
الميزانية الإيرانية في مأزق: من هيكل ريعي إلى عجز مستدام
الميزانية في الجمهورية الإسلامية عادة ما تكون محاطةً بالعجز، وسياسة الحكومة للتعويض عنها أدت دائمًا إلى التضخم وانخفاض الاستثمار وعوز العمال وأصحاب الحرف.
ومع ذلك، فإن عجز الميزانية لا يمكن فصله عن الهيكل الريعي، ولا يمکن التخلص منه إلا بترك النظام الريعي. لكن حكومة روحاني لا تريد أن تترك النظام الريعي، ولا يمكنها أن تخفض من عجز ميزانيتها، وبالتالي فإنها تسير في طريق مسدود.
في العام المقبل، ستواجه حكومة حسن روحاني، مثل أي حكومة أخرى في النظام الولائي، عجزًا في الميزانية، حيث تعود عوائد الميزانية في الغالب إلى النفط والضرائب والمبيعات الحكومية. وستكون عائدات النفط بسبب العقوبات أقل من ذي قبل، كما ستنخفض عائدات الحكومة من الضرائب على الأرباح والإنتاج والأجور والثروة والواردات في أعقاب الركود، أما العائدات من مبيعات الشركات المملوكة للحکومة فهي غير واضحة وستتم مناقشتها.
تنخفض عائدات الحكومة، ولكن الحكومة لا يمكن أن تخفض التكاليف بنفس القدر، لسببين: ضغط الجماعات المنتفعة لزيادة حصتها، وبرنامج الحكومة لدفع إعانات واسعة النطاق لتهدئة المواطنين الذين يفقدون قوتهم الشرائية بشكل مستمر.
لا يوجد منافس للجماعات الريعية في النظام، وبالتالي تُدفع حصتهم من الميزانية دائمًا. وخلال الفترة الأولى لمحمود أحمدي نجاد، (2005-2009)، تضاعفت حصة مؤسسة مكتب الإعلان في حوزة قم، ومركز الخدمات في حوزة قم، ومؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحوث، ومنظمة الدعاية الإسلامية، ولجنة الإمام الخميني للإغاثة، ثلاث مرات.
وفي مشروع قانون موازنة عام 2019 لحكومة روحاني، ازدادت حصة بعض المؤسسات الدينية وانخفض بعضها. ولكن بشكل عام، فإن حصة هذه المؤسسات مع هيئة الإذاعة والتلفزيون کانت أكثر من 5300 مليون تومان، أي 13 ضعف ميزانية "مؤسسة البيئة".
وبالإضافة إلى المطالبة بالريع وإعطاء الريع، وبما أن ارتفاع أسعار كثير من السلع تجاوز الزيادة في الدخل، فإن الجمهورية الإسلامية تدعم المواطنين لتجنب السخط، ومن أجل تقليل تکاليف الدعم تقوم بالاستيراد على نطاق واسع.
وبهذه الطريقة، ترضي المواطنين على المدى القصير، لكنها بنفس الطريقة تؤثر سلبًا على الإنتاج المحلي، وبالتالي على عمالة المواطنين ودخلهم. ومرة أخرى تدور دورة "عدم الرضا – دفع الدعم".
في مثل هذا الهيكل، لا تستطيع الحكومة خفض حصة الريعيين والتکاليف الجارية من أجل توازن الميزانية. هذا هو السبب في أنها تخصص دائمًا حصة من ميزانية التنمية، للتکاليف الجارية.
وبالتالي، فإن كثيرًا من مشاريع التنمية بسبب عدم وجود ميزانية کافية تترك دون إکمالها، ويتم تحويلها من برنامج إلى آخر. كما أن نمو التکاليف الجارية مقارنة بتكاليف البناء، التي تضحي ببناء المستقبل لصالح الروتين، يعد سمة مشؤومة في ميزانية الجمهورية الإسلامية.
وبناءً على ما ذكرنا، نعتقد أن حكومة حسن روحاني ستواجه عجزًا أكبر من ذي قبل في الموازنة، وللتعويض عنه، مثل أي حكومة أخرى في الجمهورية الإسلامية، ستلجأ للسحب من الاحتياطي النقدي، والاقتراض من النظام المصرفي، والاقتراض من المواطنين، وبيع الأصول، وزيادة الضرائب، وكلها نسبيًا تضر بالإنتاج والعمالة وخطط القضاء على الفقر.
