تحديات صناعة النفط الإيرانية خلال الفترة القادمة
انتهى العام الشمسي 1397 (العام الرسمي الإيراني)، منذ أيام، في وضع مرت فيه صناعة النفط الإيرانية بواحدة من أصعب سنواتها بعد الثورة. في شهر مايو (أيار) الماضي، ومع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، بدأ كبار مشتري النفط الإيراني في خفض وارداتهم، وفي 4 نوفمبر (تشرين الثاني) مع البدء الرسمي للعقوبات تراجع تصدير وإنتاج النفط الإيراني تدريجيًا.
في الوقت نفسه، حاولت بعض الدول الأعضاء في "أوبك"، وغير الأعضاء أيضًا، توفير المزيد من النفط، لسد نقص النفط في السوق وعدم السماح بارتفاع الأسعار.
ومع ذلك، فإن إعفاء كبار مشتري النفط الإيراني لمدة ستة أشهر مكّن إيران من الاحتفاظ بحصتها في سوق النفط الإقليمي والعالمي.
وفي ميزانية هذا العام، تم توقع أن تكون مبيعات النفط الإيرانية 1.5 مليون برميل يوميًا بسعر 54 دولارًا للبرميل الواحد. وتبعا لذلك، يجب أن تحصل إيران على 81 مليون دولار في اليوم و29.5 مليار دولار سنويًا من مبيعات النفط.
وفي ميزانية العام الماضي، تم توقع تصدير أكثر من مليوني برميل من النفط الخام ومكثفات الغاز بسعر 55 دولارًا. لكن مع فرض العقوبات الأميركية، لم تتمكن إيران من تصدير هذه الكمية من النفط الخام ومكثفات الغاز.
وإذا فشلت إيران من تصدير مليون و500 ألف برميل يوميًا، فإن هذا يعني أن الحكومة تواجه عجزًا في الميزانية، وتراجعًا في النمو الاقتصادي، وزيادة في أسعار العملة الأجنبية والتضخم.
ووفقًا للبنك المركزي، فإن مقدار تصدير النفط الخام في ربيع العام الشمسي الماضي، كان نحو مليونين و390 ألف برميل يوميًا، وفي أغسطس (آب) الماضي، وعقب ثلاثة أشهر بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وصل إلى أقل من مليونين و100 ألف برميل يوميًا. وتشير الإحصاءات الرسمية لـ"أوبك" إلى أن متوسط إنتاج إيران من النفط خلال الفترة من مايو (أيار) إلى سبتمبر (أيلول) 2018 انخفض بنحو 370 ألف برميل يوميًا.
وكان إنتاج إيران اليومي من النفط خلال سبتمبر (أيلول) 2018 ثلاثة ملايين و450 ألف برميل. ووفقًا للإحصاءات، فقد انخفضت صادرات النفط الخام الإيراني مرة أخرى في الأيام الأولى من شهر أكتوبر (تشرين الأول). وبحسب وكالة أنباء "رويترز" بلغ متوسط صادرات إيران من النفط في أكتوبر (تشرين الأول) ما معدله مليون و330 ألف برميل في اليوم.
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2018، بلغ إنتاج النفط الإيراني نحو مليونين و800 ألف برميل يوميًا، وفي يناير (كانون الثاني) 2019 بلغ مليونين و554 ألف برميل في اليوم. ووفقًا لآخر إحصائية صادرة عن "رويترز"، بلغ متوسط إنتاج إيران في فبراير (شباط) نحو مليون و300 ألف برميل يوميًا. وبناءً على ذلك، انخفضت صادرات النفط الإيرانية في شهر مارس (آذار) – في بعض الأيّام - إلى أقل من مليون برميل يوميًا.
وقد صرح وزير النفط الإيراني، بيجن زنغنة، مرارًا وتكرارًا، بأن إيران قد عثرت على عملاء جدد لنفطها الخام، ووجدت طرقًا جديدة لبيعه، ولكن لا ترغب في الكشف عنها، ليس فقط من أجل عدم خسارة العملاء الجدد، بل حتى لا تخلق مشكلة بالنسبة إلى مشتري النفط الإيرانيين الجدد وعملية التصدير من خلال كشف طرق البيع الجديدة.
