اللغة الصاروخية للحرس الثوري الإيراني
كشف الحرس الثوري الإيراني النقاب عن منظومة جديدة لإطلاق الصواريخ الباليستية. هذه المنظومة، ببساطة، نظام من المفترض أن يطلق بشكل تلقائي وذكي عددًا من الصواريخ الباليستية بشكل متتالٍ.
وفي تزامن قد يكون مقصوداً، كشف الحرس الثوري الإيراني عن هذا النظام في يوم إعلان نتائج الانتخابات الأميركية، حيث يبدو أن هذا الموعد قد تم تحديده مسبقاً ليتزامن مع إعلان الفائز في الانتخابات الأميركية، رغم أن إعلان الفائز في الانتخابات الأميركية الحالية قد يستغرق وقتاً أطول من المعتاد.
ولكن، لماذا اليوم؟ ولماذا تم الكشف عن المنظومة الصاروخية؟
يبدو أن الإجابة عن هذا السؤال، بالنظر إلى السلوك السابق للحرس الثوري الإيراني وهيكل صنع القرار في الجمهورية الإسلامية، واضحة إلى حد كبير. ويبدو أن قادة الحرس الثوري الإيراني ومرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي قد قرروا أنه سواء أصبح دونالد ترامب أو جو بايدن رئيسًا، فإن على النظام الإيراني أن يكشر عن أنيابه للولايات المتحدة من خلال إظهار قدرته الصاروخية. ولهذا السبب، فمن غير المرجح أن يكون الكشف عن النظام الصاروخي، يوم الانتخابات الأميركية، قد تم دون علم علي خامنئي نفسه. إذ إن أسلوب المرشد في قيادة القوات المسلحة هو التدخل في أدق التفاصيل، ناهيك عن الكشف عن نظام الصواريخ الباليستية يوم الانتخابات الأميركية.
من ناحية أخرى، فإن إرادة المرشد الإيراني الأعلى هي الاستمرار في الاستراتيجية والسياسة المعادية لأميركا؛ والكشف عن نظام إطلاق الصواريخ يمكن أن يتماشى تمامًا مع هذا النهج ويؤكد استمراره. فالسياسة التي أعلنها المرشد الأعلى وغيره من كبار المسؤولين في إيران هي أنه "لا يهم من يفوز في الانتخابات الأميركية". وكأن الحرس الثوري الإيراني يعتزم أيضًا نقل الرسالة نفسها من خلال الكشف عن نظامه الصاروخي؛ الرسالة التي مفادها أن النظام الإيراني سيتحدث إلى الولايات المتحدة بلغة الصواريخ.
وتعد القدرة الصاروخية للحرس الثوري الإيراني، إلى جانب المجموعات التي تعمل بالوكالة تحت قيادة فيلق القدس، أداتين لقوة النظام الإيراني لتحدي الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط. إلا أنه مع مقتل قاسم سليماني العام الماضي، أزالت الولايات المتحدة القائد الأعلى للجماعات التي تعمل بالوكالة من معادلات المنطقة، ووجهت ضربة قاسية لفيلق القدس وشبكة قيادة الجماعات التي تعمل بالوكالة عن النظام الإيراني في المنطقة، والأهم من ذلك لسياسة إيران في الشرق الأوسط، حيث أصبح فيلق القدس، بعد مقتل سليماني، أكثر ضعفاً وأقل نشاطًا في المناطق السابقة. بينما قالت الولايات المتحدة إنها سترد بقوة على أي تحرك انتقامي من جانب فيلق القدس والجماعات التي تعمل بالوكالة لإيران ضد أهداف الولايات المتحدة وحلفائها.
في غضون ذلك، فإن الأداة الموثوقة الوحيدة المتبقية للنظام الإيراني لإظهار عضلاته أمام الولايات المتحدة هي القوة الصاروخية. حيث يعتقد الحرس الثوري الإيراني أن الكشف عن نظام إطلاق الصواريخ هو في حد ذاته رسالة صاروخية قوية للولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الواقع يختلف تمامًا عن تصور قادة الحرس الثوري الإيراني والمرشد نفسه.
إن مشكلات النظام الإيراني، اليوم، ليست من النوع الذي يجعل الكشف عن صاروخ، أو حتى اختبار صاروخ، حلاً مناسباً لهذه المشكلات. إن الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي، وخفض عائدات النفط بسبب سياسة "الضغط الأقصى" الأميركية، وأزمة كورونا، وعدم كفاءة الحكومة في السيطرة عليها وإدارتها، واستياء الناس من هذا الوضع، واحتمال تكرار الاحتجاجات الشعبية الكبرى، هي في الأساس مشكلات اقتصادية وأمنية، ومن غير المرجح أن يكون اختبار الصواريخ هو الحل المناسب لها. ومع ذلك، ينظر الحرس الثوري إلى التحديات بين إيران والولايات المتحدة من منظور "سياسي - أمني". إذ يعتقد الحرس الثوري الإيراني والمرشد نفسه، في سياق الاستراتيجية المناهضة لأميركا، أن إرادة النظام في مواصلة الصراع يجب إظهارها من خلال عرض الصواريخ وحتى اختبارها.
يعتقد المرشد الأعلى، والرئيس، ووزير الخارجية، وقادة الحرس الثوري الإيراني، أن الولايات المتحدة ستواصل سياساتها المعادية للنظام الإيراني، بغض النظر عمن سيكون رئيسها، لكنهم يتجاهلون، عن عمد، جزءًا مهمًا من حقيقة أن النظام الإيراني استمر في معاداة أميركا على مدى العقود الأربعة الماضية، بغض النظر عمن يحكم الولايات المتحدة.
ويمكن العثور على أمثلة وثائقية لهذا النهج، منها معارضة علي خامنئي لدخول الشركات الأميركية السوق الإيرانية بعد توقيع الاتفاق النووي، ومعارضته الصريحة لمكالمة حسن روحاني الهاتفية مع الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما، والاختبارات الصاروخية للحرس الثوري الإيراني بعد الاتفاق النووي، حيث كُتِب شعار "تدمير إسرائيل" على هذه الصواريخ.