8 مواصفات تميّز "احتجاجات نوفمبر" في إيران
عكست الاحتجاجات الإيرانية في نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أحدث صورة لحضور السياسة بشكل جلي في الشارع، وذلك عندما هتف المحتجون بكل شجاعة يطلبون التغيير الجذري في المشهد السياسي، ودفعوا ثمن ذلك عشرات القتلى، ومئات المصابين، وآلاف المعتقلين.
وقد فرضت القوات الأمنية سيطرتها على الشارع بعد أقل من أسبوع، من بدء الاحتجاجات، وازدحمت أماكن الاحتجاج بالمدرعات الثقيلة والقوات الملثمة، بعد أن كانت مكتظة بالمحتجين الغاضبين.
لقد عاد المحتجون إلى منازلهم.. ويمكن الآن دراسة التداعيات المترتبة على الاحتجاجات المذكورة، حيث إن هناك ما يختلف في هذه الاحتجاجات الإيرانية، بدءًا من أسلوب الاحتجاج، مرورًا بأساليب القمع، ومصير الجماعات السياسية، وانتهاء بموقف المعارضة الإيرانية تجاه هذه الاحتجاجات.
أولاً: جدية سكان ضواحي المدن في احتجاجهم
إذا كان هناك أدنى شك حول الشرائح الاجتماعية التي بدأت احتجاجات يناير (كانون الثاني) عام 2018، فقد تبددت تلك الشكوك في احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. لقد كانت ضواحي المدن مركزًا لهذه الاحتجاجات الأخيرة كما هو الحال قبل عامين تقريبًا، حيث نشبت معظم الصراعات في هذه المناطق.
في العاصمة طهران، اقتصرت الاحتجاجات الشعبية على مناطق: صادقية، وبيروزي، وإغلاق بعض الطرق السريعة، ولكن هذه الاحتجاجات اتسعت رقعتها بشكل ملحوظ في ضواحي العاصمة طهران، مثل مدن شهريار، وإسلام شهر، وفرديس، حتى تم إحراق عشرات المصارف ومحطات الوقود.
لا يهم ما يُطلق على هذه الاحتجاجات من أسماء وصفات: تمرد الجياع، أو انتفاضة الفقراء، أو الثورة الشاملة، فما اتضح بجلاء، على كل حال، في هذه الاحتجاجات، هو اختلاف الضواحي عن مراكز المدن.. وتوضح خريطة الاحتجاجات أن المحتجين الذين يعيشون في المناطق الأكثر عرضة للتمييز، شاركوا في هذه الاحتجاجات بجدية أكثر من غيرهم.
ثانيًا: محتجون شجعان وشعارات راديكالية
كانت شعارات المحتجين في أنحاء مختلفة من إيران متشابهة إلى حد كبير. فقد هتف المحتجون في احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، مثلما هتفوا خلال احتجاجاتهم السابقة، قبل عامين تقريبًا، وجاءت هتافاتهم مناوئة للنظام السياسي الإيراني، فقد هتفوا دون خشية بـ: "الموت لخامنئي"، و"يسقط الملالي".
إن الهتافات التي رددها المحتجون في مظاهراتهم والإجراءات التي تمت في هذه الاحتجاجات، مثل إضرام النار في بيوت بعض أئمة صلاة الجمعة والهجوم على بعض المُصَلَّيات، كل هذه أظهرت أن المحتجين لا يخافون من المواجهة المباشرة مع النظام السياسي برمته.
ثالثًا: صدمة النظام الإيراني منذ ليلة الاحتجاج الأولى
الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة، إثر الارتفاع المفاجئ لأسعار البنزين، كانت ضمن توقعات النظام الإيراني، غير أن ما صدم هذا النظام هو اتساع رقعتها في معظم المحافظات الإيرانية.
وبحسب معلومات مؤكدة، فقد استدعت الشرطة الإيرانية، صباح يوم الخميس 14 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي مديري بعض المتاجر متعددة الفروع في طهران، وحذرتهم من احتمال نشوب أعمال شغب وإضرام حرائق في أعقاب ارتفاع أسعار البنزين.
أي إن النظام كان يتوقع الاحتجاجات، لكنه صُدم من اتساع رقعتها ومدى التدمير الذي خلفته، وبالتالي فهو لم يجد خيارًا أمامه لاحتوائها، إلا عبر القمع الشامل.
