هل يمكن لنظام إيران "السري" أن يصارح شعبه؟
نشر علي ربيعي، الناطق الحالي باسم حكومة التدبیر والأمل، مقالاً في صحیفة "إیران"، یحمل عنوان "إخفاء واقع العقوبات"، في ظل ظروف أصبح الناس فیها أكثر إحباطًا من أي وقت مضى، حیث إن ضغط الكبت السیاسي والقمع الشديد للاحتجاجات الشعبية، هذه الأيام، فاق بكثير الضغوط الاقتصادية والمشكلات المعیشیة التي یعانیها الشعب.
في مثل هذه الظروف، التي تسبق الانتخابات البرلمانیة المقبلة، حاولت سلطات جمهورية إيران الإسلامية استعادة ثقة الشعب المفقودة واستعادة كرامة النظام. وكانت زيارة ممثلي النظام لمنازل العائلات المفجوعة التي قُتل أبناؤها خلال احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وتصنیف المتظاهرين ووصف قتلی الاحتجاجات بالشهداء أو المتمردین، ومقارنة مذبحة نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 بعمل الحجامة، واعتقال الناس والصحافيين على نطاق واسع، وتهدید عائلات الناشطين السياسيين في الخارج، ومقالات الإصلاحیین التي أصبحت أشبه ما تكون بالاعترافات، وخطابات بعض النواب التي تدمي القلب؛ كل ذلك كان جزءًا من هذه الجهود.
ولم يتخلف المتحدث باسم الحكومة عن هذا الركب، فكتب في مقال له بصحيفة "إیران": "لم نعلن بوضوح عن حقيقة العقوبات المفروضة للناس، من أجل منع إساءة استغلال الأعداء لوضع البلاد الحالي".
ويمكن أن تُعزى تصريحات ربیعي هذه، إلى كل من العدو الداخلي، والجناح الأصولي الذي عارض الاتفاق النووي، منذ بداية حكومة روحاني، وإلى الأعداء الأجانب الذين تم استخدامهم كذریعة لقمع الشعب، خلال أربعین عامًا من نظام الجمهورية الإسلامية.
لكن مهما كان، في لغة وممارسة مسؤولي الجمهورية الإسلامية، فإن هذا العدو لديه إمكانات كبيرة؛ بحيث يمكن أن يكون إما مبررًا لإرسال أموال النفط الوطنية خارج الحدود لتوفير الأمن للأشخاص داخل الحدود، كما تقول الحكومة، ویمكن أن یكون حافزًا لجلب الناس إلى صناديق الاقتراع.
ويمكن لهذا العدو أن یأتي بقواته المدربة مسبقًا إلی داخل البلاد، إذا لزم الأمر، كمتظاهرين للقیام بعملیات التخریب وصناعة الشعارات والهرب عبر الحدود مرة أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للعدو أيضًا توفير غطاء داخلي للجماعات المتعاطفة والقلقة والحاصلة علی حق إطلاق النار، وقوات الأمن التي ترتدي ملابس مدنیة لتعرقل أداء ما یسمی الحكومات الإصلاحیة. لذا في مواجهة هذا العدو القوي، من الأفضل عدم إخبار الناس بالكثير من الحقائق حتى لا نجعل العدو سعیدًا.
ما يُستنتج من مقال ربيعي هو أن كلاً من العدو والأشخاص المذكورين في هذا المقال هم أشخاص تلفّهم هالة من الغموض. فلم تتضح أبعاد وخصائص العدو ولا سُمعت مطالب الناس الذين خرجوا إلى الشوارع، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بشعارات تطالب بإسقاط الجمهورية الإسلامية. لذلك، فقد اعترف المتحدث الرسمي باسم الحكومة علانية للأشخاص الذين لا يعرفهم، ووضع نفسه إلی جانبهم في جبهة واحدة، لتقديم العدو المفترض كعامل لتكتم الحكومة حول العقوبات.
وهذا يعني، أن العقوبات ليست عملاً عدائيًا ضد الشعب الإيراني فحسب، بل إنها أيضًا سبب تكتم الحكومة وإنكار التأثير الشديد للعقوبات على حياة الناس. الأمر المحزن هو أنه حتى لو أراد مسؤولو الجمهوریة الإسلامیة كسب رضا الجمهور، فإنهم یلقون كل أوجه القصور والأخطاء على العدو، وليس الفساد الإداري وعدم التخطيط في مؤسساتهم.
