الاتحاد الأوروبي يرغب في "طلاق" الاتفاق النووي
في الذكرى الأولى للانسحاب الأحادي الأميركي من الاتفاق النووي، أعلن رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، حسن روحاني، يوم 8 مايو (أيار) قرار طهران بالرد على الإجراءات الأميركية؛ وهو القرار الذي استغرق سنة كاملة بالضبط لاتخاذه.
قالت طهران إنها في المرحلة الأولى، لن تلتزم بتعهدها بالمحافظة على سقف الـ300 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، والـ120 طنًا من الماء الثقيل في أراك، لكن روحاني حدد موعدًا نهائيًا مدته 60 يومًا للتفاوض مع دول (4+1)؛ وهو الاقتراح الذي رفضه الاتحاد الأوروبي بعد يوم واحد من إطلاقه.. كيف إذن يمكن تقييم قرار طهران؟ وما عواقب (نتائج) رفض الاتحاد الأوروبي؟
خطوة إيرانية محدودة وتحفظية.. يمكن التراجع عنها
في خطاب يشير إلى رد فعله الصارم، قال آية الله خامنئي- عندما أصبحت إدارة ترامب جادة في الخروج من الاتفاق النووي: "إذا مزقت الولايات المتحدة الاتفاق النووي، فإن الجمهورية الإسلامية ستحرقه". لكن مع الإعلان عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، لم يُتخذ هذا القرار أبدًا، بل إن طهران تمسكت بـ«الاتفاق النووي»؛ من دون الولايات المتحدة.
وكان من المقرر الإعلان عن الآلية المالية الأوروبية في غضون ثلاثة أسابيع.. وها قد مضى عام، دون معرفة أي شيء عن هذه الآلية سوى اسمها (Instax).
وفي وصفه للسلوك الذي اتبعته أوروبا على مدار العام الماضي، قال ظريف إن الأوروبيين كمن يريد السباحة دون بلل.
والآن، في ذكرى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، يمكن تقييم رد فعل طهران الأخير على كل أنواع الضغوط والعقوبات، وعلى إدراج الحرس الثوري الإسلامي في قائمة المنظمات الإرهابية بأنه رد «محدود» للغاية؛ فهو رد ليس مؤلمًا لأميركا، لكنه بالنسبة لطهران، یمثل قليلاً من حفظ "ماء الوجه"، ولكن بحذر تام، حيث إننا لم نشهد نفس القدر من رد الفعل في ذكرى انسحاب أميركا من الاتفاق النووي.
سبب وصف قرار طهران بالحذِر، أن رفض الالتزام بالتعهدات ترافق مع منح فرصة مدتها 60 يومًا؛ حتى إذا حصل قدر من التفاهم مع أوروبا وتم إطلاق الآلية المالية، تراجعت إیران عن القرار الذي اتخذته. وبالتالي، فإن فترة الـ60 يومًا كانت بمثابة إجراء تحذيري، وإشارة إلى أن القرار "قابل للتراجع"، بمعنى أن طهران ليس لديها نية لانتهاك تعهداتها، وهذا القدر من التمرد هو مجرد تنبيه لإیجاد حل.
وبعبارة أخرى، أرادت طهران، بهذا الإجراء، إجبار أوروبا على اتخاذ إجراءات عملية (السباحة وفقًا لظريف) للحفاظ على الاتفاق النووي، وإذا لزم الأمر، دفع التكلفة (البلل، وفقًا لظريف أیضًا).
وإذا انقضت فترة الـ60 يومًا ولم يتم التوصل إلى حل، فإن طهران ستنفذ المرحلة الثانية من قرارها الذي يفيد بعدم الالتزام بتخصیب اليورانيوم بنسبة 3.67 في المائة. ومن الواضح أن هذا العمل يمثل تهديدًا في حد ذاته.
لقد أظهرت إيران سابقًا قدرتها على تخصيب 20 في المائة. وهذا يعني أن طهران تريد أن تقول إنها بنت أو ستبني قدراتها لقوة التخصيب القصوى، لكنها ستفتح باب المفاوضات لمدة 60 يومًا.
