عندما يصبح “رئيسي” مرشدًا لإيران
أصبح إبراهيم رئيسي نائبًا لرئيس مجلس خبراء القیادة، وإذا حدث أن الرئيس الحالي للمجلس، أحمد جنتي، وافته المنية، فدون أي تردد علينا أن نعتبر موضوع رئاسة إبراهيم رئيسي علی مجلس خبراء الدستور أمرًا متحققًا منذ الآن. ولو أننا في الوقت الحالي- مع شيخوخة جنتي، ووعکته الصحية، والثقة التي يتمتع بها رئيسي- يمكن أن نتوقع أن إدارة مجلس خبراء القيادة حاليًا في يد رئيسي. كما أن أنظار الشيوخ في هذا المجلس أیضًا متجهة نحو الرئيس الجديد للسلطة القضائية، وهم یمتلکون من الذکاء والوعي ما يكفي لیحددوا اتجاه الريح، وأن يدركوا أن لهذا السيد الخراساني، مستقبلاً واعدًا، وربما أصبح هو الولی الفقیه القادم لإيران.
مهما کان، فإن المرشد القادم لإیران هو حالیًا يجلس على مقعد هذا المجلس، وليس من المقرر لأحد من مراجع التقليد في قم أن يجلس على كرسي المرشد، فمنذ عام 1989 بعد وفاة الخميني واختيار خامنئي للزعامة، قام رجال الدين المسيطرون على مقاليد السلطة بتفهيم نظرائهم الفقهاء بأن هناك اختلافًا بين قم وطهران، وليس من المقرر أن یجلس علی کرسي القيادة حتى أفقه الفقهاء، وأن شرط الإدارة والتدبير لا يناسب رجال الدين الماکثين في حجرهم وأصحاب المنابر.
کان ذلك عندما کان مراجع کبار مثل الكلبايكاني، والمرعشي، والأراكي، على قيد الحياة، وليس الآن، حيث أصبحت الحوزة العلمية تتقاضي ميزانيتها من الحكومة، وأصبح المراجع يصدرون الفتاوى حسب طلب الحکومة.
إذن المرشد القادم للنظام سيكون من بين هؤلاء الأشخاص الذين نشاهدهم يوميًا، أو مثل رئيسي نفسه، الذي من الآن فصاعدًا، بعد توليه رئاسة السلطة القضائية، سنتعرف عليه أكثر فأکثر في الإذاعة والتلفزيون.
ربما یمکن القول إن خطة طويلة الأمد تقضي بأن رداء رئاسة السلطة القضائية هو مقدمة لتاج ولاية الفقيه، حیث إن هذا المنصب من حيث المعايير الحکومية هو علامة واضحة على الإلمام بالفقه والعدالة.
وبإمكان جهاز دعاية النظام أن یحوّل هزیمة إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية الماضية إلی فوز، وبالمناسبة، فإن الأصوليين أوّلوا هذا الموضوع على هذا النحو کثيرًا، بأن قدوم مرشح لأول مرة في ساحة التنافس الانتخابي وحصوله علی 16 مليون صوت، رغم هجمات إعلامية من قبل العدو والمنافسين، تعتبر ملحمة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن غالبية الفقهاء في مجلس خبراء القیادة، يؤمنون باكتشاف الولي الفقیه، وفي هذه النقطة أیضًا، إذا لم یكن الناس يرغبون في الشخص المذكور، ربما كان أفضل، وذلك من علامات المظلومية والحقانية كما يراها الخبراء في القيادة.
کان غاندي یقول إن الوسیلة هي نفس الهدف، مما يعني أنه لا يمكن من خلال الوسیلة السيئة أن يتحقق الهدف الخيّر، ليس ذلك وحسب، بل إن العام الجید يُکتشف من الربيعة، کما یقول المثل (الفارسي)، وأن الخطوة الأولى توضح إلی أين سيتجه المسار. وفي انتخابات مجلس خبراء القيادة عام 2016، حث الإصلاحيون الشعب على التصويت لصالح قائمة تحمل اسم "هاشمي رفسنجاني" دون تردد، حتى يتم تغيير تشكيل هذا المجلس. وفي نهاية الأمر، تغير شکل المجلس، ولم يصل محمد یزدي، ومحمد تقی مصباح يزدي، إلى مجلس خبراء القیادة، لكن تركيبته ظلت على ما كانت عليه.
