بعد أسابيع قليلة من إعلان العقوبات الأميركية المفروضة ضد علي خامنئي، مرشد جمهورية إيران الإسلامية، فرضت وزارة الخزانة الأميرکیة حظرًا علی وزير الخارجية الإيراني وكبير المفاوضين في الاتفاق النووي، محمد جواد ظريف، وهي خطوة يمكن أن تعكس صورة مختلفة عن جمهورية إیران الإسلامية في العالم.

يعود تاريخ الحظر واستخدامه في الضغط إلى سنوات قبل الميلاد وقرار أثينا بمعاقبة مدينة ميغارا المجاورة، حيث تم استخدام هذه الطريقة وإساءة استخدامها من قبل القوى العظمى لعدة قرون، لكن في حالات قليلة فقط حققت النتيجة المرجوة.

لقد قاطعت عصبة الأمم بينيتو موسوليني، الزعيم الفاشي لإيطاليا قبل الحرب العالمية الثانية، بسبب غزو إيطاليا لإثيوبيا (الحبشة سابقًا). ومن الأمثلة المشابهة یمکن الإشارة إلی مقاطعة الزعماء العنصريين في جنوب أفريقيا أو مقاطعة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، في أعقاب حادثة 9 سبتمبر (أيلول) الإرهابية، ومقاطعة الزعيم الليبي السابق معمر القذافي عام 2011.

لقد وفرت العديد من التجارب التاريخية أساسًا لتصميم وتنفيذ العقوبات "الموجهة" و"الذكية"، مما يجعل هذه الأداة- التي كان يطلق عليها في السابق الذراع الضعيفة للدبلوماسية- فعالةً.

كانت سياسة "الضغط الأقصى" التي تتبعها إدارة دونالد ترامب ضد جمهورية إيران الإسلامية "لتغيير سلوك" طهران، هي تخفيض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، الهدف الذي کان یعتبره الخبراء والمراقبون "طموحًا" یستحیل تحقیقه، بالنظر إلى عدد جیران إیران، وکذلك إمکانیة وصول إيران إلی المیاه الدولية.

وبعد ستة أشهر من إعلان الحكومة الأميركية عن عدم تجدید إعفاءات المشترين للنفط الإيراني، أفادت مصادر موثوقة بأن صادرات النفط الإيرانية انخفضت إلى أقل من 100 ألف برميل يوميًا في يوليو (تموز) الماضي، مما يشير بحد ذاته إلى "عقوبات موجهة"، علی الرغم من أنها لم تُعتمد من الأمم المتحدة، ولم یوافق علیها الكونغرس الأميركي.

ويعد الحظر المفروض على جواد ظريف، الذي يزعم أنه "ليست له مصالح وأصول خارج إيران"، أحد "العقوبات الذكية" التي تتوقع الحكومة الأميركية أن تحقق، من خلالها، الأهداف المعلنة.

لماذا ظریف؟

جواد ظريف هو الدبلوماسي الأكثر خبرة في جمهورية إيران الإسلامية، فبالإضافة إلی معرفته الکافیة بکیفیة عمل وسائل الإعلام، فهو على دراية جيدة بلغة الأميرکیین بسبب تعليمه في الولايات المتحدة، وهذه میزة رائعة لم يتمتع بها أي وزير خارجية في جمهورية إيران الإسلامية في السنوات الأربعين الماضية.

على سبيل المثال، بدا كمال خرازي، وزير الخارجية في حكومتي محمد خاتمي، غير قادر على الإجابة عن سؤال إعلامي باللغة الإنجليزية (في فترة وزارته) حتى إن وسائل الإعلام المحلية انتقدته، ولم ينس الإعلام سقطة خرازي إلا بعد سقطة مشابهة للرئيس الحالي حسن روحاني، في مقابلته الشهيرة مع مراسلة "سي إن إن" ذات الأصول الإيرانية، كريستين أمانبور!