رابعًا: فرصة لأسرة بهلوي
هتف المتظاهرون في الاحتجاجات الأخيرة، كما في السابقة عام 2018، أيضًا، بـ"يا رضا شاه، طاب ثراك"، وفي بعض المناطق هتف المحتجون بـ"يا شاه إيران، عُد إلى إيران"، وهو بدوره إشارة إلى نجل الشاه الإيراني السابق، رضا بهلوي، باعتباره خيارًا بديلاً لفترة ما بعد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وكما هو الواضح في مقاطع الفيديو المنتشرة، لم يهتف المحتجون لصالح أي شخص أو تيار آخر، سوى الشعارات التي رفعت في دعم الأسرة البهلوية.
وقد يرى البعض أن هذه الشعارات لا تعني بالضرورة مطلبًا سياسيًا للمحتجين بل هي ناجمة عن نوستالجيا جماعية، ليس لها أهمية ملحوظة في الواقع السياسي الراهن، ولكن حتى إن كانت
شعارات على مستوى رمزي فإنها تعطي نجل الشاه الايراني، رضا بهلوي، ومؤيديه، وزنًا أكبر بالنسبة للقوى المنافسه له؛ على الأقل في الأوضاع الحالية.
خامسًا: القوات الأمنية أمام أساليب جديدة
إن مشاهدة ألسنة اللهب في المصارف المحترقة، والشوارع المكتظة بدخان الإطارات المحترقة، كانت جديدة بالنسبة للقوات الأمنية الإيرانية، فقد كانت عمليات قمع احتجاجات عام 2009 أسهل وأبسط من هذه الاحتجاجات الأخيرة، وذلك لأن زعماء التيار المعارض آنذاك كانوا شخصيات مألوفة ومعروفة للجميع، وكانت المسيرات والاحتجاجات تتشكل في أماكن خاصة، وغالبًا ما كانت تنطلق من مراكز المدن الكبرى، وكان من السهل إرسال قوات الأمن من مدن أخرى إلى مركز هذه الاحتجاجات، أي إلى العاصمة طهران، وبعض المدن الكبرى.
إن اتساع رقعة الاحتحاجات بداية عام 2018، كانت وخزة للقوات الأمنية لكي تفهم أن قواعد اللعبة تغيرت تمامًا، بينما أثبتت لهم احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي أنه كما لا يمكن التنبؤ بالقمع الرخيص الذي تم قبل عَشر سنوات، فلا يمكن التنبؤ أيضًا بتكاليف الاحتجاجات.
سادسًا: الاحتجاجات نار تحت الرماد تنتظر من يشعلها
كشفت مقاطع الفيديو المنتشرة من الاحتجاجات الأخيرة التي عمت مختلف المدن الإيرانية، عن نمط موحد للقمع تنتهجه القوات الأمنية، كما كشفت عن تهور هذه القوات في استخدامها لإطلاق الرصاص المباشر على المحتجين.
ووفقًا لآخر الإحصاءات التي نشرتها منظمة العفو الدولية عن الاحتجاجات الأخيرة، فقد قتل 115 شخصًا، على الأقل، رغم أن الإحصاء غير الرسمي أعلى بكثير من العدد المذكور، علمًا أن أعداد القتلى ومئات المصابين وآلاف المعتقلين، التي أسفرت عنها الاحتجاجات الأخيرة في إيران، تظهر مستوى غير مسبوق من العنف ضد المحتجين، حتى بالمقارنة مع احتجاجات عامي 2009 و2018.
لقد تم إخماد احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي من خلال قمع غير مسبوق. ولكن ليس من المستبعد أن تشتعل هذه النار تحت الرماد قريبًا.
الأفق الاقتصادي لا يزال مظلمًا، والفجوة الطبقية آخذة بالتزايد، والفقر أكثر تفشيًا من أي وقت مضى. وحتى لو أطلقنا على المحتجين اسم "جيش الجياع"، فإن هذا الجيش هو الذي خسر المعركة، ولكنه يعتقد أن الحرب مستمرة.