ويعد تخزين النفط في المخازن وناقلات النفط العملاقة من ضمن الطرق التي تستخدمها إيران للحفاظ على حصتها في السوق. وفي العقوبات السابقة، كانت إيران قد خزنت 30 مليون برميل في ناقلات النفط في الخليج.
بورصة الطاقة
في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعادت إيران فتح بورصة الطاقة بهدف مشاركة القطاع الخاص في مبيعات النفط، وزيادة الصادرات، والتحايل على بعض العقوبات. وكانت إيران قد استخدمت هذه الطريقة خلال العقوبات السابقة، لكن الأهم من ذلك ريع بعض المجموعات والأفراد من البورصة وعدم إرجاع عائدات النفط التي يبيعها القطاع الخاص إلى خزانة الحكومة.
وحتى الآن، تم عرض النفط الخام 7 مرات في بورصة الطاقة، لكن التعاملات في البورصة لم تكن ناجحة كما هو متوقع، ولم تتمكن من زيادة صادرات النفط الإيرانية. ومع استمرار هذه العملية، لا يمكن أن يتوقع أن يكون لبورصة الطاقة تأثير إيجابي كبير على صادرات النفط الإيرانية.
ونظرًا للاقتراب من شهر مايو (أيار)، وانتهاء مهلة الستة أشهر التي منحتها الولايات المتحدة لكبار مشتري النفط الإيراني، ستشهد صناعة النفط في إيران المزيد من الضغوط، وتشير الدلائل إلى أن الحكومة الأميركية لا تنوي تمديد هذا الإعفاء والدول الرئيسية التي تشتري النفط الإيراني خفضت وارداتها النفطية تدريجيًا.
وتهدف العقوبات النفطية إلى تصفير صادرات النفط الإيراني، لكن يمكن لإيران أن تحافظ على حصتها في السوق باستخدام ناقلات من دون رادار في البحار، والسفن التي تتحرك بتراخيص شحن مزورة في البحار، ولكن هناك مسألة مهمة أخرى هي كيف يتم تسديد عائدات النفط الذي سيتم بيعه إلى إيران؟
وقد تحدث رئيس مجموعة العمل الخاصة بإيران في الخارجية الأميركية، براين هوك، مرارًا وتكرارًا، عن عدم رغبة الولايات المتحدة في تمديد الإعفاء لمشتري النفط الإيراني، ومن المتوقع أن تنخفض صادرات النفط بعد مايو (أيار) المقبل.
وبالطبع، يجب أن ننتظر لنرى ما الذي ستتخذه "أوبك" في اجتماعها المقبل بشأن زيادة أو خفض الإنتاج. فمن المتوقع أن لا تزيد "أوبك" من إنتاجها (كما في الماضي) ما لم تطمئن من خفض المعروض من النفط الإيراني أو الفنزويلي في السوق العالمية.
كما أن الصين والهند، باعتبارهما أهم مستوردي النفط الإيراني، إذا تمكنا من إيجاد بديل، فإن شروط النفط الإيراني في السوق الآسيوية في هذا العام لن تكون سهلة. كما أن عدم تجديد الإعفاء لكوريا الجنوبية، التي تستورد أكثر من 40 في المائة من المكثفات الغازية من إيران، يمكن أن يخلق مشكلة كبيرة لعدة مراحل من شركة "بارس الجنوبي" التي تنتج المكثفات الغازية.
وإذا لم يتم تمديد هذا الإعفاء لكبار مشتري النفط الإيراني، فمن المتوقع أن ينخفض تصدير النفط إلى أقل من مليون برميل وقد يصل إلى 700 ألف برميل، ولن تكون هذه الأخبار سارَّة لصناعة النفط والاقتصاد الإيراني.