أحكام القضاء الإيراني ضد محتجي نوفمبر: السجن 460 عامًا.. و5 آلاف جلدة.. وأعمال إجبارية في مراكز حكومية
خلال الأيام الأخيرة، وتزامنًا مع الذكرى السنوية الأولى لاحتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2019، روجت وسائل الإعلام المقربة من الحرس الثوري والنظام الإيراني لتصريحات المتحدث باسم السلطة القضائية التي أعلن فيها عن إطلاق سراح والعفو عن 157 معتقلاً من بين أكثر من 10 آلاف محتجز تم اعتقالهم في هذه الاحتجاجات.
وبعد مرور عام واحد فقط على الاحتجاجات، تشير التقارير إلى أنه تم حتى الآن الحكم على عشرات المواطنين الذين شاركوا في هذه الاحتجاجات بأحكام قاسية بالسجن والجلد والنفي والعمل القسري لمراكز عسكرية وحكومية في إيران.
وتشير التقارير الواردة من مؤسسات ناشطة في مجال حقوق الإنسان إلى أنه خلال هذا العام، صدرت أحكام بالسجن التعزيري لمدة 460 عامًا، على الأقل، و5 آلاف جلدة، والعمل القسري في مؤسسات الباسيج والمستشفيات ومغاسل الموتى والمراكز الحكومية .
كما تم فرض عقوبات أخرى على المحتجين، مثل إعادة نسخ الكتب الدينية والأخلاقية التي تؤيد نظام الجمهورية الإسلامية.
على سبيل المثال، يقبع في الوقت الحالي ثلاثة شباب على الأقل، من مواليد التسعينيات في السجون الإيرانية، وقد حكم عليهم بالإعدام. كما أقدم والد أمير حسين مرادي، أحد هؤلاء الشباب المذكورين على شنق نفسه بسبب مخاوفه من إعدام ابنه.
الحبس في مكان ضيق ومؤذٍ.. الانتحار والإعاقة
الجدير بالذكر أن السلطات الإيرانية لم تكتف باعتقال المحتجين، فقد وردت خلال هذه السنة تحذيرات متكررة بشأن طريقة احتجاز المعتقلين في أوضاع صعبة وغير قياسية.
كما تم نشر تقارير عديدة من قبل السجناء وأسرهم ومنظمات حقوق الإنسان حول تعذيب السجناء الذين تم اعتقالهم في احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. على سبيل المثال، تعرض الشاب نادر مختاري للضرب والتعذيب أثناء اعتقاله في الاحتجاجات، مما أدى إلى إعاقته ورقوده في المستشفى، وبعد شهور قليلة من نقله قسراً إلى سجن كهريزك لقى مصرعه هناك.
وفي حالة أخرى داخل سجن طهران، أدت ضغوط السجن وعقب إبلاغ الحكم بالسجن لمدة 10 سنوات، إلى أن سجينا يبلغ من العمر 18 عامًا و"يعول أسرته"، أقدم على الانتحار، حيث تم نقله إلى المستشفى.
ونددت منظمات حقوق الإنسان الدولية مرارًا وتكرارًا بطريقة معاملة المسؤولين الأمنيين والقضائيين مع المعتقلين، خلال احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019.
الاختلاف الاجتماعي والعرقي بين المعتقلين
ويظهر تقصي المعلومات الواردة في الملفات القضائية لمعتقلي احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) أن المواطنين لم يتم اعتقالهم أو إدانتهم في محافظات معينة أو في المدن الكبرى فقط، وهو ما تؤكده خرائط الاحتجاجات المنتشرة سابقا.
وأظهرت البيانات أن المحافظات التي تقطن فيها القوميات الإيرانية المختلفة بما فيها أذربيجان الشرقية والغربية، وأردبيل، وخراسان، وكردستان، وخوزستان، ولرستان، والمحافظات المركزية بما فيها البرز، وأصفهان، هي أيضا لديها عدد من المعتقلين على خلفية احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، إضافة إلى العاصمة طهران.
ومن بين هؤلاء المدانين، هناك أيضًا مواطنون من الأقليات الدينية، بما في ذلك السنة. والأقليات القومية، بما في ذلك الأكراد والبلوش والأتراك.
وكانت وزارة الداخلية الإيرانية قد أكدت رسميًا أن الاحتجاجات المذكورة، التي كانت لها ظروف "خاصة" في عدة مدن، سرعان ما امتدت إلى أكثر من 27 محافظة.
وفي كثير من الحالات، كان المدانون من ضواحي المحافظات، فعلى سبيل المثال في محافظة طهران توجد قضايا إدانة من قبل محكمة الثورة في مدن قرجك ورامين وشهريار ودماوند. وقد تم في هذه الاحتجاجات اعتقال والدة وابنها من أسرة واحدة وتمت إدانتهما بالسجن.
وظائف وأعمال المدانين.. من مغني راب إلى سائق سيارة أجرة
يشار إلى أن معظم المدانين في هذه الاحتجاجات هم من المواطنين والموظفين العاديين، من "الطبقة الوسطى"، بمن فيهم الصحافيون والطلاب والمعلمون والنشطاء المدنيون، وسائر الشرائح الاجتماعية والمهنية الأخرى.
وتؤكد تصريحات المسؤولين الإيرانيين بمن فيهم علي مطهري، نائب الرئيس السابق للبرلمان الإيراني، أن المعتقلين كانوا من "الشريحة الفقيرة" للمجتمع.