لقد تم وضع مشروع قانون ميزانية العام الإيراني الجديد (يبدأ من 21 مارس)، على أساس تصدير 1.635 مليون برميل من النفط يوميًا، على أن يكون سعر البرميل الواحد 54 دولارًا، ومتوسط سعر للدولار يعادل في العملة الوطنية 6 آلاف تومان. لكن صار من المشكوك فيه أن تحقق حكومة الجمهورية الإسلامية مثل هذا الدخل في العام المقبل، خاصة عقب فرض العقوبات.
وإذا بقيت في صندوق التنمية الوطنية عملة كافية، فسوف تسحبها الحكومة لتعويض العجز کي تبیعها للبنك المركزي، وفي المقابل تتسلم التومان. لكن البنك المركزي يجب أن يطبع عملة ورقية جديدة لتقديم التومان. وبسبب طبع العملة تزيد السيولة والتضخم. وإذا باعت الحكومة دولارات النفط في السوق، فإنها ستدفع التضخم إلى أجزاء أخرى، مثل الأراضي والمساكن.
لكن في وضع العقوبات الذي لا يوجد فيه احتياطي كافٍ من دولارات النفط، يُعتقد أن يقوم البنك المركزي بطبع التومان وإقراض الحكومة. ونتيجة لذلك، فإن أعمال الحكومة ستصبح أفضل بشكل مؤقت، ولكن ضغط التضخم الناتج عن انخفاض قيمة العملة سيقع على عاتق الشعب أيضًا.
إن اقتراض الحكومة من النظام المصرفي يؤدي أيضًا إلى طبع العملة وزيادة السيولة والتضخم. كما أن انتشار أوراق الاقتراض ستسحب رأس المال من أيدي المواطنين إلى الحكومة وترفع أسعار الفائدة. وبهذه الطريقة، فإن حصول القطاع الخاص على الموارد سينخفض، مما يؤدي إلى الركود والإفلاس والبطالة والتضخم، أي إن الاستدانة من النظام المصرفي والأفراد قد يفتح المجال أمام العمل الحكومي بشكل مؤقت، ولكنه يزيد من أعباء الحكومات والأجيال القادمة، ويصعّب عليهم تسيير الاقتصاد.
ونتيجة لذلك، إذا لجأت حكومة روحاني إلى سحب العملة والاقتراض لتعويض العجز في الميزانية، فسوف يتسارع التضخم، ومرة أخرى، لن يکون أمام الحکومة إلا زيادة الدعم وتعظيم عجز الميزانية، لتجنب غضب الشعب من الغلاء.
في ميزانية العام الجديد (يبدأ من 21 مارس)، توقعت الحكومة تحقيق عائدات إجمالية قدرها 40 ألف مليار ريال من المؤسسات الحکومية، ولكن نظرًا للإفلاس الأخير في العمليات التجارية والغموض المحيط ببيئة العمل، فمن غير المحتمل أن يتم العثور على مشترٍ للشركات المملوكة للحکومة، التي ستبيع هذه الشركات دون مبرر اقتصادي، إلا إذا كان بهدف دفع الديون ورواتب الموظفين، مثل ما حدث في حالة شركة هفت تبه لقصب السکر.
الطريقة الأخرى التي تنتهجها الحكومة لتعويض العجز في الميزانية هي زيادة الإيرادات، من خلال رفع معدلات الضرائب أو إزالة الإعفاءات الضريبية. ففي ميزانية العام الجديد ( 21 مارس)، توقعت حكومة روحاني تحقيق عائدات ضريبية قدرها 120 ألف مليار تومان، وهو توقع متفائل نظرًا للركود في الإنتاج وارتفاع البطالة. ففي عام 2018، ووفقًا لمركز أبحاث البرلمان، انخفضت ضريبة الشركات الحكومية بنسبة 27 في المائة، فما بالك بعام 2019 وما بالك بالشركات الخاصة. ولا يجب أن نغفل أن رفع الإعفاءات الضريبية عن المؤسسات، مثل ما حدث مع الحرم الرضوي، الذي لم يحقق أي نتيجة إيجابية في هذا الصدد حتى الآن.
بناء على ما سبق، فإن الاستياء الشعبي من الأحوال الاقتصادية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية سيكون أكثر اتساعًا في العام الجديد.