المفاوضات الإيرانية الأميركية في إطار "5+1".. أم خارجه؟
في إطار سياسة "لا حرب ولا تفاوض"، قال المرشد الإيراني علي خامنئي: "على الأميركيين أن لا يقتربوا"، وعلى الرغم من ذلك فإن الشواهد التاريخية تفيد بأن طهران وواشنطن تفاوضتا سرًا، كلما اقتضت الضرورة، وليس أدل على ذلك من سنة التفاوض السري بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة، بداية من رحلة مك فارلين السرية لطهران، مرورًا بمساعدة إيران في الحرب الأميركية على طالبان، ثم الهجوم الأميرکي علی عراق صدام، وكذلك المحادثات النووية السرية في عمان نهاية فترة حكم أحمدي نجاد؛ بضوء أخضر من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، قطعًا.
لذلك، فإن قضیة المفاوضات مع حكومة ترامب غیر مستبعدة، خاصة وأن طهران رصدت بوضوح المفاوضات العلنیة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، وشهدت أن هذه البلاد أوقفت "قطار العقوبات" الأميرکي تقريبًا، دون إعطاء أي نقاط مهمة، وفقط مقابل بضع صور تذكاریة في التاريخ، فلماذا لا تفعل طهران مثل ذلك؟
لكن الفرق بين إيران وكوريا الشمالية أن الزعيم الكوري الشمالي، خلافًا لمرشد الجمهورية الإسلامية، لم يمنع إجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة. بمعنى آخر، إذا كانت طهران مستعدة للتفاوض مع واشنطن مباشرة، ولو بشکل سري، فإن دونالد ترامب سيكشفها على أنها إنجاز لسياسته الخارجية لتعزیز موقفه في "حملته الانتخابیة"، لكونه "شخصیة دراماتيكیة"، وسیعتبر جر طهران إلى طاولة المفاوضات نجاحًا، وهو أمر غير مرغوب فيه من قبل المرشد الأعلى، لذلك لا بد من طريقة أخرى عبر أوروبا.
التفاوض داخل "5+1"
منذ بداية الجولة الجديدة من الجدل بين طهران وواشنطن، خاصةً منذ قرار إيران بتقليص التزاماتها في إطار الاتفاق النووي، والذي أثار كثيرًا من القلق علی مستوی العالم، ظهرت حتی الآن كثير من "الوساطات" بين إيران والولايات المتحدة، وکان أهمها زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى طهران، يوم 12 يونيو (حزیران) عام 2019، والتي لم تسفر عن شيء تقريبًا.
ربما كان سبب فشل شينزو آبي هو أنه كان مجرد "مبعوث" من قبل ترامب، أكثر من كونه وسیطًا مبدعًا ومبتکرًا.
بعد آبي، وفي أحدث المحاولات، نشط الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وأرسل مبعوثه الخاص إلى طهران. ومن المفترض أیضًا أن يزور إيران بنفسه.
في الخطوة الأولى من نموذج وساطته، سيحاول ماكرون وقف التوترات بين إيران والولايات المتحدة، حتى لا يزيد مستوى التوتر. ووفقًا للنتائج، فإن اقتراحه هو "الوقف مقابل الوقف"، بمعنى أن الولايات المتحدة ستجمد مؤقتًا بعض العقوبات على الأقل لفترة قصيرة من الزمن، خاصة في صناعة النفط والبنوك، وفي المقابل، ستتوقف إيران عن خفض التزاماتها النوویة.
ومع افتراض نجاح فرنسا (بدعم من الاتحاد الأوروبي) في هذه الخطوة، فإن المشكلة تكمن في أن دول العالم تعرف أن وقف التوترات يمكن أن يكون مؤقتًا وهشًا. مما یُحتم اتخاذ الخطوة الثانية. وفي هذه الخطوة الثانية، تسعى فرنسا لإقامة حوار بين طهران وواشنطن.
نموذج أميركا للتفاوض مع إيران لا يخفی علی أحد، حيث تبحث واشنطن عن محادثات مباشرة وثنائية مع إيران، في حين أن النموذج الإيراني (الذي لم ترشح عنه سوی بعض الإشارات فقط) هو التفاوض في إطار 5+1.
ونظرًا لأن الولايات المتحدة قد خرجت فعليًا من الاتفاق النووي ولم تعد جزءًا من هذا الاتفاق، فإذا قبلت حکومة ترامب بالتفاوض مع إيران في إطار هذا الاتفاق، إلی جانب الأعضاء الآخرين، فإنه سیكون في الحقيقة نجاحًا لسياسة إيران الخارجية، حيث إن الولايات المتحدة رأت "الصفقة سيئة"، وتركتها، وها هي تعود إليها اليوم.
وفق هذه القراءة، وبافتراض أن وساطة فرنسا لها حظ من النجاح، وبافتراض أن إيران لن ترفض التفاوض مع الولايات المتحدة، کما في الماضي، وإذا كانت المحادثات بين البلدين ستتم، فإن السؤال هو: هل سيتفاوض البلدان في إطار 5+1، أم خارجه؟