وهذا يعني أيضًا أنه إذا توصلت المفاوضات، خلال الـ60 يومًا الثانية، إلى نتيجة، فهو المطلوب، لكن إذا لم تسفر عن نتيجة، فإن الاتفاق النووي سيموت وينتهي بالفعل.
وبعبارة أخرى، إذا دخلت المرحلة الثانية حيز التنفيذ، ولم تأت المحادثات في الـ60 يومًا الثانية بنتيجة، فلن يكون من الممكن اعتبار الإجراء الإيراني خطوة محدودة، حيث إن هذا العمل سيكون نقطة نهاية الاتفاق النووي.
الاتحاد الأوروبي يرحب بـ"طلاق" الاتفاق النووي
مع تصميم طهران المكوّن من مرحلتين، كل واحدة لمدة 60 يومًا، هناك 120 يومًا تقريبًا لقرار طهران الصعب في تجاوز مرحلة التخصيب البالغة 3.67 في المائة، ولكن الاتحاد الأوروبي لم ينتظر 120 يومًا؛ وقام بالرد بعد يوم واحد، قائلا: "إننا نرفض أي إنذارات نهائية من جانب إيران... وفي هذا الصدد، نعيد التأكيد على الدور الرئيسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية في الرقابة والتحقق من امتثال إيران لالتزاماتها النووية".
وفي البيان، هدد الاتحاد الأوروبي ضمنيًا بالرد إذا تلقى تقريرًا من الوكالة يفيد بأن طهران لا تمتثل لالتزاماتها، وهذا يعني ترحيب الاتحاد الأوروبي بطلاق الاتفاق النووي.
فعندما یقول ظريف إن الاتحاد الأوروبي لم يرغب حتى الآن في التبلل، فذلك يعني أن الاتحاد لم یضع نفسه في مواجهة الولایات المتحدة دفاعًا عن الاتفاق النووي.
كما أن تقييم الاتحاد لقرار الجمهورية الإسلامية هو أن إيران تريد أن تحمّل الاتحاد الأوروبي عبء مواجهة الولايات المتحدة. ومن الواضح أن هذا ليس ما تريد أوروبا القيام به.
من ناحية أخرى، فإن انسحاب الولايات المتحدة بطريقة غير قانونية لا يتوافق مع سلوك الاتحاد الأوروبي. ولكن من وجهة نظر الاتحاد، إذا كانت الجمهورية الإسلامية ترغب في إنهاء الاتفاق النووي بقرار المرحلة الثانية (عدم الالتزام بتخصيب 3.67 في المائة من اليورانيوم)، فإن الاتحاد سيرحب به أيضًا.
بمعنى آخر، إذا بدأت المرحلة الثانية، أي تخصيب اليورانيوم بنسبة أكثر من 3.67 في المائة من قبل طهران، فسيكون موقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واحدًا بالتأكيد، حيث إن دول الاتحاد، من خلال تحويل القضية إلى مجلس الأمن الدولي، ستعتبر إیران منتهكة للقرار 2231 وفي حالة التصويت بالموافقة من قبل روسيا والصين، فسيتم تلقائيًا استئناف جميع العقوبات التي علقتها الأمم المتحدة بموجب هذا القرار.
بهذا الإيضاح، يبدو أن الاتحاد الأوروبي سيخلّص نفسه من التزاماته في الاتفاق النووي، ليس بيده بل بيد إيران. لكن لا ينبغي أن ننسى أن رد الفعل الأكثر ترجيحًا لإيران، في هذه الحالة، ليس فقط الإعلان عن موت الاتفاق النووي بل الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
ولا ينبغي أن ننسى أن كوريا الشمالية قررت الانسحاب من المعاهدة المذکورة في يناير (كانون الثاني) 2003، تحت ضغط الولايات المتحدة، وفي فبراير (شباط) 2005 أعلنت نفسها دولةً تمتلك قدرة نووية، وقامت بعد ذلك بتطوير صواريخ باليستية طويلة المدى لتهديد الولايات المتحدة.
وبناءً على هذا الافتراض، فإن رد الفعل العسكري للولايات المتحدة، أو إسرائيل، وبعض الدول الأخرى، سيكون أكثر ترجيحًا من ذي قبل.