يبدو الأمر كما لو أن السرية التي ابتليت بها الحكومة لسنوات، قد طالت الرئيس نفسه، حتی إن روحاني طلب من وزير الخارجية، أن لا یخبره بتوقیت تنفیذ خطوة حاسمة، مثل الارتفاع المفاجئ في سعر البنزين بثلاثة أضعاف.
لقد كانت أبعاد العقوبات وزواياها واضحة للشعب الإيراني منذ سنوات كثيرة، وقد عانی الجميع من بعض المصاعب التي تنطوي عليها هذه العقوبات، سواء كانت الحكومة تنفي أو تعترف بتأثيراتها السلبية. وبما أن نظام الجمهورية الإسلامية يركز على مُثُله الوهمیة مثل عدائه لأميركا والعالم الغربي وتوسيع سلطاته باسم الإسلام، فإنه یخفي دائمًا عواقب هذه العقوبات، بل ویصفها بأنها فرصة للبناء ولتحقيق الاكتفاء الذاتي.
على عكس النظم السياسية المتقدمة التي تسعى إلى الخروج من الأزمات، تسعى الجمهورية الإسلامية باستمرار إلى مفاقمة الأزمات المحلية والخارجیة خلال سنوات العقوبات، وتسعى إلى العداء والصراعات الإقليمية لمنع السقوط الحر.
في العام الماضي، مع فرض عقوبات إضافیة ضد إيران، أكد مسؤولو الجمهورية الإسلامية للجمهور ووسائل الإعلام أنه لن يحدث شيء جديد مع الإطلاق الرسمي لهذه العقوبات الجديدة، وأن آثار العقوبات قد اختفت فعليًا قبل ذلك التاريخ. ولكن اليوم، مع انخفاض مبيعات النفط الإيراني إلی أقل قدر ممكن، فإننا نرى الكثير من آثار الجراح العميقة للعقوبات على حياة الناس، أكثر من أي وقت مضى، الجراح التي ما كانت لتصیب الناس وحياتهم لو تم التفاوض بدلاً من إنكار الشمس في وضح النهار.
من ناحية أخرى، من خلال النظر إلى شكل السلطة والنظام الرئاسي والولائي (ولایة الفقیه) من الأعلى إلى الأسفل، في الجمهورية الإسلامية، من السهل أن نرى أن رأس المال الاجتماعي أو الشعب هو الأقل قيمة في الجمهورية الإسلامية لأنه في أدنى مستويات التسلسل الهرمي للسلطة، فالنظام الولائي، القائم على ولایة الفقیه والذي يستمد قوته من مصدر إلهي، لا يحتاج إلى الناس ووسائل الإعلام، ولديه الدرجة القصوى من الاستقلالية والألوهية وله علاقة مباشرة بالتكتم والسرية.
واليوم، يدعي المتحدث باسم الحكومة، التي حصلت على أصواتها مما يسمى الحركة الإصلاحية، بعد ست سنوات من تولي الحكم، وعشية الانتخابات البرلمانية، یدعي أنه ینبغي الكشف علنًا عن حقائق العقوبات، في حین أنه هو ورئیسه، رئیس الجمهوریة، أبناء نظام سري، فكيف يمكن أن يخرج من نظام سري مسؤول يتحدث صراحة عن العواقب والنتائج السلبیة لأفعاله أمام الناس.
ربما الشيء الوحيد الذي يجب اعتباره في مقال ربيعي هو التحول في مسار الرأي العام وتراجع مستوی مطالب الشعب الغاضب والمحبط الذي تجاوز النظام السياسي الحالي في الاحتجاجات الأخيرة.
في الواقع، مقال ربيعي، مثله مثل الإجراءات الأخيرة التي اتخذها مسؤولو الجمهورية الإسلامية، لا یعبر عن أسف الجمهورية الإسلامية لسياساتها السرية مقابل الجمهور، بل هو محاولة لاستعادة شرعية النظام المفقودة ولإنكار الاتهامات الموجهة إلی قادة الحكومة وصناع القرار السياسي خلال فترة العقوبات.