يبدو أن جواد ظريف قد فقد مكانته المحلية وطغى عليه العسکر تمامًا، منذ مجيء حکومة ترامب، حيث تراجعت أهمیة الصفقة النووية مع مجموعة 5+1، وخاصة بعد استبعاده من قائمة مستقبلي بشار الأسد في طهران، ما أدی إلى تقديمه استقالته، ثم أعاد تحديد وظيفته، وتقسيم المسؤوليات الإدارية بشكل رئيسي بينه وبين زملائه، وتولي شخصيًا دور "سفير النوايا الحسنة، وإظهار الوجه المقبول والبريء للنظام، في وسائل الإعلام الأجنبية".

للقيام بهذا الدور، سافر جواد ظريف إلى نيويورك أربع مرات بذرائع واهیة، على مدى الأشهر التسعة الماضية، منذ اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام الماضي إلی الآن، وبقي هناك ما بين أسبوع إلى أسبوعين في كل مرة، وعلى هامش الأعمال الرسمیة کان یقوم، علی ما یبدو، بعقد لقاءات مع وسائل الإعلام الأميركية وغير الأميركية الشهيرة، بما في ذلك "فوکس نیوز"، و"سي إن إن"، و"بلومبرغ"، و"بي بي سي".

وينبغي هنا أن نذكر أن أحد مظاهر "الحرب الناعمة"، التي قامت بها إدارة ترامب ضد جمهورية إيران الإسلامية، كان الجانب النفسي والإعلامي والسياسي، ويعد ظريف شخصية معروفة في جميع أنحاء العالم، وبوقًا دعائيًا للمؤسسة الدينية الإيرانية، وینبغي إحباط دوره الجديد، كما تعتقد الحكومة الأميركية.

استعادة الشرعية الزائفة

في عام 2009، وفي أعقاب موجة الاحتجاجات الملیونیة على نتائج الانتخابات الرئاسية وحرق صور علي خامنئي ورکلها بالأرجل، اهتزت الصورة التي کانت جمهورية إيران الإسلامية تقدمها عن نفسها، وتلاشت شرعيتها.

خلال عامين من المحادثات النووية، بين كيري، وزير خارجية حکومة أوباما الثانية، وجواد ظريف، والانتشار الواسع لصور هذه الاجتماعات في وسائل الإعلام العالمية، تم تقديم مظهر "تقليدي" لجمهورية إيران الإسلامية، فاستعادت شرعیتها المفقودة، نوعًا ما.

وتحرص إدارة ترامب على إفشال جميع ما أبرمته إدارة أوباما، في مجال السياسة الخارجية، أي إن الهدف الأبرز المعلن والمتبع هو إلغاء الصفقة النوویة الموقعة مع جمهوریة إیران الإسلامیة عام 2015، وجميع التبعات المترتبة علیها.

كما تعتزم إدارة ترامب تقدیم جمهورية إيران الإسلامية علی أنها "مافيویة وغير شرعية"، واستعادة التنازلات التي منحتها إدارة أوباما، وإسكات أبواق دعاية طهران في وسائل الإعلام العالمية.

لا شك أن البعد الاقتصادي للحظر المفروض على جواد ظريف ضئيل، بل ربما أقل قیمة من ساعة رولكس لزعیم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، لكنه یحمل رسالة سياسية واضحة إلى طهران وهي: "إذا کنتم مستعدین للتفاوض، فإن جواد ظریف لیس الشخص المناسب لهذا الغرض، أرسلوا أشخاصًا آخرین (مثل العسکریین أو المقربین من المرشد، وليس الحكومة)".

وعلى الرغم من أن أبعاد الحظر الأميركي المفروض على جواد ظريف لم تتضح بعد، إلا أن رحلاته المستقبلية إلى الولايات المتحدة ستكون في نطاق محدود، كما أن تحرکه الجغرافي في المدينة سیصبح أكثر انغلاقًا، وسيكون وصوله إلى وسائل الإعلام العالمية أقل بكثير من ذي قبل.

من الآن فصاعدًا، بالإضافة إلى الشخصيات العاملة في حكومة الولايات المتحدة، وغير العاملة مثل جون كيري، والسيناتور بول راند، اللذين سبق لهما عقد اجتماعات غير رسمية مع وزير الخارجية الإیراني؛ من الصعب علی وسائل الإعلام الأميرکیة مقابلة شخص یخضع للعقوبات وتعتبره حكومة الولايات المتحدة "عنصرًا غير مرغوب فيه".