وقالت هلاله موسويان، المحامية التي عملت في قضية عدد من معتقلي احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، في تصريح أدلت به إلى صحيفة "اعتماد"، إن الأشخاص المعتقلين كانوا في الغالب من "معيلي الأسر" وإن مستوى معيشتهم "سيئ للغاية".
وعلى سبيل المثال، كتب محمد علي جاني، أحد المعتقلين، في رسالة له: "أنا معيل أسرتي وغيابي عن المنزل يتسبب في مشاكل مثل عدم دفع الإيجار ومشاكل عائلية لتوفير تكاليف الحياة".
وفي غضون ذلك، كان بين المعتقلين من لهم أعمال ومشاغل أخرى، مثل عامل بناء وسائق سيارة أجرة وعامل في المتجر ومغني راب وناشطين نقابيين وأعضاء في الأحزاب السياسية.
القضاة والتهم.. أسماء وعناوين مكررة
في معظم حالات الإدانة في طهران أو مدن أخرى، يكون القضاة ورؤساء المحاكم أسماء محددة ومكررة، وعادة ما يوقعون أحكام القضايا السياسية.
ومن بين هؤلاء في طهران، هناك أسماء مثل: أبو القاسم صلواتي، وإيمان أفشاري، ومحمد عمو زاده.
تجدر الإشارة إلى أن القاضي صلواتي تم وضعه على قائمة العقوبات الأميركية في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، إلى جانب القاضي محمد مقيسه، لانتهاكهما حقوق الإنسان، و"المحاكمات الجائرة في المحاكم الصورية للنظام الإيراني".
وفي قائمة الاتهامات التي وجهها القضاء الإيراني ضد المواطنين المحتجين، لوحظ في المقام الأول "التآمر والتواطؤ على النظام" بسبب المشاركة في المظاهرات.
رغم أن مشاركة المواطنين في المسيرات غير "المسلحة" أو التي "لا تنتهك مبادئ الإسلام" تعد قانونية، وأن احتجاج المواطنين، العام الماضي، كان مجرد نقد لسياسة الحكومة الاقتصادية التي تم الإعلان عنها ليلاً.
ومن بين عشرات الاتهامات التي استخدمها النظام الإيراني لإدانة المحتجين، هناك تهم مثل "الإخلال بالنظام العام، و قيادة المخربين، والتعاون مع الجماعات المعادية بإرسال أو إنتاج فيديوهات، وإهانة المرشد أو الرئيس، والتمرد على أوامر الحكومة، وتدمير الممتلكات العامة، والاشتباك مع عناصر الباسيج، وترديد شعارات احتجاجية، وتضليل الرأي العام".
السجن.. والعمل في مغسلة الأموات
في معظم الحالات، حكم القضاة على المواطنين بالسجن لمدد تصل إلى 10 سنوات أو أكثر. وفي حالات أخرى، أصدرت المحاكم أحكامًا بالجملة لعدد من الأشخاص في وقت واحد.
وتكشف التقارير المتاحة حتى الآن، عن إصدار أحكام بالسجن تزيد على 460 عامًا بحق المواطنين المحتجين، بالإضافة إلى أكثر من 5100 جلدة.
ومن خلال إلقاء نظرة على قائمة العقوبات الأخرى، يظهر أنه تم إصدار أحكام إضافية أخرى، مثل "الخدمة في الباسيج، وتغسيل الموتى، وخدمة جرحى الحرب، ونسخ الكتب الدينية والأخلاقية، والحرمان من العضوية في الأحزاب، والخدمة في المستشفيات".
الجناة أحرار.. والمتظاهرون في المحكمة
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، ومفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، والمقررون الخاصون، ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وكذلك جماعات حقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية؛ كانوا جميعا من بين أولئك الذين طالبوا، مرارًا وتكرارًا، بتحديد هوية المتورطين في قمع وتعذيب سجناء احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني). إلا أنه لم يحدث أي تقدم في هذا الأمر من قبل النظام الإيراني إلا في إدانة المواطنين.
وخلال هذا العام، لم يرد النظام الإيراني على الأسئلة حول عدد المعتقلين والقتلى، أو ظروف احتجاز المتظاهرين الحالية، أو الغموض في محاكماتهم، بل إن هذا الكم المحدود من المعلومات المنشورة أيضًا جاء بعد أشهر من الضغط والتقاضي الإعلامي والدولي.
وفي إحدى الحالات، منع المدعي العام محمد جعفر منتظري، في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، المسؤولين رسميًا من تقديم إحصاءات في هذا الصدد.
ومن المرجح أن تستمر الحكومة الإيرانية لفترة طويلة في إدانة المواطنين الذين مارسوا حقهم الدستوري في الاحتجاج على ارتفاع أسعار البنزين 3 أضعاف.
وما زال صمت النظام الإيراني تجاه هذه الاحتجاجات مستمرًا.
وفي هذا الصدد، يشار إلى أن جملة واحدة فقط بقيت عالقة في أذهان المواطنين قالها وزير الداخلية، عبد الرضا رحماني فضلي، رداً على انتقادات لإطلاق قوات الأمن النار على المتظاهرين، حيث قال: "لم نطلق النار على الرأس فقط، بل أطلقنا على الأرجل أيضًا".