أفول نجم ظريف بعد مجيء ترامب
أكدت المهمة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في ميونيخ، واستضافته الباردة في اليوم الأخير من الاجتماع السنوي لمؤتمر الأمن في ألمانيا، أن وزير خارجية روحاني أصبح بالفعل هو "العجلة الخامسة" لسياسة ایران الخارجیة، ولم تعد له تلك المکانة السابقة لدى المؤسسات السياسية الأجنبية.
إن أحداث يوم الاثنين 25 فبراير (شباط)، وإبعاد وزارة الخارجية ووزيرها من لقاء الرئيس السوري بشار الأسد مع المرشد الأعلی، علي خامنئي، وحسن روحاني في طهران، يبدو أنها کانت القطرة الأخيرة في كأس الصبر لرجل كان قبل أربع سنوات وقبل دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أحد أشهر الشخصيات اللامعة في الإعلام، وأكثرها شهرة، وكان يذكّرنا، نوعًا ما، بوزیر المالیة الإيراني في العهد الشاهنشاهي، جمشيد آموزیجار، ووزیر النفط السعودي أحمد زکي یماني، أثناء أزمة النفط في السبعينيات.
وكان مصطلح "خيال الحقل"، أو "الصورة"، الذي استخدمه الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، إشارة إلى عدم قدرة الحكومة على اتخاذ القرارات المطلوبة، منطبقًا أكثر ما يكون على أداء ظريف ومجموعته في الأشهر الأخيرة، الذين يعد وجودهم مجرد وجود شكلي، فيما تتخذ القرارات من جهات أخرى.
وتعد أنباء استقالة عدد من كبار الدبلوماسيين في وزارة الخارجية، تزامنًا مع استقالة ظريف دلالة على مشاعرهم المشتركة، في عدم جدوی بقائهم جميعًا في وزارة الخارجية.
ولكي يتم تنفيذ السياسات الجديدة، فإن المبدأ المتعارف عليه في الدبلوماسية المعاصرة أن يكون هناك عناصر ومنفذون جدد، لكن حسن روحاني أغفل تطبيق هذا المبدأ بسبب شح الأنصار والموالين داخل الحكومة وبين الأوفیاء له من جهة، وأمله في إیجاد وسيلة لمواصلة عمل الحكومة علی نهجها السابق، بما فی ذلك الحفاظ على الاتفاق النووي المصاب بشلل نصفي، واستمرار العلاقات المضطربة مع أوروبا، من جهة ثانية.
ليس هناك أدنى شك في أنه مع صعود ترامب، انتهت حقبة التعامل بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وبذلك انتهى الوضع الذي كان موجودًا، وحسبما اعترف الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأسبوع الماضي، فإن المواجهة بين طهران وواشنطن هي في حدها الأقصى وليس تبادل الكلام المعسول بين جون كيري وظريف.
کان ظریف ماهرًا فقط في اللغة الدبلوماسية وإيماءاتها، وكان یجید استخدام ابتساماته الدائمة للكاميرات، وکان یغرد بتغریدات توافقية، بطريقة معاصرة وباللغتین. أما فيما يتصل بحربه الناعمة فكان قد استعد بمجموعة من الأكاديميین والإعلامیین وجماعات الضغط العاملة في واشنطن وبروكسل، ومع ذلك، فقد تغيرت ساحة المعركة وطبيعتها مع مجيء ترامب.
وخلال الأربعين عامًا الماضیة، وخاصة في العام الماضي، کانت الولايات المتحدة الأميركية تشكل الجانب الأكثر أهمية وإثارة للقلق لدی القادة الإیرانیین، لکن زعماء البيت الأبيض الجدد الیوم، بدلا من التفکیر في النظام الإیراني، أصبحوا یفکرون في مواجهة سياسات وممارسات الإدارة السابقة، وأصبحت إیران هي الضحية في تجاذبات سياسية أكبر في السياسة الداخلية للولايات المتحدة الأميرکیة.
وإذا كانت حكومة روحاني قد أخذت زمام المبادرة وسعت إلى تسویة القضية النووية مع الولايات المتحدة الأميرکیة، وعينت ظريف لمتابعة تحقیق هذا الهدف في منصب وزير الخارجية، فإنها أدركت أن الاتفاق النووي أصبح منتهيًا فعليًا، بعد فشل هيلاري في أن تخلف أوباما، و"استمرار الوضع القائم". كما أن التمسك باستمرار العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، والتعويل علی السيدة موغيريني والإصرار على تبني مشاريع قوانين مكافحة غسل الأموال، و"الآلية المالية الأوروبية"، یعتبر مضیعة للوقت في أعین المعارضین والمنافسين.
وکان علی ظریف أن یدرك حقيقة أن الممثلين السياسيين لإدارة ترامب لن يثقوا أبدًا بالأشخاص الذين توصلوا مع جون كيري إلی الاتفاق النووي، كما أن إظهار "الاستعداد للتفاوض" یعني القبول بالمحادثات بعد الاستسلام.
وعلى الرغم من التغير في طبيعة المشهد السياسي، فإن روحاني وظريف، اللذين کانا یجدان نفسيهما على متن قارب بـ"الاتفاق النووي"، يبدو أنهما قررا المقاومة وصارا يتبادلان المواقف فيما بينهما، غافلين عن الضغوط الداخلية المتزايدة والمتتابعة والتي تعزز من عزيمة المنافسين لإبعاد الاثنين في أقرب وقت ممكن.
ولا شك أن تنحي ظريف سیکون بداية لمسار مختلف لحكومة روحاني، بحیث لن يتمكن حتی باستدارته المجبرة والكاملة باتجاه اليمين، من وقف عدم الاستقرار المستمر وتفاقمه في أركان الحكومة.
ويرى معارضو النظام الإيراني أن تنحي ظريف يعتبر تطورًا حاسمًا في مسار المزيد من تقويض "الحكومة المتعجلة"، وفي النهاية سیؤدي ذلك إلى انهيار الحكومة. کما ستعمل المعارضة الداخلية على نحو أكثر برغماتية للنجاح في الانتخابات البرلمانية، ومن ثم التوجه نحو الاستحواذ علی الحكومة بأکملها. وهي الآمال التي يمكن لها أن تتبخر سريعًا، نتیجة تطور مفاجئ كالذي حدث مع زيارة الأسد لطهران یوم الاثنین 25 فبراير (شباط).