سر الخلاف بین “رجال الدين الشيعة” في إيران
تصريحات محمد يزدي، وصادق لاريجاني، ضد بعضهما البعض، في المجال العام، غير مسبوقة بين رجال الدين الشيعة الأقوياء الذين يثق بهم علي خامنئي، ولكنها ليست مستغربة بالنسبة لأولئك الذين يعرفون المؤسسة الدينية وما خلف الكواليس في إيران.
إن الجدال بین رجلي الدین هذین، اللذین كانا عضوين في مجلس صيانة الدستور، ومجلس الخبراء، وکان کل منهما رئیسًا للسلطة القضائية لمدة عشر سنوات، ویحملان أسرار الحكم؛ يکشف كثيرًا من النقاط التي توضح ثقافة رجال الدين وأسالیبهم داخل مؤسستهم الدینیة، ورجال الدين الحاكمین، والقضايا المطروحة في هذه المؤسسة، ولدی هذه الفئة.
في هذا المقال، سأتطرق فقط إلى ثلاث نقاط کانت بارزة في حدیث کلا الجانبین.
النزاع علی التجارب الفقهیة
في الأوساط الخاصة برجال الدين الشيعة، يتم الحكم دائمًا على مدی ثقافتهم الفقهية والقرآنية والأدبية، وهناك القليل من رجال الدين الذين يمكن أن يمدحوا غيرهم في هذه المجالات. وعادة ما يحقرون من الآخرين ليصبحوا في مكانة أعلى.
لقد اشتد النزاع في فترة الجمهورية الإسلامية مما تسبب في تزاید أمية رجال الدين الشيعة البارزين، وتبخرت بسرعة الدراسة والمناقشة، وذهبت طي النسیان، مع وصول رجال الدين الشيعة إلى المناصب الحکومیة؛ حيث انخرطوا في إدارة البلاد، بالإضافة إلى تحويل المدارس الدینیة لجذب الطموحين في تسلق سلم السلطة في فترة قصيرة من الزمن، وتدفقت موارد لا حصر لها إلی هذه المدارس التي لم تعد تشعر بالحاجة إلى المساعدة الطوعية من المواطنين، وهو ما جعل رجال الدين المؤمنين بالجمهورية الإسلامية یبدون أقل معرفة بالعلوم الإسلامیة، وخاصة الفقه وعلم الكلام وعلم التفسير (وهي علوم لم تكن، في الماضي أیضًا، مزدهرة في الحوزات الدینیة).
إن هذا النوع من التقييم واضح في نزاع يزدي ولاريجاني، بعد أن قال يزدي للاريجاني: "لم یکن وجودك في قم مؤثرًا، ناهيك بالنجف".
فأجاب لاريجاني: "يكفي أن نلقي نظرة على كتاباتك علی هامش كتاب الراحل (سيد صاحب عروة)، کي نكتشف مدی أثرك في هذا المجال، وسیتضح مدى تعليمك وقدرتك على استنباط الأحکام.. لسوء الحظ، لم تلاحظ أن كتاب القضاء للسید، کان کتاب استدلال (على عكس المجلد الأول للسید عروة)؛ إلی أي مدی دمرت هذا الکتاب؟ أتمنى لو كنت قد قمت بمجرد ترجمته حتى يعرف القارئ على الأقل من الذي يتحدث.. وفي مجلس صيانة الدستور، كلماتك غير الدقيقة وغير المعقولة، والبعيدة عن الموضوع، واضحة للأعضاء.. لا نتوقع منك فهم كلمات الباحث نائيني، والباحث عراقي، والباحث أصفهاني! لأنك لست أهلا لها، لكن الدقة في العبارات الفارسية من القوانين التي اعتمدها المجلس والتدقيق في عدم مخالفتها للقانون أو الشريعة الإسلامية هي توقعات مشروعة، وللأسف مفقودة في بعض الأحيان". (وكالة "تسنيم"، 18 أغسطس/ آب 2019).
إن هذه التفاصيل الخاصة بأمية أو تدني الثقافة الدینیة لفقیه بارز في الساحة العامة، تظهر التنافس السياسي المكثف بين مؤيدي يزدي في أوساط "جامعة المدرسین"، وأسرة لاريجاني.
النزاع على الباقیات والمؤسسات
سعى رجال الدين الشيعة إلى جعل مؤسساتهم الدينية، مثل المدارس والمساجد، أكثر بروزًا (مثل المسجد المعروف باسم بروجردي في فناء السیدة معصومة في قم) من أجل إبقاء أثرهم في التاريخ الشيعي. بطبيعة الحال، لم يكونوا جميعًا يتمتعون بهذه القدرة المالية، واستخدموا التمويل الحكومي والعام للقيام بذلك.
وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، كانت مدينة قم مركز هذه الإنشاءات، وقد وضع رجال الدين تريليونات الأطنان من الخرسانات، وأنفقوا مليارات الدولارات على ذلك، بحيث لم تعد قم اليوم أبنیة من الطوب الطيني کما کانت قبل خمسة عقود، بل أصبحت مدينة مليئة بالهياكل الخرسانية. هذه الأبنیة لیست غريبة على الناس العاديين فحسب، بل تثیر استغراب رجال الدين أنفسهم، بالطبع، إذا كانت لغیرهم، وينطبق الشيء نفسه على يزدي ولاريجاني.
وفي كلمة ألقاها أمام مجموعة من الباسيج، قال يزدي مخاطبًا لاريجاني: "بنیتَ قصراً باسم المدرسة الدینیة! هل كان ذلك ميراث والدك، من أين حصلت عليه؟".
وبرر لاريجاني عمله بالإشارة إلى انتشار الإساءة للمال العام في مثل هذه الإنشاءات، قائلاً: "لقد قام البعض بإنشاء كثير من المدارس الأخرى في قم، وعلى مستوى الوطن، فهل کان ذلك أیضًا ميراث والدهم؟ وهل القصر الذي تستخدمه أنت حالیًا ميراث والدك؟ إذا کنت تقصد ظاهره فهذه الأبنیة التي تستخدمها أنت کانت کذلك أیضًا.. لقد استولیت علی مبنى مركز أبحاث أمانة الخبراء من السلطات في ذلك الوقت، وجعلته مقرًا لك بصفتك نائبًا لرئيس مجلس الخبراء، وکان ذلك المبني، بنفس هذه المواصفات، ولکنك لم تقل بنوا قصرًا، بل انتقلت إلیه بکل حماس". (نفس المصدر).
لقد أصبح المال العام في إيران، خلال حكم رجال الدين، أداة للتباهي وصنع الباقیات (غیر الصالحات). بطبيعة الحال، يرى رجال الدين الذين يؤمنون بولایة الفقیه أن جميع هذه المصادر ملكًا للإمام الغائب، ویحق لنائبه أو نوابه التصرف فیها.
النزاع علی المزایا
كانت المنافسة بين رجال الدين الشيعة على مدى العقود الأربعة الماضية تتمثل في زيادة امتيازاتهم وقوتهم ومزايا أفراد أسرهم وأصدقائهم.
في الهجوم على لاريجاني، تحدث يزدي عن فساد المحيطين به، وذکّر لاريجاني أیضًا، علی سبیل المثال، بحالات الفساد التي تم الکشف عنها (وليس تلك التي لا تزال محصنة).
إن تطبيع وباء الفساد وتوسيعه في بلد تم فيه إضفاء الطابع المؤسسي على هذا الفساد ليس بالأمر الصعب. فالسلطات المسؤولة أيضًا بما أنها تسيء استخدام صلاحياتها، فدائما ما تجد لديها ملفات يشير إليها آخرون.
وقد أشار صادق لاريجاني إلى فساد الآخرين، أثناء دفاعه عن شخص فاسد (النائب التنفیذي لرئیس السلطة القضائیة)، فقال: "هل هؤلاء الذين يتبجحون اليوم بالشفافية ومکافحة الفساد، وأخذوا یثیرون الأجواء منذ شهور، لاعتقال شخص لم يكن نائبًا لي ولا مديرًا لمکتبي، بل مدير إحدى إدارات الرئاسة تحت إشراف شخصية فاضلة وشريفة، مثل السيد خلفي، هل هؤلاء الیوم یعملون نفس الشيء فیما یخص السید شریفي، نائب عمدة طهران السابق، والسيد سيف، النائب الاقتصادي لاستخبارات الحرس الثوري الإيراني؟". (المرجع نفسه).
النزاع علی المصالح
كما نرى، فإن النزاع بين رجال الدين إنما هو علی مواقعهم ومصالحهم وامتيازاتهم، ولا علاقة له بالقضايا اليومية للشعب الإيراني. في المصادمات بين رجال الدين، الخلاف لیس حول مصلحة الجمهور، وحريات المواطنين وحقوقهم، وكيفیة تطویر البلاد، وليس حول مدى الانحدار الأخلاقي للمجتمع.
من حيث المبدأ، لا يهتم رجال الدین بالقضايا اليومية والأزمات الاجتماعية والسياسية والمسؤوليات الحكومية. كل واحد من هذه الفئة المميزة يطلب المزيد من النقاط، ويريد منح الآخرين أقل قدر من هذه المميزات.. بالطبع، تساهم الموارد المحدودة أيضًا في هذه الاختلافات.