سابعًا: لعبة الإصلاحيين الفاشلة
لم يتمكن التيار الإصلاحي الإيراني الذي خسر جزءًا مهمًا من وجهته الاجتماعية، بسبب صمته إزاء قمع احتجاجات بداية عام 2018، لم يتمكن من استعادة مصداقيته المفقودة خلال الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت، في وقت سابق، من الشهر الجاري.
كما أن الشخصيات البارزة في هذا التيار، مثل مير حسين موسوي، ومهدي كروبي، ومحمد خاتمي، لم تتخذ موقفًا تجاه احتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وكان الرد الوحيد للتيار الإصلاحي، حتى اليوم، هو فقط إصدار بيان أدانوا فيه ممارسة العنف ضد المحتجين، حتى إن هناك شكوكًا أيضًا حول هذا البيان، وانتساب الموقعين عليه إلى التيار الإصلاحي الكلاسيكي.. على سبيل المثال، أعلن حسين مرعشي، عضو حزب "كوادر البناء"، بطريقة أو بأخرى، عن براءته من هذا البيان.
ومع أن الإصلاحيين أطلقوا خلال الأيام التي سبقت الاحتجاجات الأخيرة نظامًا انتخابيًا باسم "سرا" لحشد شعبيتهم الاجتماعية في الانتخابات البرلمانية في مارس (آذار) القادم، ولكن في ظل الأوضاع الراهنة وموقفهم الأخير، فإن فرصتهم أقل بكثير في تشجيع الشعب على المشاركة في الانتخابات البرلمانية.
والجدير بالذكر أن موجة الإحباط الناجمة عن قمع الاحتجاجات الأخيرة تجلت بوضوح بين مؤيدي الإصلاحيين، وأن بعض الشخصيات التي كانت سابقًا تنحاز إلى فكرة الإصلاح التدريجي، تنشر الآن في وسائل التواصل الاجتماعي أن هذه الجهود بلا جدوى.
ثامنًا: الطبقة الاجتماعية التي لم تعد تطيع النظام
أقامت الجمهورية الإسلامية لأربعة عقود أسس نهجها على أكتاف طبقة اجتماعية تسمى، حسب المصطلحات الإسلامية، الطبقة المحرومة والمستضعفة، وهي الطبقة التي كانت تصطف أمام مراكز الاقتراع، بدلا من الصمود أمام شرطة مكافحة الشغب في الشوارع.. وكانت تهتف في المسيرات الحكومية: "الموت لأميركا"، بدلا من هتاف: "الموت لخامنئي".
إن التصور المثالي للجمهورية الإسلامية عن سكان الضواحي، هو هذا التصور المحزن عن الطبقة المستضعفة، بحيث تتصورها طبقة منصاعة تظهر أمام كاميرات التلفزيون الإيراني، وتقول إنها تدافع عن الثورة رغم كل المصاعب.
وفي الوقت الذي بحث فيه الإصلاحيون عن ناخبيهم بين الطبقة المتوسطة في المجتمع، سعى الأصوليون للحصول على أصوات القرويين وسكان الضواحي الذين كانت معظم مطالبهم معيشية.
لقد حاول إبراهيم رئيسي، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أن يفوز على حساب هذه الطبقة الاجتماعية الضعيفة، ولكنه فشل في نهاية المطاف، رغم وعوده بالعدالة الاجتماعية.
كانت هزيمة رئيسي الانتخابية كافية للكشف عن فشل خطاب الجمهورية الإسلامية في الحفاظ على شعبيتها وأسسها بين سكان الضواحي. والآن، وبعد الاحتجاجات الأخيرة، تجلت هذه الهزيمة أكثر من الماضي.
في عام 2009، كان الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، في حملته الانتخابية، يوزع أكياسًا ضخمة من البطاطا بين القرويين من أجل جلب الأصوات، وفي الانتخابات الرئاسية الماضية، قبل عامين، سعى إبراهيم رئيسي إلى الحصول على مؤيدين له، من خلال توزيع طعام النذور.
والآن، وحتى بعد الوعد الذي أعطته الحكومة الإيرانية بمضاعفة مبلغ الدعم الحكومي، لم تهدأ احتجاجات سكان ضواحي المدن. وستكون محاولات المرشحين للانتخابات البرلمانية القادمة من أجل جلب الأصوات، لافتة للنظر.