بموافقة الولايات المتحدة- وتم تخصيصه لشراء المواد الغذائية والأدوية والمنتجات الزراعية، فيمكن له أن يلبي جزئيًا احتياجات البلاد العاجلة من واردات المواد الغذائية الأساسية في السنة المالية القادمة.

لقد أفرجت الإمارات المتحدة العربية بموافقة أميركا في شهر أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم، عن 700 مليون دولار من أموال إيران المجمدة، ومنحتها لحكومة روحاني ومهدت الطريق لاتخاذ إجراءات مماثلة من قبل بلدان أخرى، بما في ذلك اليابان والهند وكوريا الجنوبية.

في هذا الصدد، سعى روحاني أيضًا إلى إقناع اليابان باستئناف واردات النفط والمنتجات النفطية، من خلال تبادل النفط مع السلع الغذائية.

وكان هدف روحاني الثاني، في مهمة طوكيو، هو التوصل إلى اتفاق عام مع شينزو آبي بشأن إطار المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة المستقبلية للجمهورية الإسلامية مع الولايات المتحدة، على أساس تمديد أجزاء من الاتفاق النووي، في إطار المجموعة المشرفة علی تنفیذ الاتفاق النووي.

توقع روحاني أنه في حال قبول اقتراح مشروع البروتوكول الملحق لمعاهدة منع نشر الأسلحة النووية في البرلمان، والتي تنفذ حاليًا بشكل طوعي، ستشجع اليابان أميركا على رفع عقوباتها ضد إيران.

المقترح الآخر الذي حمله روحاني إلى اليابان لإثبات حسن نوايا إيران، هو التعهد بالامتناع عن أي سلوك عدواني ضد السفن في مياه الخليج وأطراف مضيق هرمز وأي عمل عدائي آخر ضد المنشآت النفطية السعودية.

كما تضمنت زيارة روحاني محادثات حول "عدم رفض وجود القوات اليابانية كمراقب على أمن السفن في الخليج".

يذكر أنه منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، تعهدت اليابان بعدم إرسال قوات قتالیة خارج حدودها، وتقتصر مهمة 270 عسكریًا یابانیًا في المياه القريبة من إيران على المراقبة البحرية وتسییر الدوريات.

لماذا لا تنفع الوساطات؟

كانت المشكلة الأكثر أهمية التي واجهت روحاني في رحلته إلى اليابان هي إقناع المضيف بقبوله كممثل لجميع فروع السلطة وتقييم مقترحاته باعتبارها تمثل مجموعة السلطة الحاکمة في إيران، وهي مسألة لا يؤمن بها روحاني نفسه، وقد أشار وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، ذات مرة، إلى هذه القضية بشكل صريح، في إشارة إلى دور جواد ظريف كوزير للخارجية الإيرانية.

العامل الآخر وراء عودة روحاني إلى طهران خالي الوفاض هو أن الظروف الآنية مختلفة جدًا عما كانت عليه ظروف المحادثات عشية 14 يونيو (حزيران) 2015 والتي انتهت بالاتفاق النووي، فاليوم إيران لا تملك ذخائر من اليورانيوم المخصب ولا تصدر يوميًا ملايين البراميل من النفط، کي تستطيع إرباك سوق النفط العالمية، من خلال قطع تصدیره.

وفقًا لذلك فإن الورقة الوحیدة التي یمتلكها روحاني في طوكيو، والتي تدعو إلی کثیر من التأمل، هي اتخاذ الخطوة الخامسة في خفض التزامات إیران النوویة، وأيضًا التلويح مجددًا بتهديد السفن في مياه الخليج، في حال استمرار منع صادرات إيران النفطية، الأمر الذي تحول إلى قضیة أمنیة تهدد کیان الجمهورية الإسلامية نتیجة الإفراط في استخدامها.

صمت الحكومة اليابانية وإعلامها حيال إعطاء أي مؤشر لاتفاق موضوعي وملموس مع إيران عقب زيارة روحاني الأخيرة لطوكيو، إضافة إلى توقف الإعلام الأصولي الداخلي عن نشر التقارير حول زيارة روحاني إلى اليابان تعكس كلها فشل الرئيس روحاني في مهمته وعودته خالي اليدين، کما کان متوقعًا حتی قبل التخطیط لها.

یری المتشددون في الحكومة أنه قبل اتخاذ الخطوة الخامسة في تخفيض الالتزامات النووية في الأسبوعين المقبلين، والاقتراب من القدرة النووية، ستكون أي محادثات مباشرة أو غير مباشرة مع الولايات المتحدة في وضع غير متكافئ ومن موقع ضعف.

ویسعی المتشددون في إیران إلی تكثیف مشكلات الحكومة لمنعها من تلبية الاحتیاجات الأساسية للمواطنین بغیة تعزیز قاعدتهم الشعبیة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، ثم الاستیلاء على السلطة التنفيذية، وبعد توحید فروع السلطة، یدخلون في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة ودول المنطقة.

وبالتالي، حتى يتم الوصول إلى الظروف المناسبة، فإنهم يكتفون بالدعم اللغوي، وفي الممارسة العملية، يتبعون سياسة وضع العصا في عجلة الحكومة.