والآن في مجلس، كان هاشمي رفسنجاني يحاول أن ينتخب قیادة غير مؤذية في لحظة حساسة، فإن جنتي هو الرئيس، وإبراهیم رئيسي نائب له، والأسوأ من ذلك، أن مثل هذا المجلس الذي أقيم بمشاركة جماهيرية واسعة، يمتلك كامل الشرعية لاختيار المرشد القادم. هل لاحظتم هنا أن استخدام الوسائل السيئة وعدم الالتزام بالحدود الأخلاقية والعقائدية، يدفع الأمور إلى النحو الذي، يخسر فيه أنصار هاشمي رفسنجاني في مجلس الخبراء اللعبة، وفوق ذلك يدفعون الغرامة.
القضاء أكثر أهمية من السلطة التنفيذية
استولى رجال الدين الثوريون فی عام 1979، وفي بداية عملهم، علی المحاکم والقضاء، وأخذوا هذا الجزء من الدولة کغنائم، کما لو کان ذلك حقًا مسلوبًا منهم واسترجعوه ولا يحق لأحد أن يتحدث حول ذلك. وفي إبان ثورة 1979، كان المثقفون والجماعات السياسية ینظرون إلى البرلمان ورئاسة الجمهوریة، في حین أن الجزء الأهم في الدولة هو القضاء والعدالة.
وطوال سنوات الإصلاح، کانت المنافسات جاریة حول البرلمان، ومن سيكون رئيسًا للجمهورية، لكن ما كان یعلو أي صوت معترض علی لماذا ينبغي أن يكون محمد يزدي، الذي هو في وضعه الطبيعي عصبي، رئيساً للسلطة القضائية؟
إذا كان القضاء مستقلًا وحرًا في إيران، لما کان يمكن أن یحصل تزویر في الانتخابات، وما كان يمكن أن يحدث اختلاس، ويُترك دون عقوبة، ولا استطاع العسكريون التدخل في السياسة والاقتصاد، ولا دخل هذا العدد من الأبرياء السجون وأعدموا.. لكن إبراهيم رئيسي، الذي تتلألأ مجزرة سياسية في سجله، والجميع يعرف أنه غير منصف، یتربع علی کرسي السلطة القضائية دون أن يحتج أحد على ذلك. والكارثة أن بعض الإصلاحيين رحبوا به أیضًا.
بصراحة، لو أصبح رئيسي مرشدًا لإيران، فلن یرفع أحد صوته للاعتراض، وربما امتدت أيدي الإصلاحيين لمبایعته قبل مبایعة الأصوليين.
ومن المحتمل کثیرًا أن يقترب رئيسي من مقعد المرشد في خطة متعددة المراحل، ويمكن القول إن كل شيء يسير على ما يرام حتی هذه اللحظة.
وبالصمت الذي شاهدناه في اختياره رئيسًا للسلطة القضائية، لیس مستبعدًا أن يكون السياسيون قاطبة، من الإصلاحيين والأصوليين، راضين باختياره مرشدًا لإيران. القيادة في إیران تعتمد على إرادة الذين یسیطرون علی السلطة الحقيقية، قبل أن تكون معتمدة على اختيار أعضاء مجلس خبراء القیادة أو الفقه أو الشعبية. لقد تمكن رفسنجاني وحده في مرحلة زمنية من أن يجعل خامنئي مرشدًا، أما الآن، فإن حلقة من العسكريين ورجال الدين سيقومون بالشيء نفسه.
إن المؤسسات الانتخابية في النظام الإسلامي في إيران لا تستطيع السيطرة على مؤسسات التنصيب. ويبدو أنه في المستقبل القريب وفي موضوع اختيار المرشد الذي ستکون کرته في ملعب مجلس خبراء القيادة، لا توجد طريقة أمام الإصلاحيين والجماعات الأخرى لأن يكونوا مؤثرين. وبهذا يمكن أن يصبح رئيسي مرشدًا لإيران بسهولة، شريطة أن يظل الجميع صامتين.