ظریف وأوضاع حقوق الإنسان في إيران
أثناء حديثه في مؤتمر بعنوان "حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية"، بحضور رئيس السلطة القضائية، إبراهيم رئيسي، في طهران، أثار خطاب محمد جواد ظريف ردود فعل أكثر من أي متحدث آخر.
وفي هذا الحفل، أثنى ظریف على إبراهيم رئيسي، الذي اتُهم هو نفسه بعدد لا يحصى من عمليات الإعدام عام 1988، حيث قال ظريف: "لقد ركز آية الله رئيسي، بصفته رئيس السلطة القضائية، التركيز الأكبر على حقوق الإنسان، فكانت إحدى خططه هي متابعة قضایا حقوق الإنسان".
وبغض النظر عن الخلفية السوداء التي سُجلت لإبراهيم رئيسي، بشهادة من آية الله منتظري، فمن الواضح أن ظريف لم ينظر في سجل رئیسي عندما قال إنه یركز على قضایا حقوق الإنسان، لا سیما وأن رئيسي لم یمض علی تعيينه في السلطة القضائیة إلا وقت قصیر.
لكن على الرغم من کلمات ظريف التي أثارت ردود فعل كثيرة في وسائل الإعلام، فإن تصريحات ظريف الأخيرة حول الحاجة إلى احترام حقوق الإنسان أثارت أسئلة أكثر أهمية.
لقد قال ظریف: "إن الشعب في جمهورية إيران الإسلامية هو أساس الشرعية والسلطة والأمن والتقدم والاستقلال"، وأضاف: "إننا نعتبر حماية حقوق الإنسان واجبًا إلهيًا، ونعتقد أننا سنُسأل عنها یوم القیامة".
وذهب ظريف إلى حد القول إن "حقوق الإنسان ليست مجرد إجراءات بالنسبة لنا، لكنها وفق ما جاء في الآية الکریمة (ولقد کرمنا بني آدم)، لذا فإن حقوق الإنسان متأصلة فينا".
ليس هناك شك في أن كل واحدة من هذه الكلمات هي عبارات قيمة ولا يمكن الشك فيها، فإذا كان ظریف يعتبر حقوق الإنسان متأصلة في ذاته، فإن ذلك حدیث یسر القلب، وبالتالي لا ينبغي التمييز بين الإيراني المسلم والإيراني البهائي. لكن هل الأمر کذلك بالفعل؟
إن أكثر ما يثير الشك في خطاب ظریف هو أنه أقر في الخطاب بأن "لدينا بالتأکید أوجه قصور في قضايا حقوق الإنسان". الآن، وفقاً لاعترافه هذا، فإن السؤال هو، إلی أي مدی تصل أوجه القصور في قضایا حقوق الإنسان في الجمهورية الإسلامية؟ ما يعترف به تحت عنوان أوجه القصور في حقوق الإنسان يمكن أن يتراوح بين واحد إلى 100. هل يعتبر ظریف أوجه القصور في حقوق الإنسان بالجمهورية الإسلامية جزئیة أم عامة؟ هل يعتبر انتهاكات حقوق الإنسان في الجمهورية الإسلامية حالات فردية أم منهجية؟ وما هو رده على أحكام منظمات حقوق الإنسان التي أصدرت العشرات بل المئات من التقارير والقرارات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران؟
ذات مرة وصف ظريف نفسه بأنه "أستاذ حقوق الإنسان" وقام بتدريس هذه المادة لأكثر من "خمس سنوات". وبصرف النظر عن خلفيته الأكاديمية، فقد شهد أيضًا ردود فعل منظمات حقوق الإنسان على وضع حقوق الإنسان في إيران كوزير للخارجية. لكن وزارة الخارجية التي یدیرها، رفضت دون استثناء کل القرارات التي أشارت إلی وجود "أوجه قصور في حقوق الإنسان في إیران"، مثلما أشار ظريف، دون الاعتراف على الأقل بصحة بعض مخاوف المنظمات الدولیة بشأن حقوق الإنسان في إيران، على ما أقر بذلك ظريف نفسه.
في هذا المقال لیس هناك مجال للتصدي للانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان في جمهورية إيران الإسلامية. ولكن هناك سؤالا مهمًا واحدًا: إذا كان ظريف يستطيع تقديم إجابة مقنعة، فقد أجاب على سؤال كبير وهو:
لقد استندت الجمهورية الإسلامية، مرارًا وتكرارًا، إلی هذه الحقيقة المجردة لإثبات سلمیة برنامجها النووي بأنها سمحت لآلاف الساعات من عمليات التفتيش التي أجرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية باعتبارها "مرجعًا دوليًا".
فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم تسمح الجمهورية الإسلامية، حتی الآن، لأي من مراسلي حقوق الإنسان (أحمد شهيد، عاصمة جهانغیر، وجاويد رحمان) والذین عیّنهم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمعاينة وضع حقوق الإنسان في إيران منذ عام 2007؛ ولم تسمح لهم بالتفتيش في إیران ولو لدقیقة واحدة؟
بمعنى آخر، السؤال هو: ما الفارق بين مفتشي الوكالة كسلطة رسمية، والمقرر المعين من مجلس حقوق الإنسان كسلطة رسمية أخرى؟ كيف يتم السماح للوکالة الدولیة للطاقة الذریة بفحص آلاف الآلاف من الساعات دون السماح لمجلس حقوق الإنسان؟
يقولون: "من اجتنب السیئات أمن العقاب". تطبیقاً لهذا الکلام الحکیم، سمحت الجمهورية الإسلامية حتى الآن للوکالة الدولیة بآلاف الساعات من عمليات التفتيش، وعلى هذا الأساس، لم يُسمح لمراسل حقوق الإنسان بالتفتيش لمدة دقيقة واحدة..
فما هو حجم انتهاكات حقوق الإنسان التي يعترف بها ظریف نفسه، ویتعین علیه أن یجیب عنها؟
وإذا كان الخوف من قبول مقرر حقوق الإنسان سببه محاولة التستر حقا، فعلى أي نوع من الكوارث الإنسانیة؟
وفي ظل هذا الوضع المؤلم، هل يستطيع ظريف أن يدعي أن الجمهورية الإسلامية تعتبر حقوق الإنسان "متأصلة في ذاتها؟".