هل يبالغ نتنياهو في الحرب مع إيران؟
على هامش اجتماع مع وزير الخزانة الأميركي ستيفن مانوتشين، في تل أبيب، مؤخرًا، حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من تهديد صاروخي إيراني خطير على الأمن الإسرائيلي، في إشارة إلى نشر أنظمة وصفها بـ"صواريخ فائقة الدقة"، في اليمن.
وعلى الرغم من أن جمهورية إيران الإسلامية لديها استراتيجية معروفة لزيادة القدرة على شن هجمات تكتيكية من خارج إيران، للحد من خطر هجوم إسرائيلي رادع عليها، ونفذت هذه الاستراتيجية على نطاق واسع على مدى العقدين الماضيين في لبنان، إلا أن الأولوية العسكرية لهذه الاستراتيجية، بالنسبة للمخططين العسكريين للحرس الثوري، هي تجنب المواجهة المباشرة مع إسرائيل.
وفي السنوات الأخيرة، زادت جمهورية إيران الإسلامية، بطريقة سريعة، من قدرات حزب الله الصاروخية.
ووفقًا لما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن الـ12 ألف صاروخ تكتيكي التي تم تزوید حزب الله بها عام 2006، قد ارتفع الآن إلى 130 ألف صاروخ، مما یشکل تهديدًا لحياة ومنازل السكان الإسرائيليين بالقرب من الحدود الجنوبية اللبنانية.
وتقوم جمهورية إيران الإسلامية بإنتاج هذه التكنولوجيا محليًا، بعد نقل قطع الغيار؛ لإظهار القدرات الصاروخية المنقولة إلى لبنان، وسوریا، وقطاع غزة، وحماس، وكذلك الحوثيون اليمنيون، والحشد الشعبي في العراق؛ لإظهار أنها من صنع محلي.
هناك حقيقة أخرى، وهي أن إسرائيل ليس لها حدود مشتركة مع إيران، ومع امتلاکها لأكثر القوات الجوية تطورًا في المنطقة، وقدرات الصواريخ الباليستية، وصواریخ کروز، فهي قادرة على استهداف أي جزء من إيران دون القلق بشأن التدخل البري.
لذلك، قامت الجمهوریة الإسلامية الإيرانية بتوسیع نفوذها في الدول المجاورة لإسرائیل واكتساب قاعدة عسكرية ضدها، بسبب حرمانها من إمکانیة استخدام القوات البریة ضد إسرائيل، وسعت منذ عام 2015 حتی الآن، إلى تطبيق النموذج اللبناني السوري في اليمن.
وتدرك إسرائيل تمامًا تفاصيل هذه التهديدات وإمكانية انتشار إيران في الأراضي العراقية، وقد فكرت في الاستعدادات الكافية لمواجهتها، ومنها الهجوم العسکري وفق تعریفها للدفاع عن النفس والحق في الردع.
أما في الوضع الحالي، فإن تضخیم نتنياهو للتهديد الإيراني والتأكيد على هذه التهديدات يرجع، من جهة، إلى الظروف الانتقالية للسياسة الداخلية الإسرائيلية، ومن جهة أخرى، إلى الضغوط المتزایدة للتیار الیمیني المتشدد في السلطة الإيرانية، للانسحاب من الاتفاق النووي الذي تم عام 2015، واتباع الطريقة التي انتهجتها كوريا الشمالیة خلال السنوات التي سبقت عام 2006 وتوصلت عن طريقها إلی صنع القنبلة الذرية.
لقد واجه رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي معضلة تشكيل حكومة مستقرة منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، كما أن إجراء دورتین انتخابیتین متتالیتین في إسرائيل زاد من تعقید تشکیل الحکومة، وفي حال عجز نتنياهو عن تشکیل الحکومة، وترك منصب رئيس الوزراء فسيخسر حصانته القضائیة، وقد ينتهي به الحال في السجن، بسبب قضيته المتعلقة بالفساد.
يعرف نتنياهو أنه من دون حزب الليكود، ودعم أفیغدور ليبرمان، رئیس حزب "إسرائیل بیتنا"، فلن يتمكن بيني غانتس، منافسه الرئيسي وزعيم الحزب الجدید، "أبيض أزرق"، من اجتذاب 61 نائبًا في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي). ومع إعلان عجز غانتس عن تشكيل الحكومة المقبلة، يفتح الطريق إلى الانتخابات العامة في إسرائيل، وستتاح وقتها لنتنياهو فرصة أخرى للبقاء في السلطة بدلاً من الذهاب إلى السجن.
أما القضية الأخرى المتعلقة بالأمن الإقليمي، فهي تحرك إيران التدریجي باتجاه تخفيض التزاماتها النووية.
وإذا أعلنت إيران في "الخطوة الرابعة" عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة، أو خفضت مستوى التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في التنفيذ الطوعي للبروتوكول الإضافي لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، كجزء من برنامجها للحد من الالتزام النووي؛ فستستطيع وقتها أن تقلل- بنحو 75 في المائة- علنًا أو سرًا، من المدة الزمنية التي تسمى "الهروب النووي"، وهي الفترة الزمنية التي تنتهي بالقدرة على تنفيذ انفجار نووي، والتي تقدر حاليًا بنحو عام واحد.
یعتزم نتنياهو، في الوضع الحالي، زيادة الحساسية تجاه التحركات النووية لجمهورية إيران الإسلامية وتقييد تصرفات طهران، خوفًا من التدابير الانتقامية، أو توفير أرضیة اللجوء إلی التدابير العسكرية ضد طهران، والتي لها، في کل الأحوال، تأثير مباشر على السياسة الداخلية الإسرائيلية.
وعلى الرغم من أن المسؤولين العسكريين في الحرس الثوري ووسائل الإعلام الأصولية أعادوا نشر تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بشأن الصواریخ الإيرانية فائقة الدقة، وأشاروا إليها بشكل غير مباشر كرمز للتقدم، إلا أن الوجه الآخر للحقیقة هو خطر الحرب الذي حذر منه نتنياهو أيضًا، والصراع المباشر مع إيران والذي يمكن أن يكون مدمرًا للغاية، في حال وقوعه.